أسباب إنحطاط الأمة الإسلامية

خواطر من الكون المجاور

قبل إندلاع حرب / ٧ / تشرين (أكتوبر) ٢٠٢٣ في غزة ، كانت المقالات الأخيرة تتكلم عن مبادئ تعاليم النبي يوسف التي سيقوم الأعور الدجال بإخفائها أو تحريفها ليستطيع السيطرة على مجرى الإنسانية، وكان من المفروض أن يكون موضوع المقالة الجديدة عن المبدأ رقم / ١٠ / وهو ( العفة - السلام ) . ولكن مع إندلاع حرب غزة رأيت أن الوضع أصبح غير ملائم تماما لنشر هذه المقالة ، فالأمة العربية كانت تعيش في حالة هيستيرية من الفرح ، فمعظم وسائل التواصل الاجتماعي كانت تُظهر الأمور وكأن نبوءة زوال اسرائيل التي تكلم عنها الشيخ الفلسطيني بسام جرار قد بدأت تتحقق . معظم رجال الدين في المساجد باركوا هذه الحرب وطلبوا من المسلمين الدعاء بالنصر للمقاومة الفلسطينية . أما بالنسبة لي فكان الأمر مختلف تماما فبدلا من أن أرى ما يحققه جنود المقاومة وهم يقتحمون المستوطنات الإسرائيلية، كنت أرى في مخيلتي مشاهد حصلت قبل سنوات تعرض فرحة أهالي غزة وهم يخرجون بالآلاف في الشوارع صغارا وكبارا ، رجالا ونساءً مع إعلان وقف إطلاق النار الذي حدث في عام ٢٠٢١ وعام ٢٠١٤ . فكنت أتصور أهل غزة وقد إنقلبت فرحتهم تلك إلى بكاء وعويل فيوم / ٧ / أكتوبر قد فتح عليهم أبواب جهنم في الأرض .

لو أني كتبت رأيي في حقيقة ما سمي في ذلك اليوم (طوفان الأقصى) لكانت الشتائم في التعليقات قد وصلت إلي بالآلاف ، فيوم / ٧ / أكتوبر - حسب رأيي- كان يجب أن يُسمى ( طوفان عمى البصيرة ) فقد كشفت أحداث / ٧ / أكتوبر حقيقة الوضع الحالي للأمة الإسلامية ، وأثبتت كم أن الأمة الإسلامية اليوم هي أمة متخلفة تعيش في الأوهام ، أمة قادرة فقط على رفع شعارات رنانة ، أمة منفصلة عن الواقع تحلم بتحقيق الإنتصارات والمعجزات رغم أن مكانها بين القوى العالمية لا محل له من الإعراب .

اليوم وقد تدمر ٧٠% من الأبنية والمنازل في غزة ، ووصل عدد الضحايا فيها إلى حوالي / ٤٥ / ألف ضحية بين شهيد ومفقود معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين ، وأكثر من / ٨٢ / ألف مصاب . بدأ الكثير يتساءلون : لماذا لا يستجيب الله دعائنا نحن المسلمين ؟

رجال الدين الذين بشروا بنصر المسلمين في بداية حرب غزة ، اليوم يحاولون تبرير المأساة التي يعيشها أهل غزة بعد هذه الهزيمة الفاضحة للمقاومة الفلسطينية ، بأنه إبتلاء وإختبار من الله للمسلمين . هذا التبرير الساذج المتخلف ليس إلا عبارة عن رش الرماد في عيون المسلمين لكي لا يعلموا شيئا عن الحقيقة المرة التي تعاني منها الأمة الإسلامية، فالآية القرآنية صريحة بمعناها {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ( ٣٠ ) الشورى} ، ولكن آية قرآنية أخرى أيضا تقول {...كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ( ٢٤٩ ) البقرة} . الله يستجيب دعاء المؤمنين والمؤمنين فقط ، والسؤال هنا هل المسلمين اليوم هم حقا مؤمنين ؟ جميع العلامات من حولنا تقول لا ، والدليل هو رغم أن المسلمين هم من بدأوا جميع الحروب مع إسرائيل منذ عام ١٩٤٨ وحتى الآن ومع ذلك خسر المسلمون جميع تلك الحروب ، حتى حرب / ٧٣ / التي يظن المسلمون أنهم إنتصروا فيها لكن الحقيقة هي أن إسرائيل لم تخسر الحرب . وسبب هزيمة المسلمين في جميع هذه الحروب هو أن الدين الإسلامي بشكله الحالي الذي يُدرس في جميع كليات الشريعة في العالم والذي يؤمن به أيضا المسلمون العامة هو دين مختلف تماما عن دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فإله محمد صلى الله عليه وسلم ليس هو نفسه إله المسلمين اليوم . ولهذا أصبحت اليوم الأمة الإسلامية اكثر أمة منبوذة في جميع الأمم . فاليوم يُستخدم عالميا مصطلح واحد فقط وهو (إسلاموفوبيا) ويعني الخوف من المسلمين . فلا أحد يذكر كلمة هندوسوفوبيا ، ولا مسيحوفوبيا ولا يهودوفوبيا ، فقط نسمع إسلاموفوبيا . الدين الإسلامي بشكله الحالي ينطبق عليه الحديث الشريف (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء) دين محمد صلى الله عليه وسلم أصبح دين غريب عن ذلك الدين الذي تتكلم عنه كليات الشريعة الإسلامية. ولهذا كان من الطبيعي أن يخسر المسلمين في معظم الحروب وأن يصبح الدين الإسلامي دينا متخلفا تنفر منه جميع الأمم.

كثير من علماء الدين يحاول تبرير فشل الأمة الإسلامية اليوم بأن سببه القوى العظمى التي تحاول نشر الأفكار العلمانية في المسلمين لتضعف الأمة الإسلامية ، ولكن الحقيقة أن علماء الدين هم أنفسهم من قاموا بتشويه الدين الإسلامي منذ حوالي ٧٠٠ عام وحتى الآن، وهم أنفسهم من جعلوا الأمة الإسلامية أمة متخلفة ، الأمر الذي دفع الكثير من المفكرين المسلمين التوجه إلى العلمانية لتصحيح أوضاع هذه الأمة وتصحيح الدين أيضا، ولكن بعضهم بدلا من تصحيحه قاموا بتشويهه أكثر فأكثر .

