هل نحفل بايران ونكلف بها؟؟؟

سرف المداد

لم تسعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن تبذل أدنى جهد لتجسير الفجوة بينها وبين الدول العربية، فرغم تعاطف الكثير من شعوب هذه الدول مع الجمهورية، خاصة في ظل هذا الظروف العصيبة التي تمر بها، واستهدافها من العدو الصهيوني باغتيال عقولها الراجحة واستهداف مشروعها النووي، أو بضرب مقراتها العسكرية والدبلوماسية في سوريا، إلا أنه يصعب تصنيفها كدولة صديقة، وأي باحث سياسي مبتدئ، يستطيع أن يعثر على الأسباب التي تجعل صلاتنا مع دولة إيران لا تخلو من حرب تشب، وصلح يعقد، فالخطاب السياسي والأيديولوجي الذي تتبناه الجمهورية يتنافى تماماً مع الخطاب السائد في البلدان العربية، والمرجعية الدينية التي تفرز الديناميكية الوطنية، والتي تحظى بكل احترام وتبجيل في تلك الدولة المستهدفة من الدول الإمبريالية، هي مثار كراهية وبغض عندنا لخوضها في الرموز الدينية وتناولها لهم بالتهكم والازدراء، والواقع الذي لا يشوبه شك أو تسومه مبالغة، أن عدم الود والتناغم هذا ليس حصراً على مجموعة أو نخبة معينة من المجموعات الدينية التي تقطن البلاد العربية، بل من معظم هذه المجموعات، عدا طبعاً المجموعات التي تدين للمرجعية الشيعية بالولاء، وفي الحق أن الشعوب العربية تتعاطف مع الجمهورية لموقفها الداعم للقضية الفلسطينية، ولتصديها لغطرسة الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل، ولكنها في ذات الوقت تبغض تدخلها السافر في اليمن ودعمها للحوثيين، وعرقلتها هي وروسيا لطرق الإصلاح السياسي الذي كان من الممكن أن يتم لولا تبنيهم الحفاظ على نظام بشار الأسد الشمولي في سوريا الجريحة، ولاحتلالها لجزر الإمارات الثلاث التي بتنا في السودان لا نتعاطف معه كما كان في السابق، لأن الإمارات الرسمية ذكت في حرب السودان نارا، وأثارت في جوها أوارا ، شعوبنا العربية تمقت  تمقت الجمهورية الإيرانية، لأنها لم تراعي كوابح الخصوصية العربية حينما أخضعت القرار السياسي في العراق لسيطرتها، والعراق رغم كل الانتكاسات التي مرً بها وما زال يمر بها، فهو القطر الذي حمل تراث الحضارة العربية والإسلامية، كما أن له قائد باق رغم رحيله يتطلع كل الناس إلى تقليده، وما زال يحظى هذا القائد بإعجابهم وتقديرهم، ومحبته عندهم لا تحصى ولا تستقصى، فهو ببطولته التي أظهرها في مقصلة إعدامه جعلت الكثير من المهج تفيض عليه، وعلى العراق العظيم مكانة شديدة التأنق والإشراق.

مسألة أخرى تجعل الود لا يطغى في صلاتنا بدولة إيران، وهي اضطهاد الجمهورية الإيرانية لأهل السنة في شتى نواحي الجمهورية، فرغم كرور الأيام وتطور الزمن، ما زالت ايران تضفي طابعاً قدسياً في التنكيل بأهل السنة وتعذيبهم وقتلهم وحملهم على تغيير معتقدهم، وهذه الأفعال تنم عن عدم المساواة في الحقوق، ويكفي أن نزعم أن طهران عاصمة البلاد لا يوجد فيها مسجداً واحداً يرتاده أهل السنة، الأمر الذي يصعب من القيام بالتكاليف الشرعية لأهل هذه الطائفة، ونحن إذا قارنا وضع أهل السنة في الجمهورية بأهل الشيعة في الخليج العربي، نستطيع أن نجزم بيقين لا يخالطه شك أن وضع الشيعة أفضل،ً فلا يوجد قمع للشيعة أو تضييق عليهم في قضايا العبادات في عالمنا العربي وإن وجد فهو أقل ضراوة مما يلقاه أهل السنة في إيران.

لم أكن أود مطلقاً أن أتحدث عن الأسباب التي توهي من صلاتنا بالجمهورية الإسلامية الإيرانية بهذه الأريحية التحليلية، بل غايتي التي كنت أنشدها هي التشظي والانفجار الذي من الممكن أن يسود في المنطقة، خاصة إذا ابتلعت الجمهورية الطعم وأقدمت على الثأر من "ضربات اسرائيل الناعمة لتخوم مطاراتها في أصفهان"، ورغم أن المنطقة حاضنة للتوتر، إلا أنه ليس في مقدورنا أن نرى نموذج آخر يهوي، وتوتر جديد يتصاعد وتنفطر له أفئدتنا، فايران رغم كل التفاوت الذي بيننا وبينها، ورغم النزعة الشعبوية، والتيار الديني الذي تمثله، والذي لا نتوافق معه من الأساس، إلا أننا لا نستطيع أن نتحمل أي ضيم يلحق بهذه الجمهورية، خاصة من دولة نمقتها كل المقت كاسرائيل، ولا نستطيع أن نتقبل فكرة وجودها بأي زاوية من الزوايا، ما نتمناه ونرجوه أن تحل مشاعر الطمأنينة وتسود، لتشمل هذه المشاعر مواطني تلك الجمهورية وتشملنا نحن، وليس في حديثي سذاجة مصطنعة، أو نفاق صريح، فأنا أبغض أن أرى الكيان يثبت سيطرته على منطقتنا، وأن يفعل فيها ما يشاء، فالولايات المتحدة القوى العظمى يحركها هذا الكيان الناقم على دولة إيران، ويصر هذا الكيان على محق برنامجها النووي، وأن يحول دون تحقيق تفوقها، ما تريده إسرائيل أن تخضع الجميع لإرادتها، وتمنعهم من الأخذ بأسباب القوة والنهضة، لقد أخضعت الكثير من الأنظمة العربية، وجعلتها تلبي صاغرة ما تنشده ،ودفعت هذه الأنظمة الخانعة أن تنظر للعداء التاريخي معها باعتباره صفحة من صفحات الماضي التي يجب أن تنطوي، ولكنها عجزت أن تفعل نفس الشيء مع ايران.

رغم العصبيات الضيقة، والخلافات المذهبية، يؤلمنا أن تطال إيران بأذى، كما يؤلمنا هذا التعسف ضد أي دولة إسلامية أولت اهتمام متزايد بالتعويل على نفسها، وأرادت استيعاب التطورات الجذرية في مختلف العلوم بعقول أبنائها، بعد أن ضن عليها الغرب بهذه العلوم حماية لريادته، وحرصاً على تفوقه في هذا المجال، لا تحتاج ايران منا لعناصر تعبئة وحشد، فليس لنا ما نقدمه لها سوى أن يحفظ الله شعبها من كيد العدى وتربص المتربصين.

وسوم: العدد 1078