من المعارضة إلى المناصحة
بعد ستين عاما من المعارضة، يريد هذا الإنسان أن يتحول إلى صف المناصحة!!
لقد كان عمر هذا الإنسان خمسة عشر عاما عندما بدأ معارضا.. وظل معارضا حتى في أضيق الدوائر التي قاربها!!
الصعب فيه ويعترف: أنه يقول لاءه بملء فيه ولا يبالي. هو لا يتمدح بذلك بل يتشكى منه.
في الصف الثاني الإعدادي، وبعد الثامن من آذار، ١٩٦٣ أتحفتنا مديرة التربية في حلب، في إعدادية المعري بمدرس لمادة التربية الوطنية، يدعى "سعيد فلحوط" وراح يردد فوق رؤوسنا: "ثالوثكم المقدس" وكم استفزت هذا الفتى الكلمةُ والشعارُ، وكان المشهد يقتضي أن يكون بين الفتيان الأربعين من يقول : نحن لسنا من أصحاب الثالوث.. وكان
ومنذ ذلك التاريخ بدأت رحلة عمر، ويرجو صاحبها اليوم ثوابها، وأنها بلغت محطتها الأخيرة في ٨ / ١٢/ ٢٠٢٤
اليوم الذي كان الحلمَ وكان الأمل، والذي طالما تمنى صاحبنا؛ أن ينشد فيه
وألقت عصاها…
أسبوعٌ مر على هذا الإنسان، وهو يحاول أن يتحول من موقف إلى موقف، من معارض، ليس إلى موالٍ، فهو لم يرتقِ بفكره إلى هذا الأفق أبدا، وأقنع نفسه في هذه الأيام أنه يمكن أن يتحول درجة من موقف المعارضة إلى موقف المناصحة.. فالخلاف بين الدرجتين كما يقدر البعض في اللون، وليس في النوع.
ربما لا يملك هذا الإنسان المرونة الكافية، التي يمتلكها هؤلاء الرجال الذين كانوا يتمدحون في ٧/ ١٢/ بالتمسح بعاقر ناقة سورية والسوريين، ثم أصبحوا في ٨/ ١٢/ يهتفون للقائم الجديد.. منحبك منحبك..!! وخجلت خيوط نسجت منها العمائم!!
ويعتقد هذا الإنسان أن هذه الرحلة القويمة من… إلى يحتاجها كثير من السوريين اليوم، وفي هذا الظرف الدقيق والحساس، كم مرة في حياتنا سمعنا هذا الوصف أو استعملناه، ولو كان ثوبا لاهترأ لبسا وغسلا وكيا!!
ولهذا التحول الذي نحتاجه جميعا، ليس في موقفنا من "القائم" الجديد وفريقه فقط، بل في موقفنا من كل ما حولنا؛ بما فيه موقفنا من الدول والحكومات والمنظمات والهيئات والقوى والأحزاب وكذلك الموقف من بعضنا أيضا..
نعم هذا التحول على الصعد كافة، ربما يحتاج إلى مرحلة انتقالية، ربما تستمر عند بعضنا ثلاثة أيام او ثلاثة أسابيع او ثلاثة أشهر..
يستطيع المعارض أن يظل ساخطا متسخطا لا يعجبه الصيام في رجب..
ولكن صاحب القرار او صاحب الموقف، ومن يلوذ به؛ يقول لنظيره، أعجبني في مقامك او في مقالك أنك اختتمته بابتسامة، ويعني أنه لم يعجبه من كلامه شيء..
أو أن يقول له لقد كان لون قميصك زاهيا، أو أزراره لامعة..!!
المهم أن صانع السياسة، يجب أن يبحث في موقف مخالفه عن شيء إيجابي يمدحه به، ولو لون عينيه، هذا إذا لم يكن مخالفه امرأة، فتعتد عليه قضية تحرش…
نعم كلنا نحتاج في هذه اللحظة التاريخية، كما قال عنها صديقنا التونسي، إلى تحول حقيقي في الموقف من الأحداث والسياسات والبـنى والدول والحكومات.
تحييد الأعداء، كسب المحايدين، تعزيز مكانة الحلفاء…
أقول مثلا:
لقد كان تخلي الروس عن بشار الأسد جميلا..وأقف،
وأقول للروس أيضا:
يمكننا في المستقبل القريب أن نبني علاقتنا معكم على أسس أكثر جدية وعملية، واكثر جدوى للطرفين..!! لا تزم لي شفتيك، قرأت عليهما كل المرارات!!
أو نقول: لم تكن عداوتنا مع الشعب الإيراني.. وإنما كانت مع هذه الميليشيات التي اعتدت علينا فقط…
أو نقول:
الشيعة في لبنان مكون أساس من مكونات الشعب اللبناني الشقيق- الشقيق هنا مهمة- ونحن حريصون على استدامة العلاقات الإيجابية مع الجميع..
أو نقول:
نحن رأينا في هذه الأيام القليلة صور البيوت الخربة التي يعيش فيها مواطنونا العلويون في قلب القرداحة.. يبدو أن بشار الأسد قد عدل في توزيع الظلم على السوريين، غير الفئة من العملاء ومن كل الطوائف..
أو نقول:
نتابع باهتمام أصوات المهاجرين من السوريين الموسويين، يعربون عن أمل في زيارة مسقط رأسهم، ويؤكدون حنينهم إلى مرابعهم.. هذه مشاعر إنسانية تستحق التقدير..
وهذا القضية يمكن أن تكون موضع الدراسة للاستدراك..
أو أن نعلق على اجتماع لجنة المتابعة العربية في العقبة: إن هذا الاجتماع ينم على اهتمام الأشقاء العرب بسورية وشعبها..!!
ويمكن أن ننشد تعليقا:
لئن ساءني أن نلتني بمساءة
لقد سرني أني خطرت ببالك
ثم نضيف
أيها الأشقاء الموقرون: إن أقل ما ستستفيدونه من هذا التغيير الحاصل في سورية، أنه سيكفيكم الشكوى من غزو الكبتاغون لبلادكم..وهو الأمر الذي كان يقلقكم أكثر من غرف الملح، ومطاحن اللحم البشري، فأبشروا وأملوا..
ومن قال لنا: أنتم عيني، يجب أن نتعود فنرد عليه؛ وأنت حاجبها..
أنتَ عيني وليس من حق عيني
غضُّ أجفانهـــــــا على الأقــــــذاء
نعم أيها الأحباب السوريون جميعا…وسورية لنا جميعا، ربما نحتاج إلى مرحلة انتقالية لننسى وقع سياط الظالمين على ظهورنا، وكلماتهم على عقولنا…ولنحذر فالسيد بلينكن المحترم ستكون له محكمة تفتيش جديدة على كل لفظة نتلفظ بها ولن يتوقف فقط عند مبناها ومعناها ولكن أيضا عند ظلها وتظلها…
ولنحذر التقيّة دينا وطريقة ونهجا و خلقا.. ولكن لا بأس من قليل من "التقاة"
قال: (إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)
وسوم: العدد 1107