في هذه المقالة والمقالات القادمة -إن شاء الله - سنحاول شرح حقيقة ما يحدث ليس فقط مع الأمة الإسلامية ولكن مع الإنسانية بأكملها . الموضوع معقد جدا ولا يمكن فهمه إلا عن طريق رؤية فلسفية (رؤية شاملة روحية ومادية) ، فالمشكلة الحقيقية التي يعاني منها المنهج العلمي الحديث هي عمى البصيرة .

إن تعريف الفلسفة أو بمصطلح عربي (علوم الحكمة) -حسب فلاسفة العصر الحديث- بشكل عام ومختصر هي محاولة في فهم حقيقة الوجود وذلك من خلال فهم حقيقة الإنسان وحقيقة وجوده وعلاقته بكل ما يحيط به في هذا الكون الذي يعيش به . هذا التعريف للفلسفة في الحقيقة هو تعريف فقير لا يوضح الحقيقة الكاملة لدور الفلسفة في البحث العلمي ، وذلك بسبب أن مفهوم الفلسفة كمنهج في البحث العلمي مختلف تماما عن منهج جميع العلوم المادية والإنسانية . فرغم ظهور محاولات عديدة عبر العصور لتشويه معنى مفهوم الفلسفة ولكن الفلاسفة عبر العصور رغم عدم فهمهم للمعنى الحقيقي للفلسفة ولكن وبشكل فطري عملوا بالمنهج الفلسفي وساهموا في تطور الإنسانية الروحي والمادي . ولكن للأسف في القرن /١٩/ تمكن الفلاسفة المزيفين من تشويه مفهوم الفلسفة وتحويلها إلى علم فقير لا علاقة له لا من قريب أو من بعيد بالفلسفة الحقيقية . فجميع كليات الفلسفة في بلدان العالم اليوم تبحث في قليل من كل العلوم ما عدا المواضيع الفلسفية . فأهم سبب للإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية في العصر الحديث هو غياب الفلسفة والفلاسفة الحقيقيين ، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ البشرية .

سنحاول توضيح هذه الفكرة بشكل بسيط ومفهوم للجميع :

الإنسان ككائن حي يختلف عن جميع أنواع الكائنات الحية ، فجميعها لديها حاجات من نوع واحد وهي حاجات مادية هدفها الحفاظ على الفرد وعلى النوع . أما الإنسان فلديه نوعين من الحاجات : حاجات مادية وحاجات روحية ، فهدف تأمين الحاجات الروحية هو تطور الإنسان بشكل متواصل نحو الأرقى كونه يحمل جزء من روح الله في تكوينه ، فالإنسان هو خليفة الله في الكون ، ولهذا نجد أن الإنسان عند ظهوره على سطح الأرض بدأ ككائن حيواني ساكن للكهوف ولكن كونه يمتلك جزء من روح الله نجده اليوم قد أستطاع أن يرسل مركبات فضائية لتكتشف أبعد الأماكن في الكون الفسيح ، وأستطاع أيضا أن يغوص في أعماق الذرة ليكتشف الجسيمات الأولية لبناء الكون .

العلماء يميزون الإنسان عن الحيوان بأنه عاقل أو ناطق ، هذا التعريف للإنسان هو تعريف فقير وخاطئ كونه كفكرة قد نتجت من إدراك مادي فقط (إدراك حيواني) . فالإدراك المادي تمتلكه الحيوانات أيضا . فجميع الفنون والعلوم تمارسها الحيوانات ولو أنها عند الحيوانات بمستوى بدائي جدا بالمقارنة مع مستواها عند الإنسان ، فبعض الطيور تستخدم الموسيقى والغناء و تقليد الأصوات ، وبعضها تصنع عشها بطريقة هندسية ، وبعضها تعالج نفسها بطريقة طبية ، وأخرى تستخدم طرق فيزيائية للحصول على طعامها ، النمل يستخدم أنظمة إجتماعية في إدارة مجتمعه ... وهكذا . فجميع الكائنات الحية بطريقة ما تستخدم نوع من أنواع العلوم أو الفنون لتأمين حاجاتها المادية ، ولكن بسبب إعتمادها على الإدراك المادي فقط لم تستطع تطوير علومها لتنقلها من مستوى إلى مستوى أرقى كما فعل الإنسان ، فالفرق الوحيد بين الإنسان والحيوان هو أن الإنسان هو (كائن فيلسوف) وهذا هو التعريف الحقيقي للإنسان . لهذا نجد أن الإنسان هو فقط من بين جميع الكائنات أثناء محاولته معرفة حقيقة ما يحيط به من كائنات حية وظواهر طبيعة وصل إلى فكرة وجود خالق لهذا الكون . إن ظهور فكرة وجود خالق في العقل البشري فتحت عين الإنسان على عالم كبير غير متناهي فتح له آفاق واسعة في التفكير والبحث ، فتحول الإنسان من كائن حيواني مادي إلى كائن بشري فيلسوف (محب للحكمة).

حاجة الإنسان إلى خلق توازن روحي مادي في تأمين حاجاته من أجل وضع نظام إجتماعي سعيد ومتكامل يسمح له بالتطور المستمر ، دفعه وبشكل فطري إلى محاولة التعبير عن وجود خالق يقوم بتنظيم الكون وتنظيم المجتمعات الإنسانية ، فكانت أساطير الشعوب هي بداية ظهور التفكير الفلسفي لحل لغز الخلق أو الوجود، وليساهم أيضا في تطوير جميع أنواع النشطات الفكرية . فإذا تمعنا جيدا في طبيعة شخصيات أبطال الأساطير وأحداثها سنجد أنها في الحقيقة كانت تستخدم نوع من أنواع التعبير الفلسفي والمعروف اليوم بأسم الفلسفة الرومانسية . فالأساطير القديمة رغم أنها قد كُتبت بطريقة فطرية وفي عصور كان مستوى المعارف والعلوم فيها بمستوى مرحلة الصف الأول إبتدائي ، ولكن نجد انها مليئة بالرموز التي تُعبر عن أفكار تم إثبات صحتها بشكلها العلمي في عصرنا الحديث .

