السياسة علم

هذه كلمات لا بد من تقريرها في الفضاء الرحب الذي نعيش فيه.

السياسة علم..

وقد كُرست السياسة علما إنسانيا معترفا به، بقرار لمنظمة اليونسكو للأمم المتحدة منذ سنة 1948..

وبذلك أصبحت السياسة علما له موضوع ومبادئ وقواعد وفروع..

وأصبح هذا العلم يدرس في الجامعات، وتكتب فيه الكتب، ويختص فيه المختصون..

عُرف علم السياسة بأنه:

عُلم بناء الدولة. وقيل هو فن سياسة الشعوب. ففي الجماهير نفرة، ومن واجب السياسي استئناسها وتوجيهها برفق إلى التي هي أجمل..

من أبرز فروع علم السياسة التي اعتمدت مع القرار الأممي في سنة 1948

علم النظرية السياسية

وعلم بناء الدول، وعلم تاريخ الأفكار، وعلم التاريخ الدبلوماسي…

وانضم إلى فروع هذا العلم مؤخرا ما عرف "بعلم الاستشراف"، وبعض الناس عده علما مستقلا، وبعضهم ألحقه بعلم السياسة، بوصفه فرعا من فروعه..

أعود فأؤكد السياسة علم..

وهو مثل علوم الطب والهندسة والرياضيات والتاريخ والجغرافيا..

في التاريخ الإسلامي ارتكز علم السياسة على علمين أساسيين :

أولا علم الأخلاق

حيث كان المؤلفون في علم السياسة يؤكدون على ضرورة أن يتحلى الحاكم الصالح بالعدل، والشجاعة والكرم والعفة والزهد والترفع عن الدنايا والالتزام بالشورى..

كما اعتمد علم السياسة في تاريخ الإسلام على علم الفقه، فيما يجب ويمتنع ويجوز من سياسة الملك.

أزعم في هذه العجالة:

أن المكتبة الإسلامية المشتملة على فصول علم السياسة في الإسلام هي من أعظم المكتبات في التراث الإسلامي

وخلاف ما هو شائع أن علم السياسة مجتزئ في كتاب الأحكام السلطانية للإمام الماوردي، أؤكد أن لعلم السياسة في المكتبة الإسلامية مئات العناوين المفردة، أي هناك مئات المؤلفات والكتب في علم السياسة بفروعه، بما في ذلك كتب الاقتصاد والتراتيب الإدارية…

ثم هناك في الكتب الفقهية الجامعة التي هي بحجم الموسوعات، ما يصعب إحصاؤه من الأبحاث والأبواب والفصول التي تجتهد وتقرر وتقدم التصورات في علم السياسية..

ثم هناك ثالثا ما قُرر ويقرر فيما يعرف بعلم السير، أو التاريخ الدبلوماسي بدأ من تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم السياسية، ثم الخلفاء الراشدين، ثم سائر ملوك الإسلام..

أقرر كل هذا لأؤكد ثلاثة أمور أضعها في أذني حتى لا أضل ولا أنسى..

الأول أن الهدف العام لنظرية الحكم في الإسلام وفي سائر النظريات السياسية الإنسانية القويمة، هو إرساء العدل بين الناس. وأتلو من سورة الحديد (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ.)

فعلة إرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ حسب منطوق الآية أن يقوم الناس- كل الناس بالقسط. هذه واحدة.. آخذ نفسي بها.

والثمرة الثانية لتقريري أن السياسة علم:

ويجب أن نأخذ أنفسنا أنها علم، وأن لا يتكلم في قواعدها وأصولها إلا من أوتي من هذا العلم..

أصور الأمر لنفسي هكذا فأنا أحرص الناس على تعليم نفسي. فكم تشددنا في أمر فتيا فردية، في قضية فيها صحة صوم أو صلاة أو كفارة يمين أو وقوع طلاق… والخطأ في كل ذلك ينعكس على حياة شخص أو شخصين من الناس…

أما الفتوى السياسية الجماعية، ففي مثلها تسفك الدماء وتنتهك الأعراض وتدمر الأوطان ويشرد الناس ..

أستحضر كل أولئك وأنا ألحظنا وكثير منا يرفع الصوت ويعليه، إيجابا وإنكارا في قضايا من السياسة الشرعية أو المدنية؛ لو وقعت في عهد عمر، رضي الله عن عمر، لجمع لحل عقدتها مثل أهل بدر…

(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) …

الفتوى في نقض الوضوء أسهل بما لا نتصور من الفتوى في نقض أمر الناس عليهم…

ويحك رأسه وينادي يا خيل الله اركبي

أعود فأقول: السياسة علم ولا حجر على كل من تعلم أن يتكلم...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1115