المقترح الأمريكي بخصوص وقف الحرب في غزة مريب
حرص الإدارة الأمريكية على إنجاح مقترحها بخصوص وقف الحرب في غزة مثير للريب ،خصوصا وأن هذا المقترح له ظاهر يسوق إعلاميا على أنه يروم وقفا دائما للحرب في غزة ، و له باطن متداول في الكواليس مع الكيان الصهيوني مخالف ما يسوق إعلاميا للرأي العام العالمي . ومما يؤكد ما يجري في الكواليس تصريح جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي، وهو الذي لم يتردد في إعلان تصهينه علانية في السابع من أكتوبر الماضي، بل افتخر واعتز به بخصوص اقتراح الرئيس الأمريكي الحامل للكيان الصهيوني بشائر جمة من شأنها أن تجعله يعيش في أمن واستقرار دائمين ،مع الاستفادة من امتيازات واسعة في منطقة الشرق الأوسط ، ولعله يقصد بها تعميم التطبيع، والاستفادة من عوائده الاقتصادية المغرية . ومقابل هذا النصح الصادر عن وزير الخارجية الأمريكي للكيان الصهيوني هناك تصريحات لأعضاء ما سمي بمجلس الحرب الذي يتولى زمام الأمور منذ السابع من أكتوبر، وكلها تنحو نحو التعبر عن رفض صفقة وقف الحرب المقترحة عليها من طرف الإدارة الأمريكية ، وهي تصر على أنها لن تقبلها إلا بزوال حركة حماس، وبالقضاء عليها نهائيا ، مع تحرير الرهائن .
وإذا ما نظرنا إلى وعود وزير الخارجية الأمريكي ، وإلى تصريحات أعضاء مجلس الحرب الصهيوني ، فلا بد أن يغلب الارتياب لدى المقاومة الفلسطينية في الاقتراح الأمريكي الذي له ظاهر مريب لا يؤمن غدره، خصوصا وأن الإدارة الأمريكية لا تخفي رفضها الصريح لاستمرار وجود حركة حماس في قطاع غزة بعد نهاية الحرب ، كما أنها شريكة للكيان الصهيوني في جرائم الإبادة الجماعية ، ومتورطة معه فيها من خلال تزويده بأسلحة دمار شامل ،دمرت العمران والإنسان على حد سواء ، فضلا عن وجود قوات أمريكية يتم التكتم عليها تقاتل إلى جانب الكيان الصهيوني، وتمده بالخبرة العسكرية والاستخباراتية .
ولا شك أن ضغط قرب موعد الانتخابات الأمريكية ، وغليان الشارع الأمريكي الرافض للحرب في غزة ، والمندد بالتورط المباشر لإدارته فيها ، جعل الرئيس الأمريكي حرصا على مصالحه ، يصر على ترغيب الكيان الصهيوني في قبول مقترح صفقته التي هي حسب المعطيات المتوفرة لحد الساعة لصالح الكيان الصهيوني ، وهي عبارة عن سم مدسوس في عسل بالنسبة للشعب الفلسطيني في غزة ، وفي عموم فلسطين المحتلة . ويحرص كل من الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء الكيان الصهيوني على تجنب كليهما خسارة محتملة، حيث سيخسر الأول منصب الرئاسة بسبب استياء الشعب الأمريكي من سياسته المنحازة كليا إلى الكيان الصهيوني ، بينما سيواجه الثاني تهم جرائم الإبادة الجماعية على المستوى العالمي ، كما سيواجه تهم الفساد الذي يُتهم به في الداخل الصهيوني .
وعلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أن تكون في أعلى مستويات اليقظة بخصوص المقترح الأمريكي المريب ، وأن تدقق جيدا مع الوسطاء بشأنه حتى لا تجر إلى صفقة خاسرة بعد كل التضحيات الباهظة التي قدمها الشعب الفلسطيني من أجل أن ينعم بوقف دائم للحرب عليه ، وبجلاء الغزاة الصهاينة عن القطاع ، مع رفع الحصارعنه ، وإعادة إعماره، وبتحرير جميع سجنائه في السجون والمعتقلات الصهيونية بمن فيهم أولئك الذين اعتقلوا في قطاع غزة والضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الماضي ، فضلا عن أسرى ما قبل طوفان الأقصى في سجون الضفة الغربية .
وما لم يتضمن المقترح الأمريكي بوضوح وشفافية لا مجال للارتياب فيه بأنه لصالح الشعب الفلسطيني ، فعلى رجال المقاومة بكل فصائلها أن يتوكلوا على المولى جل في علاه كي يثبت أقدامهم ، ويفرغ عليهم صبرا، ويربط على قلوبهم ، ويسدد رميهم ، ويمددهم بمدده الذي لم ينقطع عنه لحظة منذ السابع من أكتوبر ، وألا يسمحوا للعدو الصهيوني بتحقيق ما يضمره هو وحليفته الإدارة الأمريكية من كيد ماكر خبيث .
وعلى الوسطاء العرب أن يتحملوا كامل مسؤوليتهم أما الله عز وجل، وأمام الشعب الفلسطيني، وأمام الشعوب العربية والإسلامية ، وأمام التاريخ ، وألا يتورطوا في مؤامرة خيانة القضية الفلسطينية وخذلانها بسبب أي إغراء أو تهديد مهما كانا من طرف الإدارة الأمريكية سواء تعمدوا ذلك أو لم يقصدوه ، وألا يخضعوا للابتزاز من طرف الإدارة الأمريكية الحريصة على مصالحها أولا ، وعلى مصالح الكيان الصهيوني ، مقابل تجاهل كلي لحرية واستقلال الشعب الفلسطيني اللذين لم تجد دول غربية بدا من إقرارهما من خلال الاعتراف بدولته المستقلة ، وذلك بسبب ضغط شعوبها التي اكتشفت الوجه البشع للكيان الصهيوني الذي طالما قدمه لها الإعلام الصهيوني ،والإعلام الغربي المأجور على أنه ضحية عداء بسبب ساميته ، وهو في حقيقة أمره كيان عنصري دموي لم يبق في كل المعمور من يشكك في عنصريته ، وفي دمويته ، ولن يشكك بعد اليوم فيهما إلا مغفل أو مصر يتعمد الانحياز إلى العنصرية والدموية الصهيونية معبرا بذلك عن لا إنسانيته.
وإلى أن يزول الغبش عن مقترح الإدارة الأمريكية فيتبين خيطه الأبيض من خيطه الأسود بخصوص وقف حرب غزة ، ستكون لنا عودة إلى هذا الموضوع مستقبلا ، إن شاء الله تعالى .
وسوم: العدد 1082