علاقة الصراع الفكري بالمستشرقين لدى مالك بن نبي من خلال إنتاج المستشرقين
الأستاذ: مالك بن نبي، "القضايا الكبرى"، المأخوذ منه: "إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث"، صفحات: 165-198، دار الفكر الجزائر، ودار الفكر دمشق-سورية، الطبعة الأولى 1412 هجري - 1991 ميلادي، ويضمّ الكتاب من 225 صفحة.
مقدّمة القارئ لمالك بن نبي:
وضع صديقنا حازم علي ماهر مقال نادر للأستاذ مالك بن نبي بعنوان: "إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث"، مقال نادر للمفكر الكبير مالك بن نبي، سبق أن نشره قديما في مجلة الوعي الإسلامي قبل وفاته بأربع سنوات تقريبا (رحمه الله).
وأعترف أنّه هو الذي دفعني لإحياء مقال قديم كتبته عن "إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث". وأعدت ترتيبه، وتنظيمه، وشكله بما يناسب طريقتنا الحالية في كتابة المقال.
يضم كتاب القضايا الكبرى الكتب التّالية:
مشكلة الحضارة. بتاريخ: 9 جانفي 1964. صفحات: 28- 63.
مشكلة الثّقافة. بتاريخ: 15 جانفي 1964 باللّغة الفرنسية. وبتاريخ: 30 جانفي 1964 بقسنطينة، الجزائر. صفحات: 65-89.
مشكلة المفهومية: بتاريخ: 24 فيفري 1964. وبتاريخ: فيفري 1964. صفحات: 91-129.
الديمقراطية في الإسلام. بتاريخ: 1960. صفحات: 131-164.
"إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث"، صفحات: 165-198. (دون ذكر التّاريخ، ولا المكان، ولا اللّغة المستعملة).
المستشرقين وطبقاتهم:
"إننا نعني بالمستشرقين الكتاب الغربيين الذين يكتبون عن الفكر الإسلامي وعن الحضارة الإسلامية". بهذا التعريف يبدأ بن نبي دراسته "إنتاج المستشرقين وأثارهم في الفكر الإسلامي"، المنشورة ضمن كتاب" القضايا الكبرى ".
ويصنف المستشرقين إلى صنفين:
طبقة القدماء. وطبقة الحدثين.
بالإضافة إلى:
طبقة المادحين للحضارة الإسلامية. وطبقة المنتقدين لها المشوهين لسمعتها.
محاور لفهم المستشرقين:
يتضح من خلال التعريف، أن هناك ثلاثة محاور لفهم المستشرقين:
محور الدراسة.
محور الزمن.
محور اتجاه العالم.
لماذا مالك بن نبي ركز على المستشرقين المادحين دون الحاقدين؟:
حساسية الماضي لتوجيه المسلمين عن حاضرهم:
المستشرقين المادحين = استغلال الماضي + البعد عن الحضارة.
ضعف جهاز الدفاع الذي جعل المدح لا يجد في نفوسنا أي استعداد لرد الفعل. بل إن مبرر الدفاع فقد جدواه، وأصبح جهاز الدفاع معطلا:
المستشرقين المادحين = تعطيل جهاز الدفاع.
لفت النظر عن مشكلة الحضارة، وربط المسلم بمشكلات وهمية. وما المدح والتمجيد لماضينا وسائل ليلتفت العالم الإسلامي عن أم مشكلاته، إذن:
وجوب فهم الصراع الفكري لفهم المستشرقين:
يرسم بن نبي العلاقة القائمة بين الصراع الفكري و المستشرقين إلى درجة أنه لا يمكن فهم المستشرقين، بدون فهم أبعاد الصراع الفكري، وهو ما يعني:
وتتضح هذه العلاقة من خلال النقاط التالية:
الصراع الفكري له منطقه الخاص المتمثل في الخط الملتوي، والانتقال من مرحلة إلى أخرى إلى مراحل وسيطة:
الاستشراق توأم الاستدمار:
علاقة المستشرقين بالاستدمار، وعلاقة الاستدمار بالعالم الإسلامي، حينما استفاد منه في القرون الوسطى، ونتجت عن ذلك النهضة الأوربية، وحينما استولى عليه في المرحلة المعاصرة، وهو ما يؤكد:
المستشرقين = الاستدمار القديم + الاستدمار الحديث.
