أشعار خالدة
أ.د توفيق الواعي
كم كنا نتذكر ونحن شباب أهازيج المجد والفروسية العربية التي كانت تبعث في النفوس الحماس للمجد، والرغبة في التقدم واليقظة، ومن هذه الروائع والأهازيج الشعرية رائعة الشاعر الراحل محمود غنيم، ننقلها لكم لجمالها وروعتها وإيقاظها للنفوس الهامدة.
ولأنها تجسد حال الأمة الإسلامية والواقع الذي نعيشه بعد أن تخلت عن مآثرها وقيمها السامية، والشاعر محمود غنيم ولد في الريف المصري عام 1902م، ويعتبر من طلائع شعراء العربية فحولة وأصالة وصدقاً.
أشار الشاعر إلى حياته الأولى في قصيدته "حنين إلى الماضي"، عمل مدرساً في بلدة كوم حمادة، ثم انتقل إلى القاهرة مدرساً للغة العربية، ثم مفتشاً في وزارة التربية، ونال كثيراً من الجوائز على أعماله الشعرية، من بينها ديوانه "صرخة في وادٍ"، ومن قسماته المضيئة في شعره تمجيد الإسلام والمثل الإيمانية العليا التي قبسها الشاعر من تاريخ الإسلام واستلهمها من بطولاته، فيقول في قصيدته "الركب المقدس":
قوة الإيمان تغني ربها عن غرار السيف أو سن القناة
ومن الإيمان أمن وارف ومن التقوى حصون للنقاه
ونراه في قصيدته العظيمة التي يدعو المسلمين فيها إلى الالتفات لأمجادهم فيقول:
مـا لـي وللنجـم يـرعانـي وأرعـاه
لـي فيـك يـا ليـلُ آهـاتٌ أردِّدهـا
لا تحسبـنِّي محبـاً يشتكـي وصَبـا
إنـي تـذكَّـرتُ والذكـرى مؤرِّقـة
ويحَ العـروبة كان الكـونُ مسْـرحَها
أنَّـى اتجَّهـتَ إلـى الإسـلام في بلد
كـم صـرَّفتنـا يـدٌ كنا نصـرِّفهـا
هـل تطلبـون مـن المختـار معجـزةً
مـن وحَّـد العـرْبَ حتى صار واتِرُهم
كيـف سـاس رعـاةُ الإبـل مملكـةً
ورحَّـب الناسُ بالإسـلام حـين رأوا
يا مـن رأى عمـراً تكسـوه بردتُـه
يهـتزُّ كسـرى على كرسيِّـه فرقـاً
هي الشريعة عين الله تكلؤها
سـل المعـاليَ عنــا أننــا عــرَبٌ
هـي العروبـة لفـظٌ إن نطقـتَ بـه
استرشـد الغـرْب بالماضـي فأرشـده
إنـا مشينـا وراء الغـرب نقتبسُ مـن
بالله سـلْ خلْـف بحـر الروم عن عرَبٍ
فـإن تراءت لك الحمـراءُ عـن كثَـب
وانزل دمشـقَ وخاطبْ صخْرَ مسجدها
وطُـفْ ببغـدادَ وابحـثْ في مقابـرها
أين الرشيـدُ وقـد طـاف الغمـام به
هذي معـالم خُـرْسٍ كـل واحـدةٍ
الله يشهد مـا قلَّـبتُ سيرتهَـمْ
مـاضٍ تعيـش علـى أنقاضـه أمــمٌ
لا دُرَّ درُّ امــرئ يَطْــري أوائـلَه
إني لأعتـبر الإســلام جامعــةً
أرواحنـا تتلاقـى فيـه خافقــة
دستـوره الوحـي والمخـتار عاهلُـه
لا هُـمَّ قـد أصبحـتْ أهواؤنـا شيَعاً
راعٍ يعيــد إلـى الإسـلام سيرتَـهأمسـى كـلانا يعاف الغمـضَ جفناه
أواه لـو أجْـدَتِ المحـزونَ أواه
أهـون بمـا في سبيـل الحـب ألقـاه
مجـداً تليـداً بـأيـدينـا أضعنـاه
فـأصبحـتْ تتـوارى فـي زوايـاه
تجـدْه كالطيـر مقصوصـاً جناحـاه
وبـات يحكمنـا شعـبٌ ملكنـاه
يكفيه شعـبٌ مـن الأجـداث أحيـاه
إذا رأى ولـدَ المـوتـور آخـاه
ما ساسها قيصـرٌ مـن قبْـلُ أو شـاه؟!
أن الإخـاءَ وأن العــدلَ معــزاه
والزيـتُ أُدْمٌ لـه والكــوخُ مـأواه
من بأسـه وملـوكُ الـروم تخشـاه
فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
شعارنـا المجــدُ يهوانــا ونهـواه
فالشـرْقُ والضـادُ والإسـلامُ معنـاه
ونحـن كـان لنــا مـاضٍ نسينـاه
ضيائــه فأصابتنــا شظايــاه
بالأمـس كانـوا هـنا ما بالهم تاهوا؟!
فسائـل الصـرْحَ أين المجـد والجـاه؟!
عمـن بنـاه لعـلَّ الصخـرَ ينعـاه
عـلَّ امرءاً مـن بني العبـاس تلقـاه
فحيـن جــاوز بغـداد تحـدَّاه
منهـن قامـتْ خطيبـاً فاغـراً فـاه
يومـاً وأخطـأ دمـعُ العيـن مجـراه
ونستمد القِـوى من وحْـي ذِكـراه
فخراً ويطـرقُ إنْ ساءلتَـه مـا هـو
للشــرق لا محـضَ ديـنٍ سنَّـه الله
كالنحـل إذ يتلاقـى في خلايـاه
والمسلمـون وإنْ شتّـوا رعايـاه
فامنـنْ علينـا بـراعٍ أنـت ترضـاه
يرعـى بنيـه وعيـنُ الله ترعـاه
ومما هو جدير بالذكر أن الشاعر الراحل محمود غنيم - وربما غاب عن كثير من النقاد والأدباء - له خمس مسرحيات تجعله في عداد الشعراء المسرحيين، وتسلكه مع شوقي وعزيز أباظة، وقد سألته في لقائي معه: لماذا لم تمثَّل مسرحياتك كمسرحيات شوقي وعزيز أباظة؟
وكان رده: أما شوقي؛ فقد مثل له بحكم نفوذه، وأما عزيز أباظة؛ فقد مثل له بحكم نفوذ أُسرته، أما أنا؛ فلا قريب ولا حم!
وفي هذا الرد الموجز ما يعبر عن شكوى الشاعر؛ في أنه لم يأخذ نصيبه، ولم ينل ما يريده، ويؤكد هذه الشكوى قوله:
مالي من اشتكى يا رب ضيمي أرى نفسي غريباً بين قومي
لقد هتفوا لمحمود شكوكو وما شَعَروا بمحمود غنيم!