فرنسيون في جيش الاحتلال: إبادة مزدوجة الجنسية
بالتضامن والتكافل مع مؤسسات أعضاء فلسطينية وفرنسية، «الحق» و«مركز الميزان» و«المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان» و«الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان» تقدمت «الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان» بشكوى إلى وحدة جرائم الحرب في محكمة باريس لفتح تحقيق فوري مع الجندي يوئيل أ. الذي يحمل الجنسية المزدوجة الفرنسية والإسرائيلية، والذي شارك في حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة ضد قطاع غزة.
واستندت الفدرالية وشركاؤها إلى شريط فيديو يُعتقد أن الجندي المذكور قام بتصويره، ويحتوي على مشاهد متتابعة لمعتقلين فلسطينيين مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين، يتعرضون لإهانات باللغة الفرنسية من أحد الجنود الإسرائيليين، وتظهر على أحدهم آثار تعذيب واضحة. وقالت الفدرالية إنها تتهم هذا الجندي بارتكاب جرائم حرب، وجرائم بحق الإنسانية، والإبادة الجماعية، والتعذيب، والتواطؤ على جرائم ارتُكبت بحق فلسطينيين اعتقلتهم دولة الاحتلال.
وكانت شبكة «أوربا ـ 1» الفرنسية قد توصلت إلى إحصاء يفيد بوجود 4185 جندياً في جيش الاحتلال يحملون الجنسية المزدوجة الفرنسية والإسرائيلية، مما يجعل فرنسا الجنسية الأجنبية الثانية بعد الأمريكية في مختلف أسلحة الجيش الإسرائيلي العاملة أو الاحتياط. ورغم المنطق السليم والمؤشرات العديدة على مشاركة مئات من هؤلاء الجنود في مختلف جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال في القطاع، فإن السلطات القضائية الفرنسية لم تبادر إلى فتح أي تحقيق حول تورط مواطنيها الفرنسيين في تلك الانتهاكات الصارخة.
ومن جانب آخر، سبق لمنظمات حقوقية أن رفعت شكوى ضد الجندي ذاته في نيسان/ أبريل هذا العام، لكن مكتب المدعي العام الفرنسي ردّ الدعوى بذريعة عدم وجود أدلة كافية، الأمر الذي يدفع اليوم تحالف المؤسسات الحقوقية إلى تقديمها مجدداً ولكن بصفة الادعاء المدني في محاولة جديدة لتحريك جمود الادعاء العام.
وليست ضئيلة الشكوك المبدئية التي تكتنف المضي أبعد في الخطوة القضائية الجديدة، بالنظر أيضاً إلى موقف الحكومة الفرنسية الرسمي المتخاذل إزاء مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه المقال يوآف غالانت. إلا أن الأجواء تبدو مختلفة في جوانب عديدة عن تلك التي كانت سائدة عند تقديم الشكوى الأولى، واهتمام الرأي العام الأوسع بمتابعة القضية تعكسه تغطيات متزايدة في معظم وسائل الإعلام الفرنسية.
وهذه المرة تلقى مكتب المدعي العام الفرنسي شهادات من ضحايا فلسطينيين تعرضوا لأشكال قاسية من التعذيب، تتطابق تماماً مع الطرائق التي تضمنتها مقاطع الفيديو المنسوبة إلى الجندي موضوع الشكوى. كذلك ساجل محامو تحالف المؤسسات الحقوقية بأن الجنائية الدولية لا تستطيع وحدها تغطية القسط الأكبر من التحقيقات حول جرائم الحرب، مما يلقي على عاتق القضاء الفرنسي مسؤولية مباشرة وضرورية ولا غنى عنها.
وإذا كان بعض الأمل يظل معقوداً على استقلالية القضاء الفرنسي وضغط الرأي العام المحلي وحراك المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني عموماً، فإن تجربة شهور طويلة من الصمت الحكومي الغربي على حرب الإبادة الإسرائيلية أو التواطؤ على تشجيعها وتسليحها وتمويلها، يمكن أن تلقي بحقوق الضحايا في سلال مهملات الكثير من الديمقراطيات الغربية، حيث المصالح تعلو على الحقوق.
وسوم: العدد 1108