ما أعظم دولة الأدب!

قرأت في مقال للأستاذ أحمد إبراهيم الشريف منشور في صحيفة اليوم السابع حول تكريم عبد الناصر للعقاد  الآتي: "أما من بين الكلمات التى اختتم بها العقاد كلمته يومها: «تلك هى جمهورية الفكر خير قرين لجمهورية الحكم».

وقد ذكر لنا أستاذي الدكتور عبد البصير حسين رحمه الله تعالى في إحدى محاضراته متحدثا عن العقاد حين منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب وتسلمها العقاد قائلا للرئيس: (دولة العلم تضارع دولة السياسة).

والعبارتان معناهما متقارب.. وكان العقاد كما هو معلوم معتدا بنفسه كما المتنبي.. فكأنه أراد أن يقول بصورة غير مباشرة لرئيسه نحن متساويان ...ولست أعظم مني...

***

دولة السياسة تنقضي وكم من الدول قامت واندثرت ولا نحفظ شيئا عن حكامها ووزرائها ولا نعلم عنها إلا ما حفظته متاحف التاريخ..

وأما دولة العلم والمعرفة فهي شجرة باسقة ممتدة من جذور التاريخ إلى قيام الساعة فلا زلنا نستشهد بكتابات سقراط وأفلاطون وأرسطو مرورا بالغزالي وابن عربي وابن تيمية ووصولا إلى الرافعي والعقاد ولوبون ونعوم تشومسكي وغيرهم..

ربما كتب عالم كتابا لم يلق حظا في زمانه... وبقيت منه نسخة وحيدة فجاء إليها باحث في هذا الزمان فاستخرجها من كهوف النسيان وقدمها كتحفة علمية وإضافة معرفية...

فالعلم لا يضيع ولا يمحى بموت صاحبه...

***

ودولة العلم لا تضارع دولة السياسة كما قال الأستاذ العقاد بل هي أسمى من دولة السياسة.. ولذلك قيل شعرا [وينسب لسيدنا علي رضي اللَّه عنه]:

الناس من جهة الآبـــــاء أكفاء

 أبوهم آدم و الأم حــــــــــــواء

و إنما أمهـــــات الناس أوعية

 مستودعات و للأحساب آبــــاء

فإن يكن لهم من أصلهم شرف

 يفاخرون به فالطيــــن و الماء

ما الفضل إلا لأهل العــلم إنهم

على الهدى لمن استهدى أدلاء

و قيمة المرء ما قد كان يحسنه

 و الجاهلون لأهل العلم أعداء

فقم بعــــلم و لا تطلب به بدلا

 فالناس موتى و أهل العلم أحياء

***

وكلمة علم أوسع من كلمة معرفة... والأدب فرع من العلم .. ودولة الأدب تعنى بالمنظوم والمنثور .. ويختلط فيها الذاتي بالموضوعي.. يصدح فيها الأدباء بما يجول في خواطرهم وعوالمهم النفسية الخفية ... فينقلون لنا ما يقلقهم ويثيرهم ويعجبهم في هذه الحياة إما صريحا أو تلويحا والحر تكفيه الإشارة كما يقال...

أشارت بطرف العين خيفة أهلها

إشارة محزون ولم تتكلم

فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا

وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم

***

غنى الأدباء للجمال والحب والحرية والمرأة وللحقيقة ولضدها وللباطل وللأهواء بمختلف أنواعها..

***

والأدب الإسلامي هو قسم من الأدب آثر الالتزام بالحقائق مكللة بالجمال الفني بعيدا عن التزوير والتضليل..

ولئن أخفقت حركات الإصلاح في الشرق الحبيب .. فلم يأت الفجر الباسم والنصر الموعود .. ولم تتحقق بعد النهضة الحضارية والإنسانية المرتقبة لهذه الأمة المباركة... فإن في فضاء هذا الأدب ما يغني ويقني... ويعطي المدد والأمل ..

***

ستبقى العصافير تغرد للفجر الموعود .. وتمنح الأمل بالحرية والإشراق والانطلاقة الكبرى...

وهبها لم تتحقق .. فأن يكون في قلبك مصباح مضيء خير من أن تعصف به الظلمات..

***

بحسب أهل العلم والأدب أنهم أقاموا الدولة الحقيقية للعقل .. للقلب..  للحرية .. للمشاعر..  للجمال.. للإنسان والحضارة...

دولة أقطارها أوسع من السماوات والأرض...

دولة لا جلاد فيها ولا إعدام .. ولا حارس فيها إلا الضمير..

دولة عملتها الكلمة الطيبة والخيال الموحي والشعور الإيجابي تجاه الكون والحياة..

دولة تسمو على الأنانية والكراهية والحقد والإجرام...

***

يوما ما سوف يفنى كل شيء

وتبقى الحقيقة الخالدة التي يجسدها معنى خير كلمة قالها شاعر:

*ألا كل شيء ما خلا الله باطل*

وسوم: العدد 1083