ومع ظهور أول الكتب المقدسة السماوية (التوراة) نجد ظهور فكرة مبدأ الحالة الإزدواجية التي توصل إليها علماء فيزياء الكم (كوانتم) والتي تقول بأن الجسيمات الأولية توجد على حالتين : موجية وجسيمية ، الموجية هي رمز للحالة الروحية ، والجسيمية هي رمز للحالة المادية . حيث نجد قصص الأنبياء في التوراة هي أيضا تستخدم هذا المبدأ ، فنجد إزدواجية شخصيات قصص الأنبياء : قايين - هابيل ، إبراهيم - لوط ، إسماعيل - إسحاق ، يعقوب - عيسو ، يوسف - بنيامين . ثم تستمر هذه الحالة الإزدواجية في الديانات السماوية الثلاث : موسى - هارون ، عيسى - يحيى ، أحمد - علي (عليهم الصلاة والسلام) . ولكن في القرآن الكريم نجد أن الحكمة الإلهية جمعت (أحمد - علي) وكأنهم شخصية واحدة تحمل أسم (محمد) الذي يتألف من مقطعين (محى - مَّدَ) ، حيث كلمة (محى) تمثل الرمز (٨١) الموجود في شكل خطوط كف اليد اليسرى والمسؤول عن تأمين الحاجات المادية. أما كلمة (مد) فتمثل الرمز (١٨) الموجود في اليد اليمنى والمسؤول عن تأمين الحاجات الروحية ، حيث مجموع الرمزين كأرقام ( ١٨+٨١ ) يعادل ( ٩٩ ) وهو عدد الأسماء الحسنى . فالأنبياء (موسى ، عيسى ، أحمد) يمثلون الرمز ( ١٨ ) ، أما (هارون - يحيى - علي) فيمثلون الرمز ( ٨١ ) .

الكتب المقدسة مكتوبة برؤية فلسفية شاملة ( رؤية روحية ورؤية مادية) ، فحذف إحدى هاتين الرؤيتين في تفسير النصوص الدينية سيحول النص الديني من سماوي إلى وثني يساهم في تنفيذ مخطط الأعور الدجال ، ولهذا يقول الحديث الشريف (وما ربكم بأعور) .

جميع أنواع العلوم والفنون تمثل نوعية الحاجات التي يتطلبها التكوين الإنساني كما خلقه الله ووضعها في التكوين الإنساني لتتعاون مع بعضها البعض لتتمكن في الوصول إلى رؤية شاملة متكاملة قادرة على كشف حقيقة الأشياء والأحداث . ولكن بما أن الوصول إلى الحقيقة الكاملة عملية معقدة جدا لهذا الحكمة الإلهية قسمت الوجود إلى مذكر ومؤنث { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ( ٤٩ ) الذاريات}، وقسمت الحياة إلى مملكة نباتية (مؤنث) ومملكة حيوانية (مذكر)، وقسمت الإنسانية إلى شعوب شرقية (آسيوية) وتمثل الرمز ( ١٨ ) (مؤنث) ، وشعوب غربية (أوربية ، أفريقية) وتمثل الرمز( ٨١ ) (مذكر) ، ولهذا نجد أن جميع الديانات العالمية الحالية ظهرت في آسيا (الشرق)، وأن جميع العلوم المادية تم تطويرها لتأخذ شكلها المتقدم اليوم قد حدث في أوروبا (الغرب). ولهذا نجد أن الحكمة الإلهية في تصميم القرآن ذكرت في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ١٣) . ولكن ومع ذلك نجد أن الحكمة الإلهية قد أعطت النبي الذي يمثل الرمز ( ١٨ ) مكانة أعلى من مكانة النبي الذي يمثل الرمز ( ٨١ ) . ولهذا نجد في الديانة المسيحية أن النبي يحيى الذي يمثل الرمز ( ٨١ ) يُقتل في بداية ظهور الديانة المسيحية فيحل محله (بولس الطرسوسي) الذي سيقوم بدوره ليس كنبيا ولكن كإمام يساهم في فهم وشرح تعاليم الإنجيل كونه ولد وتعلم في مدارس يونانية ، وكذلك أيضا في الديانة السماوية الأخيرة (الإسلام) نجد أن (علي) تم ذكره في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بشكل رمزي . فالقيمة الرقمية لأسم أحمد والتي تعادل ( ٣٥٨ ) هي نظيرة القيمة الرقمية لأسم علي والتي تعادل ( ٨٥٣ ) ، وهي نفس علاقة التناظر بين الرمز (١٨) والرمز (٨١) . (هذا الموضوع شرحناه بالتفصيل في مقالات ماضية) .

إذا تمعنا اليوم في أنواع العلوم والفنون التي يتم تدريسها في الجامعات سنظن أنها علوم وفنون متكاملة تحقق الرؤية الشاملة في البحث العلمي ، ولكن في الحقيقة هذا لا يحصل بسبب غياب الفلسفة ، فهناك إنفصال كامل بين العلوم المادية والعلوم الإنسانية والدينية ، فنظام التعليم المستخدم اليوم يفرض على الطالب بشكل مبكر جدا إختيار أحد النوعين من الإختصاصات : فرع أدبي (علوم إنسانية) أو فرع علمي (علوم مادية) ، حيث كل فرع ينمي نوع واحد من الرؤية ، فكلا الفرعين في الحقيقة ، العلمي والأدبي سيؤديان إلى الرؤية بعين واحدة وهذه النوعية من الرؤية هي رؤية الأعور الدجال .

