الأراجوز – قوة الانقلاب الناعمة !
الأراجوز – قوة الانقلاب الناعمة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
حاولت كثيرا أن أمنع نفسي عن تناول الدور الذي يقوم به السادة الأراجوزات والمهرجون والعوالم والمشخصاتية ، في خدمة الانقلاب العسكري الدموي الفاشي . لم أستطع أن أغالب القلم وهو يرى نماذج البؤس الفكري والخلقي والفني من خلال مجموعة الهشك بيشك التي فرضها النظام العسكري منذ ستين عاما لتحتل صدارة المجتمع ، وتتمتع بالأسبقية والأفضلية على العلماء والباحثين وبناة المجتمع الحقيقيين بل والمقاتلين الحقيقيين الذي ضحوا بأرواحهم وأعمارهم في القتال ضد العدو لخدمة الوطن والشعب .
الأراجوز والمهرج والعالمة والغازية والمشخصاتي الذي كان ومازال يسمى في الريف المصري بالمسخة !والطبال والزمار ، كان يطلق عليهم جميعا اسم " العوالم " ؛ ويعلم الشعب المصري أنهم مجرد عالة على المجتمع ويتكففون الناس في الأفراح والمناسبات ، وأنهم ليسوا بأصحاب فن حقيقي يصح نسبته إلى عالم الرقي والجمال والسمو ، وأنهم حولوا الفن الحقيقي إلى مجرد لحم وطبلة وزمارة . لافكر ، ولا رؤية ، ولا تصور ! لاقضية ولا مضمون ولا غاية . كل ما هنالك هو استعراض اللحم الرخيص في الأفلام والأغاني والمسارح ، والهتاف أو الندب وفقا لما تريده السلطة .
كان عبد الحليم حافظ يردد كلمات الكاتب الشيوعي : جماهير الشعب تدق الكعب تقول كلنا صاحيين ، وحول عبد الحليم شعب مصر الأبي إلى مجرد عبد يخدم سيده الذي لا يستحق الخدمة بحال . كما كان يهتف له : قول ما بدالك . احنا رجالك ودراعك اليمين . وكان السيد الطاغية يقول ما بدا له ثم يطرحه العدو أرضا في معارك مذلة ومهينة في سيناء 56 ، واليمن السعيد 62-67 وفي سيناء 67 .
أم كلثوم كانت تغني للسيد الطاغية وتقول له بعد هزيمته السوداء : ابق فأنت الزعيم الباقي !
نادرا ما كنت ترى على مدى ستين عاما عملا فنيا يستحق الاحترام في الغناء أو السينما أو المسرح أو غيرها . أما اليوم فالعوالم أرادوا تعويض نقصهم البشع وفشلهم الذريع وجرائمهم الكبرى في حق الوطن والدين والأخلاق بالانحياز للانقلاب العسكري الدموي الفاشي الذي يمنحهم ما لايستحقون من عرق الكادحين ، فهتفوا للقتلة " تسلم الأيادي " ، ولم يشعروا بالعار وآلاف الشهداء ما زالت دماؤهم ساخنة ، بل زادوا على ذلك عنصرية فجة قبيحة حين غنوا " احنا شعب وانتو شعب " ، وأخرجوا أنفسهم من الملة بقولهم :" لنا رب ولكم رب " ! آه يا عوالم !
لا أريد أن أتوقف عند الغزل الحسي الفج في قادة الانقلاب الذي مارسته بعض الغوازي من خلال تصريحات أو مقالات فجة نشرت على الملأ مما يصادم أخلاق المجتمع وإن كان لا يخرج عن أخلاق العوالم وسلوكياتهم ، فقادة الانقلاب يفاخرون بجاذبيتهم للنساء، والعوالم لا يخفين رغباتهن الرخيصة ومشاعر الابتذال الهابطة .
بيد أن القوم كانت لهم أداة اكثر تاثيرا حين صنعوا من أحد الأشخاص أراجوزا يقدم برنامجا على إحدى القنوات الموالية للانقلاب مهمته الأساسية هي السخرية من الإسلام والمسلمين فضلا عن الرئيس المنتخب محمد مرسي - فك الله أسره - وكان عنصرا مهما من عناصر التشويش على الديمقراطية ، والتمهيد للانقلاب العسكري الدموي الفاشي .
