الجيش اللبناني في مطار بيروت: ربّ ضارّة نافعة؟
ذكرت تقارير متقاطعة أنّ الجيش اللبناني أخذ يتولى جملة من المهامّ والمسؤوليات في مطار بيروت، كانت في عهدة الأمن العام اللبناني؛ الذي، لم يكن خافياً، أنه ليس قريباً من سلطة «حزب الله» فحسب، بل هو خاضع لها في مناحٍ عديدة.
هذا تطوّر سليم من حيث المبدأ، وإيجابي على المدى المرحلي المنظور، في ظلّ العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان، قد ينفع بالفعل في سحب ذرائع دولة الاحتلال التي تُساق عادة لتبرير استهداف المطار وإخراجه عن الخدمة؛ وهذه عاقبة وخيمة في عداد آخر الويلات الإضافية التي يمكن أن تصيب لبنان، وجموع اللبنانيين، وأعداد غير قليلة من المسافرين العرب.
أبعد من هذا المستوى، لعلّ إدخال الجيش إلى المطار (بما يعنيه، عملياً، من تحجيم لنفوذ الأمن العام/ «حزب الله») يمهّد لخطوات أخرى لاحقة قد تتكفل، وإنْ تدريجياً، بتحويل الحزب من «دولة» ثانية، أو حتى أولى، تتحكم بمقدّرات لبنان، وربما تحكمه فعلياً في ميادين شتى حيوية وحاسمة؛ إلى قوّة سياسية واجتماعية، واقتصادية أيضاً، تدخل اللعبة «الديمقراطية» اللبنانية من البوّابات ذاتها التي احتوت، وتحتوي، بقية المكوّنات السياسية.
ففي تاريخ الحزب ثمة محطات فاصلة شتى، انطوت على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي كتفاً إلى كتف مع قوى وتنظيمات يسارية وفصائل فلسطينية؛ كما انطوت على منجزات نوعية على صعيد توازنات البرلمان والمحاصصة الطائفية للوظائف الكبرى الأولى الثلاث. وتضمنت، كما لا يصحّ أن تُنسى حقيقة، إنزال السلاح إلى قلب بيروت في وجه المواطن اللبناني وفرض معادلات داخلية بالقوّة؛ ثمّ الانزلاق إلى مستوى التدخل العسكري في سوريا، لصالح نظام الاستبداد والفساد وجرائم الحرب، وضدّ انتفاضة سورية شعبية عارمة تطالب بتغيير جوهري نحو مجتمع الحقوق والمواطنة والكرامة.
كذلك كان الحزب هو ذاته، بين 7 أيار (مايو) 2008، في العاصمة اللبنانية بيروت؛ وبين 21 تموز (يوليو) 2017، في جرود عرسال، لبنان دائماً؛ ولكنّ الفارق، الوحيد تقريباً، تمثّل في العلاقة مع لبنان «الدولة»، بمعنى المفردة الدلالي على الأقلّ. خلال التاريخ الأوّل كانت «غزوة» الحزب الشهيرة في قلب العاصمة، على خلفية كاميرا المراقبة التي كان الحزب قد نصبها على المدرج 17 في مطار العاصمة؛ إذْ رفض الحزب قرارات رئاسة مجلس الوزراء بتأكيد حقّ الدولة في متابعة القضية وإزالة الكاميرا؛ فأنزل عناصره المسلحة إلى شوارع العاصمة.
الجيش اللبناني اختفى خلال التاريخ الأوّل، لكنه في التاريخ الثاني، أواخر تموز 2017، ساهم عسكرياً في معركة «حزب الله» ضدّ «التكفيريين»؛ وإنْ عن طريق تأمين طرق الارتداد من الجرود إلى الداخل اللبناني، وتقديم العون اللوجستي، فضلاً عن توفير الغطاء المدفعي (وكأنّ هذا كلّه قليل!). قبل ذلك كان الجيش قد اقتحم مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال، ونكّل بأبرياء كثر تحت ذريعة «تطهير المخيمات من الإرهابيين»، كما انتهت جلسات التعذيب التي مورست أثناء التحقيق مع الموقوفين إلى وفاة عشرة منهم.
فإذا صحّ أنّ أيّ عاقل منصف لا يجوز له أن يحجب عن الجيش اللبناني الحقّ في، والواجب نحو، حماية المواطن اللبناني من أذى الإرهاب، أياً كانت مصادره وأشكاله؛ فإنّ العاقل المنصف ذاته يتوجب ألا يسحب مهمة كهذه من الجيش اللبناني، كي يسندها إلى جهة حزبية ميليشياتية خارج الدولة.
بهذا فإنّ انتشار الجيش اللبناني في مطار بيروت، اليوم، أقرب إلى ضارّة (لأنها ليست الإجراء السليم المعتاد)، لكنها نافعة (لأنها تُرخي جزئياً قبضة «حزب الله» على المطار)؛ ولعلها، على مدى أبعد، تدفع الحزب إلى تحوّلات بنيوية سياسية ومدنية، على حساب العسكرة وعقلية الميليشيا والتبعية لـ»الحرس الثوري» الإيراني؛ بما جرّته على الحزب، وعلى لبنان، من مصائب أليمة وموجعة.
وسوم: العدد 1098