قبل قليل ذكرنا أن سبب الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية اليوم هو غياب الفلسفة التي خلقها الله لتساهم في توحيد العلوم الروحية والمادية لتخلق نوع من التوازن في تحقيق جميع الحاجات الإنسانية الروحية والمادية لتستطيع الإنسانية التخلص من جميع تلك التشويهات التي حصلت في تكوينه نتيجة إرتكاب الخطيئة والتي كانت سببا في طرد الإنسان من الجنة. أول فيلسوف ظهر على سطح الأرض هو النبي إدريس عليه السلام قبل حوالي / ٥٠ / ألف عام وهو الذي جعل الإحساس الفلسفي ينشط في الفكر الإنساني ليدفعه في النظر حوله برؤية شاملة تؤمن حاجاته الروحية والمادية . الفيلسوف الثاني هو النبي يوسف عليه السلام المذكور في الحضارة المصرية القديمة بأسم (أمحوتب) الذي بنى أول هرم في تاريخ البشرية ليأخذ هذا الهرم شكل يحمل تعبير روحي يوضح الهدف الحقيقي من وجود الإنسان على سطح الأرض ، لذلك كان هذا الهرم على شكل هرم مدرج يتألف من / ٦ / مصطبات فوق بعضها البعض وكأنها سلم يصعد نحو السماء ، والذي له معنى أن الهدف الحقيقي من وجود الإنسان على سطح الأرض هو الصعود نحو السماء للعودة إلى الوطن الأم وهو الجنة . تعاليم النبي يوسف كانت تعتمد على فهم لغة الأرقام ولغة الرموز والتي تمثل اللغة الإلهية التي وضعها الله في مكونات الكون وآيات الكتب المقدسة لتشرح للإنسان المخطط الإلهي في التطور المادي والروحي للإنسانية. فالتعريف الحقيقي للفلسفة بشكل مختصر جدا (هي تلك الأبحاث التي تساهم في فهم المخطط الإلهي في تطور الكون والإنسان) والذي عبرت عنه الآية القرآنية {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ٢٠ )} الحكمة الإلهية ذكرت هذه الآية في سورة العنكبوت لتبين لنا أن المخطط الإلهي هو موضوع معقد جدا ومتشابك وفهمه بحاجة لرؤية شاملة يتم فيها توحيد جميع العلوم الروحية والمادية، وهذا التوحيد لا يمكن أن يحدث إلا عن طريق علوم الفلسفة ، أما توحيد العلوم المادية فقط وإهمال العلوم الروحية عندها سنحصل على ما يشابه شبكة العنكبوت التي هي أوهن البيوت {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤٢)العنكبوت} .

اليوم نحن نعيش في عصر حيث دور التعليم تعتمد منهج علمي مادي فقير على شاكلة مبدأ شبكة العنكبوت لا مكان للروح في هذا المنهج ، حيث إتحاد هذه العلوم يتم بشكل أفقي وليس في جميع الإتجاهات . عناوين سور القرآن الكريم وكلمات آياته ليست إلا رموز تعبر عن زوايا نظر لجميع أنواع العلوم والفنون : علم الفلك (السور : النجم ، القمر ، البروج ، الطارق ، التكوير ، الشمس)، علم الحيوان (البقرة ، الأنعام ، النحل ، النمل ، العنكبوت ، الفيل ..) علم النبات (التين ، الزيتون) علم الكيمياء (الدخان ، الحديد) ، علم الفيزياء (النور ، فاطر ، الإنفطار ) علم الأحياء (العلق) ....إلخ . وإذا تمعنا في كلمات الآيات نجد علم البيولوجيا وعلم التاريخ وعلم النفس وعلم الإجتماع وفن الرواية وعلم اللغة .فذكر هذه المواضيع المتنوعة في القرآن ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى أن فهم كلام الله وتأويله ليس فقط بحاجة للإلمام بعلوم عديدة متنوعة ولكن بحاجة بشكل رئيسي لعلم الفلسفة الذي يوحد هذه العلوم للحصول على رؤية شاملة . فنصوص الكتب المقدسة ليست إلا ترجمة لجميع قوانين الكون التي تتحكم في خلق جميع مكوناته من أبسطها إلى أعقدها والتي منها جميعا تم خلق الإنسان كما يذكر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه (دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ... وَتَـحْـسَبُ أَنَّـكَ جِـرْمٌ صَـغِـيرٌ وَفيكَ انطَوى العالَمُ الأَكبَر) فالتكوين الإنساني نفسه يعتمد المبدأ الفلسفي في الخلق ، فهو يوحد جميع مكونات الكون الجامدة والحية في كائن واحد وهو الإنسان ولهذا يقول الفيلسوف رينيه ديكارت (١٥٩٦-١٦٥٠) أن الإنسان هو الوحيد الذي يملك الروح في تكوينه، ويعني قصده ذلك الجزء من روح الله الذي نفخه في آدم .

فلسفة النبي يوسف عليه السلام إنتشرت من مصر (الموجودة بين المشرق والمغرب) إلى جميع شعوب العالم ، الشعوب الشرقية أخذت القسم الروحي ، والشعوب الغربية أخذت القسم المادي . إن مصر كمنطقة جغرافية تُعتبر رمزيا منطقة إتحاد الشرق مع الغرب ، ولهذا نجد أن شبه جزيرة سيناء هي آسيوية ولكن تتبع للدولة المصرية ، وهذا ليس صدفة ولكن حكمة إلهية تفسر لنا معنى الفلسفة . القسم الشرقي (الآسيوي) حاول أن ينمي فيها العلوم الروحية بشكل أكبر لهذا ظهرت فيها اولا الديانة الهندوسية ثم الديانة اليهودية لتلعبا هذا الدور . وعندما وصلت الأمور في القسم الشرقي إلى حده الأقصى بسبب ضعف الجانب المادي فيها ، وجب على الفكر الفلسفي أن يعود إلى القسم الغربي ليُحدث نوع من التوازن بين تطور العلوم الروحية مع تطور العلوم المادية ، فظهر الفكر الفلسفي في اليونان بدلا من مصر ، كون اليونان أيضا هي أقرب منطقة من القسم الغربي إلى الشرق حيث القسم الغربي من تركيا في ذلك الوقت كان تحت السيطرة اليونانية .

