درس غزة الأكبر
ما أعظم غزة وشعبها...أعظم درس لقنته عمليا للمسلمين هو دور العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص في صنع المعجزات الإنسانية ...على مدار خمسة عشر شهرا ولأنهم يتعاملون مع الله لم يسلم مجاهد نفسه للعدو ولا تخلى مقاوم عن سلاحه ولا رفع غزاوي الراية البيضاء رغم حرب الإبادة والتجويع ومحاولات التهجير، وإذا كان أداء المقاومة بطوليا فإن ثبات الحاضنة الشعبية لا يقل بطولة...فكيف حدث كل هذا في قطاع محاصر كان العدو والمتواطئون معه يظنون أن تدميره لن يدوم أكثر من ثلاثة أسابيع؟ إنه ثمرات التربية الإيمانية الشاملة العميقة على أيدي رحال ربانيين ونساء ربانيات أحيوا سيرة السلف الصالح فأرونا في غزة الغزوات وأحداث السيرة بمؤمنيها ومنافقيها ومثبطيها وكفارها رأي العين...إنها العقيدة الصحيحة التي تحرك الأحداث، إنه التوحيد الخالص البعيد عن الجدال والمماحكات يصنع المعجزات ويقود جهادا شرعيا أحيى صورة الإسلام الناصعة، يعلوها حسن الأداء والصبر واحتساب الأجر والتشبث بالأرض مهما كان الثمن...هذه الخلفية الإيمانية هي التي صنعت الفارق الكبير بين غزة وغيرها من البلاد التي وقع عليها عدوان المعتدين، خلفية مكنت أصحاب الحق من الأداء الرفيع المستوى والإتقان العجيب الغريب في كل ما يفعلونه، من إصابة "الجيش ألذي لا يقهر" في الصميم إلى الحضور القوي اللافت في اليوم الأول للهدنة ، إلى الحرب النفسية وحسن إدارة المعركة الإعلامية، انتهاء باستئناف مرافق الحكومية عملها بشكل مدهش...وهكذا رأينا كيف تهشمت الميركافا الأسطورية، وأصيب الجنود بالهلع، وتحطمت معنويات دول وأنظمة أمام جندي أعزل إلا من إيمان وبارود صنعه بنفسه تحت الأرض وهو محاصر.
هل نعي الدرس؟ هل نطّرح المناهج المستوردة ونعود إلى مناهجنا التربوية الأصيلة التي تحصّن الأمة وترفع مستواها العلمي والسياسي والعسكري والإعلامي؟ ألم نر أن المصحف بغير سلاح يحميه يُطمع أهل الكفر فيه؟ ألم يكن الإمام الشهيد حسن البنا موفقا حين جعل راية الجماعة مصحفا يحيط به سيفان اثنان؟ وعلى ذكر المصحف فإن تمسك أهل غزة به جعله يدخل بيوت الألوف من الغربيين الذين علموا أن سر صمود غزة وأدائها الخارق يكمن في هذا القرآن فأقبلوا عليه يتدارسونه، وقد أسلم عدد كبير منهم...أفلم يحن الوقت ليجعل المسلمون كتاب الله دستورهم ومرجعهم الكبر ومصدر قوتهم؟
لقد عاد للقدس والأقصى وفلسطين ألَقُها وصدارتها ومكانتها حتى ولو كان الثمن عشرات الألوف ما بين شهيد وجريح، فالأرض المباركة تستحق ذلك، وقد كان العدو يتوجع ويتألم طول فترة الحرب لكنه يصبّر نفسه لعل المجاهدين يضعفون ويضجرون ويصرخون قبله، وحاشا لفتية ربّتهم المصاحف والمساجد أن يسبقوا بالصراخ...أفلا يدفعنا هذا نحن أهل الله وحملة الرسالة إلى أن نسارع إلى إعادة ترتيب أولويات حياتنا، وإعادة النظر فيما ينبغي أن نربي عليه أولادنا على أنقاض المناهج التغريبية الفاشلة؟ الفرصة سانحة وأدواتها متوفرة والظرف مناسب، فشباب الأمة يبدع في نشر القضية وبث الأمل وكبت العدو بسيف الإعلام والأقلام ويجعل من فيسبوك سلاحا فعالا، وها هي القدوات قد تبدلت (وهذا ما ينبغي أن يستقر ويدوم)، فالشباب يرسمون أحمد ياسين وإسماعيل هنية ومحمد الضيف ويحي السنوار و أبا عبيدة على دفاترهم وجدران قلوبهم بعدما كان التافهون من لاعبين و"مؤثرين" ومطربين مُلهميهم ولقياهُم أقصى أمانيهم، ومع إكبار المسلم وتثمينه فعل المرابطين وأدائهم الرفيع وإدمانه متابعة جهدهم وجهادهم ينشأ لديه بالضرورة احتقار التافهين الذين يؤثرون في شعوبنا ، ومن بركات طوفان الأقصى انتقال الأمة من تعظيم أولئك التافهين وتقديسهم إلى تعظيم أهل الصمود والإثخان في العدو، وهكذا يتم انتقال "المثل الأعلى" من التافهين والأبطال المزيفين إلى الأبطال الحقيقيين، وهو تغير كبير ثقيل علينا التفطن إليه لإدراجه كعنصر أساسي في المنهج التربوي الجديد المنشود لأن الإعجاب بنموذج مقاومٍ دليل على سلامة العقل واتزان الشخصية، ولنا أن نعجب من الصنيع الإلهي، فهذه المعجزات الخارقة التي صاحبت طوفان الأقصى من أول يوم، وكذلك التحوّل الكبير في شباب الأمة حدث رغم جيوش الفساد التي نخرت الأمة طويلا ورمت بها في التيه والضلال لعقود من الزمن ، ولا تفسير لكل هذ إلا أنه كرامة إلهية وعناية ربانية ومن ألطاف الله بهذه الامة التي تمرض ولا تموت، وتتألم ولا تستسلم وتتوارى حينا ثم تعود...وإذا سأل المثبط عن حماس قلنا يكفيها فخرا أنها كشفت لنا أشباه الرجال و المندسين في مجتمعاتنا من المتصهينين والمرجفين و الخونة وأصحاب الألسنة الحداد الذين لا هم جاهدوا ولا أعدوا ولا حموا الأمة ولا تركوا الرجال يجاهدون، والمتعودون على الروح الانهزامية لا يرون النصر مهما كان كبيرا واضحا جليا، بل يكرهون معاني العزة والرفعة والمروءة والتضحية لذلك يكرهون الجهاد وأهله...وهذا فصل مهم من فصول التربية الغزاوية.
وسوم: العدد 1112