لرعاة الكذب الممنهج: لا تغسلوا أوساخكم خارج دولتكم.. فارتجاف يدي طفل غزي يدحض كل ألاعيبكم
لماذا الظهور في الخارج؟ لماذا نقوم هناك بغسل الغسيل الوسخ. أولاً، لأن الاهتمام والرغبة في الاستماع أكبر في الخارج مما هو في البلاد. المواجهة العلنية التي شاركت فيها في الأسبوع الماضي في تورنتو مع مهدي حسن، ودغلاس ماريه، ونتاشا هاوسدورف، تطرقت إلى مسألة: هل تعد مناهضة الصهيونية لاسامية؟ الـ 3 آلاف تذكرة (الثمينة) بيعت مسبقاً منذ فترة، وامتلأت قاعة السيمفونية في المدينة ولم يبق فيها مكان فارغ. مشكوك فيه أن تباع 30 تذكرة لنقاش مشابه في القصر الثقافي في تل أبيب.
لكن موضوع مناقشة أسئلة مبدئية في الخارج وليس في البلاد، ليس هو السبب الوحيد للمشاركة. فالساحة التي ستحسم مستقبل الدولة موجودة في الخارج. ومحظور تركها لليمين.
لا أحد يحتج عندما يحرث رجال دعاية اليمين العالم بواسطة مؤسسات الصهيونية الدعائية والمنظمات اليهودية وسفارات إسرائيل – لوبي كبير ولديه الكثير من الأموال. هم يخيفون الناس بادعاءات كاذبة تقول إن أي انتقاد لإسرائيل أو للاحتلال أو الأبرتهايد يعدّ لاسامية. هكذا، يسكتون نصف العالم من رعب كبير خوفاً من الاتهام باللاسامية.
عملية التلاعب هذه تعطي نتائجها على المدى القصير، لكنها على المدى البعيد ستنقلب على إسرائيل وعلى اليهود، الذين بسببهم تم المس بحرية التعبير. تقرير نشر في صحيفة “الغارديان”، ونشر أمس في “هآرتس”، كشف مرة أخرى عن طرق عمل وزارة الشتات ووزارة الشؤون الاستراتيجية سابقاً حول ما يحدث في الولايات المتحدة وفي أحرام الجامعات هناك. هذه الأساليب تكفي لتشويه سمعة إسرائيل. اليمين الاستيطاني والمؤسسة الصهيونية واليهودية مسموح لهم كل شيء؛ أما إسماع صوت مختلف من إسرائيل، فهذا خيانة.
الضرر الأكثر مصيرية بالنسبة لمكانة إسرائيل تتسبب به سياستها. لم تولد بعد المقابلة أو الخطاب لأحد كارهي إسرائيل الذي تسبب بالضرر لإسرائيل، مثل الصور الفظيعة القادمة من غزة. صورة طفل واحد وهو يرتعش ويحتضر على أرضية مليئة بالدماء في مستشفى الرنتيسي، مدمرة أكثر من ألف مقال. أي حملة “كونشيرت” أو “مقلاع شلومو”، وبرامج دعاية الحكومة، لن تتمكن من محو الكراهية المبررة التي تولدها إسرائيل بسلوكها في قطاع غزة والضفة الغربية. أي مقال لم يتسبب بإحداث ضرر كبير أكثر من صورة فلسطيني مصاب ومكبل على غطاء سيارة عسكرية في جنين. إن من يخافون على صورة إسرائيل في الخارج، وليس على جوهرها وأخلاقها، يجب عليهم الرغبة في تغيير السياسة.
الذين يفسرون بأنه لم يعد هناك تمييز بين ما يتم قوله هنا وهناك، وبأن التكنولوجيا تنقل كل شيء، إنما هو تفسير تافه. والأساس هو تلك الأحاسيس غير الديمقراطية لمن يحاولون إسكات الرأي الذي يتم إسماعه في مكان ما، وواجب التجند لصالح “الدولة”.
من دون أي صلة بالفائدة أو الضرر الذي يلحق بإسرائيل، فمن حق كل شخص أن يعبر عن رأيه في كل مكان وزمان. كفى لـ “يجب عدم إبلاغ الأغيار” الذي أكل عليه الدهر وشرب، البدائي وغير الديمقراطي. وأنه من الذي سيحدد ما هو جيد لإسرائيل؟ اليمين؟ اليسار؟ المستوطنون؟ أي إسرائيل يجب أن نخدم؟
عندما نشر إسرائيليون أمس في “نيويورك تايمز” نداء لعدم دعوة نتنياهو إلى الكونغرس، فهذا الأمر ليس من حقهم فقط، بل هو واجبهم. من يعتقد مثلهم أن نتنياهو يلحق ضرراً مصيرياً بالدولة، فإنه مجبور على قول ذلك في أي مكان. صحيفة “هآرتس” التي تجد لها قراء في الخارج بدرجة لا تقل عن إسرائيل، تؤدي مهمتها. كثيرون في العالم يجدون أن “هآرتس” ليست مصدر معلومات فحسب، بل أيضاً مصدر للأمل بأن إسرائيل ليست كلها مستوطنين وبن غفير وسموتريتش ونتنياهو. هذه الآن هي الدعاية الأفضل التي يمكن لإسرائيل أن تتمناها. لنتذكر الأنظمة الظلامية الأخرى. من سيتم تقديرهم ومن سيتم تذكرهم.. من شوهوا صورة دولتهم وأخرجوا الغسيل الوسخ إلى الخارج، أم رجال الدعاية الذين برروا كل شيء؟
وسوم: العدد 1085