في بداية القرن السادس قبل الميلاد يحدث دمار هيكل سليمان على يد ملك بابل نبوخذ نصر عام (٥٨٧) قبل الميلاد ، وفي نفس الوقت تماما يبدأ ظهور نشاط فكري في اليونان يحاول حل لغز أصل الوجود بعيدا عن الأساطير والخرافات ، فنجد كل مفكر هناك ينسب أصل الوجود إلى عنصر مادي معين ، فحسب طاليس أن الماء هو أصل الوجود ، وحسب آناكسيمانس هو الهواء ، وحسب هيراقليطس هو النار ، أما حسب أمفيدوكليس فأصل الوجود هو أربعة عناصر (الماء، الهواء، النار ، التراب) أما عند ديموقريطس فأصل الوجود هو ذرات متناهية في الصغر لا تقبل القسمة إلى أصغر منها (الذرة). معظم كتب الفلسفة اليوم تذكر أن طاليس (٦٢٥-٥٤٠ ق م) هو أول فيلسوف في التاريخ كونه من أوائل من تكلم عن أصل الوجود بشكل علمي . في الحقيقة هذا الرأي هو رأي شخص ليس له علم في الفلسفة . فجميع هذه النظريات التي ذكرناها في أصل الوجود تعتمد على الرؤية المادية وهي ساهمت في تطوير العلوم المادية فقط وليس تطوير الفلسفة كفلسفة ، فمثلا الماء هو أصل الحياة ولكنه ليس أصل الوجود {..... وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ(٣٠) الأنبياء} فرأي طاليس هو رأي عالم أحياء وليس رأي فيلسوف ، والأمر نفسه ينطبق أيضا على جميع هذه النظريات .

ولكن نجد شخص واحد فقط في اليونان يظهر برؤية مادية وروحية في نفس الوقت ليخرج بنظرية غريبة جدا وهو الفيلسوف بيثاغوراس (٥٧٥ -٤٩٠ ق م) حيث قال أن أصل الوجود هو (العدد) . هذه الفكرة لم تكن فكرة عبقرية فقط لأن مستواها أعلى بكثير من وصفها بفكرة عبقرية ، فهذه الفكرة هي وحي إلهي ، فعلى هذه الفكرة يعتمد الحاسوب في تخزين ونقل جميع أنواع المعلومات في عصرنا الحاضر . فالعدد هو شيء مجرد يمكن رؤيته بشكله المادي (طول الحبل /ه/متر) مثلا ، ولكن يمكن إحساسه أيضا بشكله روحي ، فالألحان الموسيقية مثلا ليست إلا أصوات مختلفة تصدر بسبب إختلاف طول الأوتار في القيثارة ، فاختلاف الأصوات سببه وجود منظومة عددية دقيقة تنتج أصوات مختلفة وهي التي تسبب ذلك الإنسجام بين الأصوات المختلفة لتعطينا تلك النغمة الموسيقية التي نسمعها وتطرب آذاننا. هذه المنظومة العددية موجودة ليس فقط في كل مكونات الكون ولكن أيضا في التاريخ الزمني لتطور الكون . فمثلا حسب التقويم اليهودي والذي تم تصميمه بناء على الأحداث التاريخية المذكورة في كتب التوراة ، فإن عام خلق آدم هو عام (٣٧٦١) قبل الميلاد ، هذا الرقم ليس رقما عشوائيا كما يظن علماء الدين ولكنه رقم رمزي فهو يعادل ( ١٨٨١×٢ ) حيث العدد ( ١٨٨١ ) هو رمز ( ١٨ ) بجانب الرمز ( ٨١ ) واللذان يمثلان عدد الأسماء الحسنى ( ٩٩ ) ، فبدون معرفة معاني هذه الرموز العددية الموجودة في الكتب المقدسة وكذلك في الكون لن نفهم السبب الحقيقي لولادة عيسى عليه السلام ، ولا سبب أيضا ولادة محمد عليه السلام، فالعدد ( ٣٧٦١ ) نفسه هو عدد السنوات بين عام ولادة إدريس (أخنوخ) عليه السلام (٣١٣٩ ق،م) وعام الهجرة إلى المدينة المنورة والتي حصلت عام (٦٢٢) . الأحداث العالمية في تاريخ البشرية تحصل ضمن منظومة عددية ، وهذه المنظومة العددية تساعدنا في فهم سبب وجود كل حدث وعلاقته بالمخطط الإلهي في الخلق .

ولهذا نجد أن الكتب المقدسة تشير إلى هذه المعلومة بطريقة رمزية . فالكتاب الرابع في التوراة يحمل عنوان (عدد) ، وكذلك أيضا في التراث الإسلامي هناك رموز عديدة تشير بشكل رمزي إلى أهمية لغة الأرقام في فهم المخطط الإلهي . حيث نجد أن الإجتماعات السرية التي كان يتم فيها نشر الإسلام في بداية ظهوره كانت تحدث في بيت شخص أسمه (الأرقم) من الرقم ، كرمز يؤكد على أهمية لغة الأرقام في تفسير النصوص الدينية وفهم الكون . ولكن للأسف فاليوم جميع كليات الشريعة -الإسلامية وغير الإسلامية- لا تعطي أي أهمية لعلم لغة الأرقام وترفض البحث في مثل هذا النوع من العلوم .

الفيلسوف بيثاغوراس هو من جلب معه النظام الرقمي للكلمات - المعروف بأسم حساب الجمل - من التراث الفكري اليهودي (الكابالا) إلى اللغة اليونانية ، فأصبح لكل حرف وكل كلمة يونانية لها قيمة رقمية تساعد في فهم المعنى الروحي للأشياء والأحداث من خلال أسمائها وقيمها الرقمية ، فسفر الرؤيا يذكر أن عدد الوحش (الأعور الدجال) هو χξ6 ومن استخدام الكابالا اليونانية تم معرفة أن رمز المسيح الدجال يساوي العدد ( ٦٦٦ ) ،

الفيلسوف بيثاغوراس هو أول فيلسوف يوناني ولكن معظم الفلاسفة اليوم لا يذكرونه بل حتى أن بعضهم لا يطيقون حتى سماع أسمه على الرغم من أنه أول من استخدم مصطلح (فلسفة) ليعبر عن نوعية المنهج الفكري الذي يستخدمه في مدرسته . هذا المنهج الذي عبر عنه أحد أتباعه وهو الفيلسوف أفلاطون حيث قال (الله يهندس في خلقه) بمعنى أن خلق الكون بجميع محتوياته قد تم بحسب منظومة عددية بحيث تخلق نوع من الإنسجام بين الشكل والمضمون في كل الأشياء وفي كل الأحداث ، والفيلسوف الحقيقي هو الذي يفهم المخطط الإلهي من خلال فهم التعبير الروحي في علاقة الإنسجام بين الشكل والمضمون في هذه الأشياء وهذه الأحداث .