وبما أنّ هناك علاقة ما بين الاستدمار والمستشرقين، فدور الصراع الفكري يصبح على هذا الشكل:
استغلال المستشرقين لماضي المسلمين:
استغل المستشرقون حساسية الماضي لدى المسلمين ومساندة الاستدمار لهم والصدمة التي أصابت العالم الإسلامي من جراء الحضارة الغربية، فدخلوا من باب المدح والتمجيد. وهذا هو الصراع الفكري في صورته الجميلة الخبيثة، وقد قال مالك بن نبي " لا نشفي أمراض مجتمع بذكر أمجاد ماضيه". إذن:
الصراع الفكري = المستشرقين المادحين.
يستغلّ المستشرق كلّ فراغ فكري:
يبحث القائم على الصراع الفكري عن الحقيقة لكي يطبقها في المجال السياسي وهو ينتظر فراغا فكريا ليحتله. بل يضعه ليفصلنا عن أفكارنا بتلك الأفكار الفاصلة الوسيطة، إذن:
الصراع الفكري = المصلحة السياسية + الفراغ الفكري + الفصل عن الأفكار.
لا فرق بين المستشرقين المادحين والمستشرقين الحاقدين:
لا يفرق مالك بن نبي بين المستشرقين المادحين والمشوهين للفكر الإسلامي. لأنّ عدم التفريق يعتبر خطوة لفهم الصراع الفكري، وهو القائل "إن الإنتاج الاستشراقي كان شرا على المجتمع". مايعني أن:
المستشرق وانغماس المسلم في ماضيه ونسيان حاضره:
إن المستشرقين ركّبوا في التطور العقلي للمجتمع عقدة حرمان جعلته ينغمس في الماضي، وينسى الحاضر أو الدفاع عن مجتمع منهار، مجتمع ما بعد الموحدين:
تلامذة المستشرقين من المسلمين:
لن يتوقف الصراع الفكري عند المستشرقين. بل تعداه إلى تلامذة المستشرقين الذين ينتسبون إلى المجتمع الإسلامي:
الصراع الفكري = المستشرقين + تلامذة المستشرقين.
ووصفهم مالك بن نبي بأنهم "يلتقون مع أساتذتهم في الانتقاص من سوابق الفكر الإسلامي، ولكن يمتازون في إحاطة مستقبله بالريبة والإبهام".
المستشرق ومركب النقص النّاجم عن صدمة الغربس:
نتج عن الصدمة التي أحدثتها الحضارة الغربية لدى المثقف المسلم، مركب نقص، بحيث ولى مدبرا "أمام الزحف الثقافي الغربي في اللحظة التي بدأ فيها الصراع الفكري يحتدم بين المجتمع الإسلامي والغرب" :
الصراع الفكري = الصدمة الغربية + مركب النقص.
أدب المدح الذي يستعمله المستشرق في تأجيج الصّراع الفكري:
نتج عن العلاقة القائمة بين الصراع الفكري والمستشرقين، أدب المدح الذي وصفه بأنه "وسيلة عمل جهنمي في تحريك الصراع الفكري المحتدم" :
الصراع الفكري = المستشرقين + أدب المدح.
مع الإشارة، أن أدب المدح هو ابن المستشرقين المادحين والحاقدين على السواء. مع اختلاف في درجات المدح، ورد الفعل.
