ومتى كان التعليم محلّ اهتمامنا؟
عثمان أيت مهدي
يدخل الإضراب الوطني الذي دعا إليه المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني بالجزائر أسبوعه الثالث، دون أن تتحرك الوصاية مسرعة إلى رأب الصدع وإخماد الحريق الذي نشب بالبيت، حيث ألسنة النار بلغت جباه التلاميذ، والأولياء في حيرة من أمرهم، والأساتذة أمام موقف أحلاهما مرّ، أما الوزير والقائمون على الوزارة، الساهرون على سلامة البيت من الحريق والصدع فقد تمكنوا من الفرار خارج البيت ينتظرون رجال الإطفاء الغائبين عن المدينة المنشغلين بحرائق أخرى بمدن كثيرة.
يقول المجلس الوطني أنّ نقابتهم خطّ أحمر لا يحق لأيّ كان تجاوزه أو المساس به، فما بالك بتقديم أحد أعضائها إلى المجلس التأديبي وفصله عن العمل دون حقّ ولا أدلة ضدّه؟ وكلّ سكوت عن عمل كهذا قد يجرّ عملا أقبح وأشنع من أطراف تريد كسر النقابة وتفتيتها، وبالتالي سينطبق عليهم المثل المشهور: لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض. أمّا الوصاية وعلى رأسها الوزير الذي يجهل أمورا كثيرة تقع بوزارته، فيرى أنّ هؤلاء النقابيين الذين يرهنون مستقبل التلاميذ بسبب نقابي فصل عن العمل هو الاستهتار بعينه، وعدم تحمل المسؤولية وهي ثقيلة على الجميع؟
السلطة الرابعة بالجزائر غائبة أو مغيبة، بعدما كانت القناة التلفزيونية الوحيدة التي تحتكر الصورة في بلادنا، ظهرت في الآونة الأخيرة قنوات تلفزيونية جزائرية أجنبية ـ قد يبدو هذا المصطلح غريبا عن المشاهد العربي ـ لأن هذه القنوات تبث من الخارج ولها مكاتب واستوديوهات بالجزائر. هذه القنوات التي اعتقدنا أنها بادرة خير لفتح مجال الحريات والديموقراطية عبر شاشاتها، قاطعت الإضراب، أو تبث لقطات لا تتجاوز الثواني وتمر على الموضوع مرور الكرام.
وتبقى دار لقمان على حالها، وتبقى حليمة على عادتها القديمة. إنّ نظرة التعالي والخيلاء التي تميز مسؤولي وزارة التربية تحول دون تراجعهم إلى الوراء وتصحيح أخطائهم. إذ كيف للوزير المعين من طرف الرئيس، والمسؤولين المعينين من طرف الوزير أن يستكينوا لطلبات من غير أولياء نعمتهم وأولياء أمورهم؟ أمر مرفوض تماما. الوزير لا يعرف معنى الانتخاب، ولا معنى الانتماء الحزبي، ولا معنى الإيمان بفكرة يعمل من أجلها ولو كلّفه ذلك منصبه؟ إنّه أستاذ جامعي، ثم عميد للجامعة وبعدها وزير للتربية، عملية الانتقال من صفة إلى أخرى أسمى وأعلى لا يعرف تقنياتها إلا أصحاب الاجتماعات الليلية والمصابين بمتلازمة لاربان.
ثمانون من المئة من الأساتذة في إضراب، مؤسسات تربوية مقفلة في وجه التلاميذ، أولياء الأمور في حيرة من أمرهم، يغضبون على الأستاذ الذي يدافع عن حقوقه أم عن الوصاية التي تدافع عن تعنتها وكبريائها؟ رئيس الجمهورية يعاني من مرض ألزمه النقاهة والابتعاد، الوزير الأول مهامه كثيرة ومتعددة تكفيه متاعب وزارته حتى يتحمل متاعب الوزارات الأخرى.
يتزامن وإضراب أساتذة التعليم الثانوي بالجزائر، إضراب آخر بفرنسا لطلبة الثانوي المؤيدين بأحزاب يسارية كالحزب الاشتراكي وشخصيات فرنسية بارزة، مطالبهم رفض طرد زميلين لهم من الثانوي لأسباب يراها وزير الداخلية الفرنسي أنها قانونية لعدم حصول الطالبين المطرودين على وثائق الإقامة. يخرج الطلبة في مسيرات حاشدة يطالبون باستقالة وزير الداخلية، وإجبار وزير التربية على إعادتهما إلى أقسام الدراسة، ويتعهد وزير التربية بدراسة الملف وإمكانية إيجاد حلّ سريع للمشكلة.
إذا كان للتلميذ الفرنسي صوته المدوّي على مسامع الصحافة المرئية والمكتوبة، والأحزاب السياسية، والشخصيات البارزة في المجتمع، والبرلمان والمجتمع المدني، فإنّ الأستاذ الجزائري يقاوم لوحده جحافل السلطة الحاكمة من جمعية أولياء التلاميذ والأحزاب السياسية والصحافة والشخصيات البارزة المنبطحة للنظام والوزارة وإداراتها..
من ينقذ التلميذ من هذا الجب الذي أدخله فيه مسؤولو التربية؟ لا أحد. من يهتم بقضايا التعليم الذي يحتضر من سنة إلى أخرى، ينتظر الجميع توقف أنفاسه الأخيرة؟ لا أحد. من يهتم بالحركة النقابية التي تعاني من مطرقة بيروقراطية الإدارة وسندان تجبر واستبداد المسؤولين؟ لا أحد. وهل نحن من أمّة اقرأ كما ينص الدستور الجزائري صراحة؟ لا أعتقد، فنحن أمّة ضحكت من جهلها الأمم.