مرة ثالثة ورابعة وخامسة ولكل الذين يسألون عن عودتي إلى وطني..!!
أنا أشوق وأحوج إلى العودة ...
عودتي لن تكون لالتقاط الصور لا أمام باب القلعة ولا على مدرجاتها..
أحكي لكم هذا.. في أيام الصيف اللاهب، كنت أصلي الفجر في المسجد، ثم أحمل أحد كتبي، وأتوجه إلى دوار القلعة، كنت أصل حول خندقها من بيتنا بأقل من عشر دقائق ولعلي أحفظ معلّقة وأعود في لفتين وأعود مع ارتفاع الشمس نحو رمحين، أقصد دخول وقت صلاة الضحا…
دام هذا على مدى سني الدراسة في الثانوية ثم الجماعة ..
ومع ذلك لن أعود إلى وطني لسحب صورة، ولا لضرب بوظات، ولا للتقسيم على الناس.. سأعود لأقيم في وطني، ولست باحثا غير أن أنعم بشيخوخة ناعمة، وأعود للمواظبة على صلاة الجماعة في المسجد على شرط الإمام أحمد رحمه الله تعالى. وتحسبونه هينا!!
كم أتعبني الإمام أحمد في فتوتي، حتى كدت أترك صلاة الجماعة، مع كثرة ما ألزم بها، واشترط على من يصليها..!! رحمه الله تعالى.
للإمام أحمد رحمه الله تعالى رسالة صغيرة لطيفة عظيمة جليلة عنوانها "الصلاة" لعل طباعتها وقراءتها سيكون مسموحا به في الثقافة السورية الجديدة!! لا أدري يقولون لي الخبر المزعج قد سحب أو أنكر.. قلت لكل الناس من أول يوم بأننا لن نكون محبكجية، ولعل رجلا مثلي لا يصلح أن يكون، وأقول لكل من ينتظر ذلك مني: ليس ذا عش محبكجي فادرج .
في رسالة الصلاة هذه وألخص لكم من ذاكرة عمرها ستون عاما…
يبالغ الإمام أحمد رضي الله عنه وعنا وعن كل مسلم محب لله ولدينه ولرسوله ولعامة المسلمين وخاصتهم، يبالغ بالإلزام بصلاة الجماعة حتى يكاد يجعلها فريضة..
ويروي قصة صحابي أعمى يقول يا رسول: أنا رجل أعمى وبيني وبين المسجد نخل وواد، أفأصلي في بيتي؟؟ يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتسمع النداء؟؟ فيقول الرجل نعم. فيرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجب. ويبني الإمام أحمد رحمه الله تعالى عنه، على هذا الحديث: أن الأمر للوجوب، وأن على كل مسلم سمع النداء - الأذان- أن يجيب.
الموضوع الثاني الباقي في ذاكرة هذا الثمانيني المولّي من هذه الرسالة: حديث الإمام أحمد رحمه الله تعالى، عن أخطاء المسلمين في الصلاة، ويركز على حديث إنما جـُعل الإمام ليؤتم به، ووجوب متابعة الإمام ويضيف بالتحذير من حديث الذي يسبق الإمام إلى الركوع والسجود.. أن يجعل الله رأسه رأس حمار..ويبالغ رحمه الله تعالى في التحذير من هذا الحديث، وكذا من ترك بعض المسلمين للسجود على بطون أصابع القدمين، وهذا كان شائعا منذ القرن الثالث الهجري، وما زال شائعا حتى اليوم!!
ولكثرة تأكيد الإمام الإنكار على من لا يعلم الناس، خفت منه كثيرا وما زلت أخاف، تذكّر أنني قرأت الرسالة وأنا فتى في الخامسة عشرة، وكان أثرها في نفسي رهيبا، وكنت فتى حييا رهيفا وأرى الناس يخطئون حولي، وأنا على صغر سني يومها أستحيي أن أقول للرجل الأكبر سنا فعلت وفعلت حتى هممت بترك الجماعة. على قول الحلبية: لا العين تشوف ولا القلب يحزن..
أريد أن أعود إلى حلب لأختم حياتي بما يكتب الله لي من المواظبة على صلاة الجماعة فجرا وعشاء..
كم كنت أتأول وأنا فتى صغير حديث "بشّر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور الكامل يوم القيامة" لم أراجع صحة الحديث، وأنا ما زلت كلما نابتني النوب، أذاكر هذا مع ربي، مثل أصحاب الغاز!! أقول له يا رب أتذكّر بين يديك ولا أذكرك فلا يضل ربي ولا ينسى، يوم كذا.. وموقف كذا..وساعة كذا.. هذه الأسرار تبقى في الجرار، لا لن أحكيها لكم. سعرها أغلى!!.في حلب تقول: خلوا العسل في جرارو لتجي أسعاره. أنتظر. يوم يدنيني ويلقي عليّ كنفه ويقول لي: وأنا أسترها عليك اليوم ستر الله عليّ وعليكم. عندي مما أستحيي من روايته أكثر، وفي نوتة المدين والدائن كنتُ المدينَ دائما، وكان فضل الله عليّ عظيما وكل صالح اعتددته كان نعمة منه وفضلا..
أنا أحدثكم عن ظروف عودتي إلى وطني!! وأجيب الذين. يستعجلونني العودَ، ولا يدققون في المشهد..ولعلهم
في شخصي مع الآلاف. من أمثالي، ما زال مضروبا علينا "اليسق" ألا نعود إلا تحت وطأة السيف المشهر.. تعرفوا على معنى كلمة اليسق من الحلبية أو من الأتراك…
من عرف عرف ومن لم يعرف قال: كف عدس.
نشكو إلى الله لا نشكو إلى الناس.
وكتبت لبشار الأسد يوما: نريد وطنا لا مأوى.. وما زلت أريد وطنا ولا أبحث عن مأوى..
وسوم: العدد 1112