أدوات فهم العلاقة بين المستشرقين والصّراع الفكري:
ولا يكتفي مالك بن نبي عند عرض العلاقة القائمة بين الصراع الفكري والمستشرقين، بل يقدم أدوات فهم هذه العلاقة، المتمثلة في:
"كل فراغ أيديولوجي لا تشغله أفكارنا، ينتظر أفكارا منافية معادية لنا".
بما أن الصراع الفكري خفي لا يظهر، وجب النظر إلى "من يستخدم نتائجهم لغايات خاصة في عالمنا نفسه لا في عالم بعيد أو خيالي" :
الصراع الفكري = المستشرقين + عدم الظهور.
التأكد من أنّ المستشرقين ملة واحدة، سواء في ذلك المادح المشوه وتلميذه "ولا يمكننا، على أية حال، أن نجعل بين تيارين فاصلا قاطعا ".
دراسة تاريخ المستشرقين والاستشراق، والظروف التي أحيطت بهما. بل "يجب أن نعيد (…) الاستشراق إلى مصادره التاريخية".
ضرورة الفهم الجيد للإسلام بأن نبحث في الآيات الكريمة، على ما يشجع على العلم "عوض تضييع الوقت في هل ذكر غزو الفضاء في القرآن ؟ هل ذكرت الذرة في القرآن ؟:
فهم الصراع الفكري = فهم الإسلام.
التكفل الذاتي بالأفكار " فعلينا أن نكتسب خبرتنا (…) أن نحدد موضوعات آمالنا و ألا نسلم لما يحدد لنا وبكلمة، علينا أن نستعيد أصالتنا الفكرية، واستقلالنا في ميدان الأفكار حتى نحقق بذلك استقلالنا الاقتصادي و السياسي" :
الصراع الفكري = الأصالة الفكرية.
الاهتمام بالجانب العلمي مع التأكيد على أن "تطور العلم لا يناط بالمعطيات العلمية فحسب بل بكل الظروف النفسية، والاجتماعية التي تتكون في مناخ معين" :
العلم = المعطيات العلمية + الظروف الاجتماعية + الظروف النفسية.
لماذا المستشرقين المادحين شرّا على المجتمع العربي، والإسلامي:
يتضح من خلال " إنتاج المستشرقين و أثره في الفكر الإسلامي"، أن مالك بن نبي لم يمدح المستشرقين المادحين ولم يذم المستشرقين المشوهين. بل اعتبر المستشرقين المادحين شرا على المجتمع الإسلامي. لماذا؟:
لأن الذي يشتم و يشوه سيتقي شره المجتمع ويبتعد عنه، ويضع يده عليه. أما الذي يمدح، فيميل إليه الناس، ويعجبون به ويثقون فيه. فيستغل المادح هذه الحالة لأغراض من استعمله، دون أن يثير ضجيجا.
لماذا المستشرق يمدح الفكر الإسلامي؟:
انطلق مالك بن نبي من فكرة: لماذا هذا المستشرق يمدح الفكر الإسلامي؟ وبما أنّه يمدح الفكر والحضارة الإسلامية فهو يريد أمرا. ما هو هذا الأمر إذن؟:
توصل مالك بن نبي إلى أن هذا الأمر هو الصراع الفكري. ماجعله يؤكد، ويبيّن، ويحذر من العلاقة القائمة بين المستشرقين - خاصة المادحين - والصراع الفكري .
العلاقة القائمة بين الصراع الفكري والمستشرقين:
يمكن تلخيص العلاقة القائمة بين الصراع الفكري والمستشرقين – خاصة المادحين – في النّقاط التّالية:
الصراع الفكري. والاستدمار بأنواعه. وتلامذة المستشرقين. والفراغ الفكري. وأدب المدح. وعقد الحرمان، ومركب النقص للمجتمع الإسلامي. والحضارة الغربية. والمجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية.
ومن أراد فهم الصراع الفكري جيّدا، فعليه أن يرجع إلى كتاب "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة " لمالك بن نبي، ويسهل عليه بعد ذلك فهم المستشرقين.
وسوم: العدد 1100