إلى الذين أحبهم

ومن أجمل ما قال الشعراء قول القاضي الجرجاني:

وأكرم نفسي أن أضاحك عابسا…

وفي تفسير قولهم لكل مقام مقال أقول…

سيحسن مني العرض، لو أنني وقفت على رأس رجل منقطع في الطريق، أو عرضت له حاجة أكبر من طاقته، أو أصابته جائحة ناء بها، فقلت له مصرّحا من غير تعريض: أي خدمة يا أخي؟؟ أي مساعدة أستطيع تقديمها؟؟ أي مساندة ترجوها؟؟

فإن ذلك سيحتسب في سجل المكرمات، ولا ينتظر إلا من كريم…

أما أن أعدو وراء كبير يعدو على فرسه، ويختال بخيله ورجله، فأقول له نفس الكلمات، وأعرض عليه نفس الخدمات: وأقدم نفسي مساعدا أو مساندا، وهو قد استغنى..

فذلك له في سجل القيم عناوين أخرى…

وإزاء ذلك قال القائل:

هذا لعمركم الصغار بعينــــــــــــــــه

لا أم لي إن كان ذلك ولا أب

وطننا يحبنا ونحبه. ونحن على مدى نصف قرن، نأبى أن نعطي الدنية فيه، وأن نتنفس من منخر أحد فيه، ولا لحساب غير حسابه. واستقلالنا في مشروعنا ليس معارضة ولا اعتراضا..

ولنا ساحاتنا التي عرفتنا وعرفناها..

إذا غبنا أو غيّبنا على أي خلفية، فلن يملأ فراغنا أحد…

ولا نحجر على المتطلعين تطلعاتهم، فكل يعمل على شاكلته..

ندعو للناصحين بخير ثم نقبض أيدينا كما قبضت هند بنت عتبة يدها: هذا لا يفعله حر كريم!!…

وننأى بأنفسنا عن موطن فيه إعطاء دنية. وحقنا في وطن شراكة.

وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم نكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل..

نحن الذين ما زلنا نتولى حارها، ونترك لغيرنا قارها.

وفي فقه دعوتنا: لم نقرن مشروع الدعوة بمشروع السلطة، والذين فعلوا ذلك منا أوردونا الموارد.

لم نستشعر يوما ظمأ إلى مورد رنق.. وما كنا لنشرب..

وقد قرأنا تلبيس إبليس منذ نصف قرن فوعيناه وحفظناه…

نسأل الله أن يحفظنا بالتقوى، وأن يجملنا بها.. ولولا أن النصح للخلق حق الله على عباده…لا بذلنا ولا بالينا..

كُتب على جباهنا من أول يوم سلكنا به طريق هذه الدعوة: جباه لا تذل.. ولا تسجد لغير الله…ولم نعرض أنفسنا يوما برسم الخدمة…

ومن كان يبحث عن ذيل فرس أو بغلة يأخذ به، ويتعطر بغباره، فلنفسه وعلى نفسه، ولسنا على أحد من خلق الله بوكلاء…

ثم إن من أشد من يجب أن نحذر، عدوا في ثوب صديق.

عرفناهم ثلاثين عاما يشغبون علينا، ويدافعون عن أعدائنا. تحت عناوين شتى.. إن لم يكونوا آخذين بذيل بغلة بشار الأسد ففي غبارها يغبرون، وكم التمسوا للذين أمعنوا في ذبحنا المعاذير…

وأذكر لكم حتى لا تقولوا ي

يتقول:

أتذكر من 2010 في شهرها السابع يوم قتل المواطن. المصري خالد سعيد تحت أقدام شرطة بلده كما يروون، فأصبح بفعل بعض الناس أقنومة عالمية، ووقفت على خبره فضائيات كان لها مديرون ومديرات…

قتل في التوقيت نفسه، وبالطريقة نفسها، المواطن السوري رب الأسرة والأطفال جلال الكبيسي الأجير في سوق الحميدية في دمشق. قُتل فدمرت أسرة ويتم أطفال!!

فطمس الطامسون خبره، وأهدروا دمه، وتجاهله المدعون لحساب القتلة والمجرمين، وأظنهم سيبؤون بدمه في يوم الدين…

لا تلمعوا من لمعتهم عداواتنا، لا تستضيفوا من أدموا رغيفهم بدماء أطفالنا، نحن نحفظ ونكظم ولكن لا ننسى…

نحن أولياء دم، وأصحاب حق، إن رد علينا بالرفق، شكرنا، وإن كان غير ذلك شكونا اللاحق إلى السابق حتى نلقى مولانا..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1115