رغم أن اليونانيين قد رفعوا مكانة بيثاغوراس إلى أعلى مرتبة بين المفكرين اليونانيين وجعلوا منه نبيا مرسلا من الله ، ولكن كثير من المفكرين اليونانيين أيضا حاولوا أن ينتقدوا منهج بيثاغوراس وأشهرهم أرسطو ، فكون أرسطو قد إعتمد الرؤية المادية فقط في أبحاثه لم يستطع الإحساس بأهمية الفكر البيثاغوري ، ولأن اليونانيين هم من القسم الغربي من شعوب العالم ، حيث طبيعة فكر الشعوب الغربية هي مادية أكثر منها روحية ، لهذا نجد أن معظم المفكرين في اليونان فضلوا إتباع المنهج المادي لأرسطو ، ولهذا سطع نجم أرسطو في سماء اليونان وكأنه أفضل فيلسوف بين جميع الفلاسفة اليونانية ولكن بسبب كونهم ماديين في فكرهم لم يعلموا أن أرسطو رغم أنه كان عالما في عدة علوم : الطبيعيات ،علم الإجتماع ، السياسة ، الأساطير وغيرها من العلوم ، ولكنه في الحقيقة لم يكن فيلسوفا .

الحكمة الإلهية وضعت علامة في حياة أرسطو تكشف حقيقة نوعية علومه ، فعندما رأى الملك المقدوني فيليب أن زوجته أولمبياس تقوم بتربية ابنها اسكندر بطريقة تزرع في فكر ابنها المنهج البيثاغوري ، طلب الملك فيليب من ارسطو أن يقوم هو بتدريس ابنه ليبعده عن المنهج الخرافي الذي تؤمن به زوجته اولميبياس . وفعلا هكذا حصل فقد درس اسكندر لعدة سنوات في مدرسة أرسطو . ولكن بعد وفاة الملك فيليب وتولي أسكندر العرش ، شاع بين اليونانيين أن الملك اسكندر المقدوني يقوم بتجهيز جيشه لغزو العالم ، وعندما سمع أرسطو بهذا الخبر شعر وكأن كل تلك الدروس التي علمها لإسكندر ذهبت بمهب الريح ، فذهب إليه ليقنعه بأن ما سيقوم به هو نوع من الجنون ، فالمنطق يقول أنه من المستحيل أن ينتصر جيش صغير مؤلف من ( ٣٥ ) ألف جندي على جيش الفرس الكبير والذي يتألف من ( ٢٥٠ ) ألف جندي ، وأن بعمله الطائش هذا سيؤدي إلى تدمير اليونان وسقوطها تحت الإحتلال الفارسي . ولكن رغم محاولات أرسطو المعلم الأول في علم المنطق (فن التفكير الصحيح) ، فإن جميع حججه لم تفلح في إقناع اسكندر والذي إنطلق بجيشه الصغير واستطاع خلال سنوات قليلة أن ينتصر على جيوش الفرس وأن يحتل نصف بلاد العالم القديم ويجعلها تحت سيطرته وينقذ شعوبها من ظلم الإمبراطوريه الفارسية ، ليثبت لمعلمه أرسطو ولجميع المفكرين أن منهج أرسطو المادي هو منهج فقير عاجز عن تفسير الأحداث الكونية والأحداث التاريخية الكبرى ، وأنه هناك منهج آخر وهو منهج إلهي تكلم عنه بيثاغوراس وذكرته الكتب السماوية {.....كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) البقرة} . الله عز وجل من خلال سيرة حياة اسكندر المقدوني حذر المؤمنين من إتباع منهج أرسطو في تفسير الكتب المقدسة ، فوالد اسكندر الملك فيليب الذي طلب من أرسطو تعليم ابنه كان أعور العين اليمنى . فعلوم أرسطو رغم أنها ضرورية وأنها ساهمت في تطور العلوم المادية ، ولكن استخدامها هي فقط في تفسير النصوص الدينية سيجعل معانيها تساهم في تحويل الدين إلى دين الأعور الدجال . ولهذا نجد أن وفاة أرسطو قد حدثت بعد عام واحد من وفاة إسكندر ، فدور أسكندر كان أن يعيد توحيد الفلسفة مع علوم الشعوب الشرقية لتمنع فكر أرسطو من السيطرة عليها ، فظهرت المدرسة الرواقية والمدرسة الأبيقورية .