الأراجوز توقف مع بدء الانقلاب عن تقديم برنامجه ، ثم عاد مؤخرا بعد أربعة شهور ليرتدي ثياب الشجاعة ، ويهاجم مؤيدي الانقلاب في بعض التصرفات ويهاجم المسلمين في كل التصرفات ، وفيما بين الهجومين يضع نقطة سم قاتلة مهمتها الترويج لاستحالة عودة الشرعية ، ويوحي أن المنقذ من الضلال هو قائد الانقلاب .
كتاب البيادة وصحفيوها شنوا حملة على الأراجوز ، واتهموه بإهانة الوطن لأنه تجرأ وهاجم قادة الانقلاب ، ومنهم من طالب بمنع البرنامج من البث ، ومنهم من طالب بتقديم الأراجوز إلى المحاكمة .. وقد يكون هذا أمرا عاديا ، ولكن الذي كان مفاجئا هو دخول العوالم على الخط لهجاء الأراجوز وبرنامجه وتهديده . مثلا أثار حفيظة إحداهن من المنبهرات بالجاذبية . فانتقدته واتهمته أنه "فشل في الطب ثم تحول إلى الإعلام" كما أنه مصاب بالغيرة من قائد الانقلاب الذي استطاع سحب البساط من تحت قدميه واحتل قلوب المصريين بدلا منه"، على حد تعبيرها. وأكدت المذكورة أنها ليست حزينة بسبب سخريته منها، ولكنها حزينة بسبب ما قاله عن القائد الذي تؤيده . واستطردت في انتقادها للأراجوز قائلة :"دكتور فشل في مهنته، وراح يشتغل مذيع وياخد ملايين، اسألوه بياخد كام البيه".
وكما نرى فالعوالم احتياطي استراتيجي للانقلاب العسكري مثلما كانوا على مدى ستين عاما يروجون له ويدعمونه بالأغاني والتمثيل والطبل والزمر بوصفهم أقرب إلى الفئات الأمية والمراهقين بما يظهرون عليه من صور تبهرهم وتشدهم ، ولهذا نرى الانقلابيين يحرصون على دعوة العوالم لاحتفالاتهم ومنحهم العطايا والهدايا والاستمتاع معهم بالتصوير الفردي والجماعي ، وفي المقابل يقدم العوالم تأييدهم بلاحدود للانقلابيين ويرشحون قائد الانقلاب رئيسا للدولة وتشبيهه بجمال عبد الناصر الذي كان مهزوما دائما في كل معاركة وكان مثالا للقمع والقهر وإذلال الشعب والأمة .
الحملة على الأراجوز تأتي في سياق التمويه على مهمته الأساسية في تيئيس الشعب من إسقاط الانقلاب ، وإعادة الشرعية ، ولعل ماقيل عن اجتماع مسبق لعودة الأراجوز يؤكد ذلك . لقد تم الاجتماع في قصر صاحب القناة الفضائية ، حضره قائد الانقلاب مع رجل أعمال طائفي متعصب معاد للإسلام ومستشار إعلامي والأراجوز وعدد من القائمين على الإعداد ؛ وهدف الاجتماع توصيل رساله مفادها أن عودة مرسي شيء يجب أن لا نفكر فيه لأنه لن يحدث ، وتم الاتفاق كما تقول الرواية على أن تشتمل الحلقات على فقرات نقد لاذع ضد قائد الانقلاب بشكل خاص ومباشر لاستعادة ثقة المشاهدين في البرنامج بعد غياب إجبارى . عودة الأراجوز بالبرنامج في طبق من ذهب مملوء بالعسل مع قطرة سم قاتل وضعت في الخفاء لاستكمال بنود العقد المعقود بينه وبين من اشتروه ليستخدموه ، مع العلم أن المستشار الإعلامي وآخرين شاركوا في كتابة مقال باسم الأراجوز ليظهر في ثوب الملاك بينما يبدو أنصار الانقلاب وأنصار مرسي شياطين وتظهر مصر بكل سكانها وهي على الباطل والأراجوز وفريقه ملائكة السماء ورسل الله الذين سيخرجوننا من الظلمات الى النور!
يلاحظ أن الأراجوز ضميره ميت . لم يشر مرة إلى الشهداء الذين تم طبخهم أحياء في رابعة العدوية والنهضة ، ولم يغضب مرة واحدة من أجل الحرائر اللاتي تم قتلهن أو اعتقالهن ، وبالطبع لن يغضب أبدا لانتهاك حرمة الجامعات بقوات الجيش والشرطة ، ومداهمتها وضرب طلابها واعتقال أساتذتها . الأراجوز قوة الانقلاب الناعمة!