هجرة عمر.. نذكر فنشكر.. ونعمّ ولا نخص..
وشكرنا وعرفاننا وتقديرنا للذين نصروا والذين آووا غير ممنون
وأخرجنا من وطننا، الأحب إلى قلوبنا، زرافات ووحدانا منذ خمسة وأربعين عاما..
منذ خمسة وأربعين عاما سلّط حافظ الأسد على سورية وأحرارها ودعاة الخير فيها، عصابات من أراذل الخلق تحت مسمى أجهزة الأمن، التي عرف الداني والقاصي من أمر جناياتها الكثير..
خرجنا وخرج الآلاف من أسر السوريين من وطنهم بغير جناية جنوها، ولا إثم ارتكبوه. وحين أقول الأسر فعلينا أن نتصور جحفلا من الرجال والنساء والأطفال، ومن شتى الطبقات العمرية، من شيب وشباب..
ورغم صخب المحنة التي كانت تدور رحاها على الأرض السورية، من استباحة للمدن والبلدات بالقتل المفتوح على الهوية، كما حصل في المجازر الكبرى التي نفذت في حماة وحلب وجسر الشغور وإدلب، وفي المجازر التي كانت تنفذ في أعماق الزنازين استباحة وذبحا، أو بأحكام زائفة مثل زيف وجوه مصدريها…
خرج كثير من أهل الخيرة من السوريين، نجاة بدينهم ونجاة بأنفسهم، ونجاة بكل ما يعتقده كل حر شريف..
وإذا كانت تلك الهجرة الجماعية الأولى التي بدأت منذ عام 1979 باسم جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن من الحق أن نؤكد في هذا السياق، أن تلك الهجرة لم تكن حَصرا في جماعة الإخوان المسلمين، وإنما امتدت لتشمل طبقة من أهل الخيرة من السوريين على خلفية طائفية وثقافية عفنة..
هاجرت تلك الطبقة من السوريين من وطنها خروج الخائف يبحث عن الأمن والأمان…
ولا شيء يتقدم في ضرورات الإنسان على "الأمان من الخوف" عندما يفقده الإنسان…
وانتشر السوريون المهجرون خلال نصف قرن بثقلهم الاجتماعي، والدعوي والثقافي في فضائهم العربي بشكل خاص، وامتدوا إلى ما ورائه من دول الجوار، ثم من عالم ما وراء البحار..ووقع عبء الهجرة السورية تلك، بكل أعبائها وتداعياتها على كواهل الدول من قيادات وحكومات ومجتمعات..
فنزل سواد السوريين المهاجرين على دول مثل الأردن القريب الأقرب، والعراق العربي، والمملكة العربية السعودية بمركزيتها العربية والإسلامية، والكويت واليمن وقطر والسودان وتركية ومصر والجزائر …
خمسة وأربعون عاما ولم يلق جيل الهجرة الطويلة تلك غير البر والجميل والمعروف والإحسان..
ثم امتدت الهجرة إنسانيا وزمنيا لتكون هجرة الملايين الذين تتحدث عن مصائبهم الركبان. فلا أحد في هذا العالم يفكر بالأخذ على يد الطغيان. كل الحقوق موفورة معترف بها للطاغية، ولا شيء لملايين الأحرار من الشعوب!!
وإنه لمن حق علينا نحن السوريين كلما تذكرنا أن نؤكد شكرنا وتقديرنا وعرفاننا للجميل الذي لقيناه والذي شارك في نسج سداته ولحمته قيادات وحكومات ومجتمعات ظلت وجوه أبنائها رحبة على مدى نصف فرن…
نشكر ونعلم أننا عاجزون عن وفاء الشكر حقه، نشكر مواقف القيادات والقيادة موقف، نشكر سياسات الحكومات التي لم تصنّ يوما بمعروف، ولا أغلقت بابا لبر، ونشكر كل وجه طلق استقبلنا، وكل بسمة ارتسمت على وجه أخ؛ كان يسألنا: سوري!! ويبتسم فيردف: يا مرحبا بكم، وقُبح من أخرجكم…
وسيظل هذا الشكر حقا لازما في أعناقنا وحق أجيال من ذرارينا.. فالمعروف لا ينكر ولا يُنسى، وكيف ينسى معروف من ما يزال معروفه موصولا غدقا نديا ثريا…
اللهم اجعلنا شكورين وصولين وددين.. واجز عنا خيرا وبرا في الدارين كلَّ من آوى وأعان ونصر..
ولعلنا لا نجد أن نحيي بأفضل من تحية طفيل الغنوي يوم تركها تدور بين العرب في فضاءات الشاكرين:
جَزَى اللَّهُ عَنَّا جَعْفَرًا حِينَ أَزْلَقت
بِنَـــــــا نَعْلُنَــــا فِي الْوَاطِئِيــــنَ فَزَلَّــــتِ
همُ خلطونــــــــا بالنفــــــوس وألجؤوا
إلى حجــــــــرات أدفــــــأت وأظلت
أَبَوْا أَنْ يَمَلُّونَــــــــا وَلَــــــــوْ أَنَّ أَمَّنَـــــــا
تُلاقِــــــي الَّذِي يَلْقَوْنَ مِنَّا لَمَلَّتِ
وقالــــــوا هلمَّ الدارَ حتى تبينــــــــوا
وتنجَلــــــــي الغَمَاءُ عمَّــــــــا تجلَّـــــتِ
ومن بعدما كنا لســـــــلمى وأهلها
قطينــــــــاً وملتنــــــــا البلادُ وملــــــتِ
ســــــنجزي بإحسانِ الأيادي التي
مضت لها عِندنـــــا كبَّرَت وأهَلّتِ
اللهم واحشرنا في زمرة صانعي المعروف وشاكريه.
وسوم: العدد 1101