سنعطي مثل بسيط يعطينا دليل يؤكد لنا أن ابتعاد علماء الدين عن الفلسفة الحقيقية قد جعلهم لا يفرقون بين الحق والباطل في تفسير النصوص الدينية ، هذا المثال هو تفسير الرقم (٧) . فجميع علماء الدين الذين تكلموا عن معنى الرقم (٧) ، تحدثوا عن هذا الرقم وكأنه رمز إلهي يفسر البناء الكوني والبناء القرآني ، فنجدهم يذكرون آيات قرآنية ومعلومات علمية تؤكد صحة إدعائهم . سنذكر بعضها فقط لكي لا تطول المقالة : عدد آيات بداية القرآن في سورة الفاتحة (٧) ، عدد السموات وعدد الأرْضِين (٧) ، عدد الجمرات التي يُرمي بها في الحج (٧) ، مراحل خلق الإنسان كما هي مذكورة في القرآن (٧) ، عدد أيام الأسبوع (٧) . عدد الألوان في الطيف الضوئي (٧) ، كل ذرة من ذرات هذا الكون تتألف من /٧/ مدارات إلكترونية ...... وغيرها من الأمثلة العديدة التي تؤكد -حسب زعمهم - على أن الرقم (٧) هو رمز الكمال الروحي ، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما ، لهذا تأتي الآية القرآنية وتقول {وإن جهنم لموعدهم أجمعين (٤٣) لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم (٤٤) الحجر } لتقلب هذه المعاني الرمزية لرقم (٧) رأس على عقب ، وكذلك يأتي الحديث الشريف (للجنة ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب) ليوضح لنا حقيقة معنى رمز الرقم (٧) الذي يساهم في تشويه حقيقة الخلق . الأمر بسيط جدا بالنسبة للفيلسوف الذي يرى أولا التعبير الروحي في الأشياء ، فشكل الرقم (٧) يظهر تماما وكأنه يتجه نحو الأسفل نحو الهاوية كرمز لطريق المعصية والكفر ، أما شكل الرقم (٨) فيبدو للعين وكأنه يتجه نحو السماء كرمز لطريق العودة إلى الجنة ، ولهذا كان أول بناء حجري في تاريخ البشرية هو هرم زوسر المدرج الذي له شكل الرقم (٨) . فعدد درجات هذا الهرم (٦) وهي كرمز تمثل مراحل خلق الإنسان أو مراحل تطوره في تصحيح الخطيئة ليستطيع الخروج من الكون والعودة إلى الجنة ، وحتى نفهم هذه الفكرة بشكل الأفضل يجب شرح عدد ألوان الطيف في الضوء ، فالضوء الأبيض يتألف من (٣) ألوان رئيسية وهي (الأحمر والأخضر والأزرق) ولكن مع إتحاد هذه الألوان بحسب تسلسلها ينتج منها (٣) ألوان فرعية وهي (الأصفر ، والسيان ، و البنفسجي) كما توضح الصورة في الأسفل . فعدد الألوان علميا هو (٦) وليس (٧). فهنا لدينا (٦) ألوان وهي نفس عدد درجات هرم زوسر ، حيث كل لون يمثل مرحلة في مراحل الخلق . فخلق الإنسان في القرآن يتألف من (٦) عناصر (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {١٢} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {١٣} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {١٤}) حيث كل عنصر يمثل مرحلة (١- طين ، ٢- نطفة ، ٣- علقة ،٤- مضغة، ٥ - عظام ، ٦- لحم) فكل مرحلة كرمز تمثل لون واحد من ألوان الطيف ، فمع إتحاد الألوان الستة نحصل على اللون الأبيض ، واللون الأبيض فلسفيا ليس اللون رقم/٧/ ولكن لون مركب يحوي في داخله جميع الألوان الموجودة في الكون . الأمر نفسه ينطبق على فن السينما ، فإعتبار فن السينما بأنه الفن السابع هو دليل على عمى البصيرة في مفكري العصر الحديث ، فعدد الفنون هي / ٦ / أما فن السينما فهو أم الفنون كونه يحوي في داخله جميع انواع الفن مثله مثل اللون الأبيض . الأمر نفسه ينطبق على أيام الأسبوع حيث نجد أن أسماء أيام الخمسة الأولى تحمل أسم الرقم في الترتيب (أحد، أثنين ، ثلاثاء ، أربعاء ، خميس) أما اليوم السادس فهو يحمل أسم الصفة (الجمعة) ، فظهور المرحلة الأخيرة السادسة تعني أن ظهور العنصر السادس سيؤدي تلقائيا إلى توحيد جميع العناصر الستة ، ونفس المعنى أيضا يحمل أسم يوم الجمعة في اللغة اليونانية براسكيفيه (Παρασκευή) . فيوم السبت الذي يمثل اليوم الأخير في الأسبوع لا يعني أنه اليوم رقم ( ٧ ) ولكن يعني يوم توقف عملية الخلق ، ولهذا الحكمة الإلهية في اللغة العربية واليونانية وضعت أسم هذا اليوم (سبت) وليس (سبعة) فكلمة (سبت) تعني في اللغة اليهودية (راحة) أي يوم الراحة ، فمع إنتهاء توحيد العناصر الستة في اليوم السادس تظهر هذه العناصر بحالة جديدة وكأنها وحدة متكاملة مختلفة نهائيا عن جميع العناصر الستة (خَلْقًا آخَرَ). ولهذا نجد أيضا أن الديانة اليهودية تمنع أتباعها بالقيام بأي عمل يوم السبت ، كرمز له معنى أن هذا اليوم لا يجب عليه أن يحمل أسم رقمي ، لأنه سيحول رمزه إلى رمز روح السوء ، فإتحاد الألوان الستة بشكلها المادي (ألوان الرسم) سينتج عنها اللون الأسود بدلا من الأبيض . ولهذا كانت أبواب جهنم عددها ( ٧ ) كرمز يُعبر عن غياب العلوم الروحية والذي سيؤدي إلى فهم خاطئ لمعنى الألوان حيث عندها سيصبح اللون الأسود اللون رقم /٧/ . ولكن تطور الإنسانية يحتاج إلى توحيد العلوم المادية والروحية معا ، فعندها يأتي اللون الأبيض الناتج من إتحاد ألوان طيف الضوء ، ليصبح هو الرقم ( ٨ ) الذي يمثل رمز عدد أبواب الجنة . فاللون (الأسود) هو أيضا مطلوب في التكوين الإنساني كونه يمثل إتحاد العلوم المادية (منهج أرسطو) فعلم الطب مثلا لا يمكن أن يتقدم خطوة واحدة إذا لم يتعاون مع العلوم المادية الأخرى . فالرقم ( ٧ ) عندما يكون تحت سيطرة الرقم ثمانية يكون رمز العلوم المادية بشكلها الصحيح الذي يسمح لها بالتعاون مع العلوم الروحية ، أما إذا خرج من سيطرة الرمز ( ٨ ) فيتحول الرقم ( ٧ ) إلى رمز شيطاني يسعى إلى تنفيذ مخطط الأعور الدجال. فالرقم (٧) بشكله الإيجابي هو رمز الطاقة والمادة المظلمة في الكون التي ساهمت في تحقيق توازن الكون ليكون بشكله الحالي ، أما الرقم ( ٧ ) بشكله السلبي فرمزه الثقوب السوداء التي تلتهم كل شيء وتفنيها من الوجود . ولهذا كان أول شعار رمزي روحي في الديانات السماوية هو نجمة داوود التي تتألف من الرقم ( ٨ ) ورقم ( ٧ ) في شكل هندسي واحد بحيث يتكون منه ( ٦ ) زوايا التي تمثل أيام الخلق .

فالعدد ( ٧ ) الذي هو عدد آيات الفاتحة هو رمز الخطيئة التي بسببها خرج الإنسان من الجنة . ولهذا الكون يوجد به ( ٧ ) سماوات و( ٧ ) أراضين ، أما الجنة فتوجد في السماء التي رقمها ( ٨ ) وهي خارج هذا الكون . ولهذا الحكمة الإلهية أضافت إلى آيات الفاتحة آية أخرى تُقرأ ولا تُكتب وهي (أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ليتحول عدد آيات الفاتحة من ( ٧ ) إلى ثمانية كرمز لعدد أبواب الجنة . فالرقم ( ٧ ) هو رمز الخطيئة التي إرتكبها الإنسان في الجنة والتي حولت إتحاد الألوان الستة من إتحاد روحي إلى إتحاد مادي نتج عنه اللون الأسود .ولهذا كان عدد المدارات الألكترونية في الذرة هو (٧) كرمز يمثل قوة الجذب التي تمنع الألكترون من التحرر والخروج عن سيطرتها ، وهكذا تماما هي الروح فحتى تستطيع روح الإنسان التحرر والعودة إلى الجنة يجب أن تكتسب مقدرة في التحرر من الجاذبية الشيطانية التي رمزها في الكون الثقوب السوداء .

فلاسفة الحضارات الماضية حاولوا أن يجمعوا بين علماء الرؤية الروحية (منهج أفلاطون) وعلماء الرؤية المادية (منهج أرسطو) ، فكانت المحصلة العامة لأبحاثهم وكأنها اعتمدت منهج (بيثاغوراس) الفلسفي ، فازدهرت حضاراتهم ، أما في عصرنا الحديث فإن إعتماد العلماء بكافة أنواع إختصاصاتهم العلمية وحتى علماء الدين منهج أرسطو المادي ، قد حول المنهج العلمي من منهج أرسطي إلى منهج ماركسي الذي رمزه الرقم (٧) بشكله السلبي والذي يمثل المنهج الحقيقي لرؤية الأعور الدجال . فجميع الكتب المدرسية اليوم حتى الكتب الدينية أيضا تم كتابتها بالمنهج الماركسي ، ولهذا نجد أن جميع علماء الدين في العصر الحديث قد أخطأوا في تفسير أهم رمز رقمي وهو رقم (٧) ، فوجود هذا الخطأ في التفسير ليس صدفة ولكن حكمة إلهية لها معنى أن علماء اليوم يعانون من عمى البصيرة وبتفسيراتهم الباطلة يضللون الناس ويفتحون أبواب جهنم أمامهم وليس أبواب الجنة . وتسمية حرب غزة التي حدثت في / ٧ / تشرين بطوفان الأقصى هو دليل على عمى البصيرة . ولهذا الله لا يستجيب لدعاء المسلمين .

فمن ينتظر ظهور شخص أعور يقوم بدور الأعور الدجال ، فإنه يستخدم المنهج الماركسي فمثل هذا الرجل الأعور لن يأتي أبدا ، فالأعور الدجال قد ظهر في القرن / ١٩ / كروح وليس كجسد {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ( ٣٠ )المدثر} . فصحيح أننا اليوم نشهد تقدم كبير في العلوم المادية حيث هذا التقدم العلمي المادي قد خدع معظم المفكرين فظنوا أن العلمانية هي رمز التقدم ، ولكن رغم هذا التطور العلمي نجد أن التاريخ يسجل في صفحاته أن الإنسانية لم تعرف وحشية مثل وحشية العصر الحديث ، فرغم أن القتل والحروب كانت أيضا عديدة وشديدة في جميع العصور ، فمثلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بسنوات قليلة حدثت معركة صفين بين المسلمين أنفسهم وراح ضحيتها أكثر من / ٧٠ / ألف قتيل مسلم ، ولكن الفرق في عملية القتل بين العصور الماضية والعصر الحديث أنه ولأول مرة في تاريخ البشرية تولد ظاهرة غريبة من نوعها (الطفل المجرم) حيث القاتل فيها هو طفل وليس رجل بالغ كما كان في السابق . وهذه الظاهرة هي أقوى علامة من العلامات الساعة التي تؤكد أن الإنسانية اليوم تعيش في آخر الزمان وأننا نعيش زمن فتنة الأعور الدجال التي تعتبر من أشد الفتن في تاريخ البشرية.

الحديث الشريف يقول (في الفتنة : " كسروا فيها قسيكم ، وقطعوا فيها أوتاركم ، والزموا فيها أجواف بيوتكم ، وكونوا كابن آدم ") ، ويقصد ابن آدم الذي قال { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ( ٢٨ )المائدة} ، إن عدد علماء المسلمين اليوم الذي سيقبلون تطبيق هذه الآية في سلوك المسلم قليل جدا جدا يكاد لا يذكر.

الأحاديث الشريفة تؤكد أن الخوارج هم أشد أعداء الله والحرب الاخيرة في غزة تحمل الرقم / ٧ / وهذا الرقم رمزي يوضح لنا أن هذه الحرب هي حرب خوارج ، حرب بين خوارج من اليهود (نتنياهو وعصابته) مع خوارج من المسلمين (حماس وجماعتها) . فرغم العداء الشديد بين خوارج اليهود وخوارج المسلمين ولكن دون أن يعلموا تعاونوا مع بعضهم البعض لتنفيذ مخطط الأعور الدجال بهدف تدمير المنطقة بأكملها عن طريق تحريض جميع الدول المحيطة للمشاركة بالتدخل العسكري ، ولكن المشيئة الإلهية منعت تنفيذ هذا المخطط ، فإنحصر الدمار في غزة وبعض المناطق الأخرى فقط .

القضية الفلسطينية ، أو بمعنى أدق ، الحركة الصهيونية هي من مخطط الأعور الدجال حيث شارك في تنفيذ هذا المخطط جميع شعوب العالم بلا استثناء . وإن شاء الله سنتكلم عن هذا الموضوع بشكل مفصل وبرؤية فلسفية شاملة تكشف حقيقة هذا المخطط وكيف شاركت الشعوب الإسلامية بجهلها أو نفاقها في تنفيذ مخطط الأعور الدجال. ... والله أعلم .

وسوم: العدد 1082