الكاتب الشاب من خلال كتاب: آلام وآمال

معمر حبار

[email protected]

حين ينتهي القارىء من كتاب: " آلام وآمال"، للأستاذ مصطفى السباعي، رحمة الله عليه،  دار ابن حزم، بيروت، لبنان، 1430هـ - 2010 من 280 صفحة. يجد أن سنّ الكاتب حين كُتبت هذه المقالات، وجُمعت فيما بعد في هذا الكتاب، هو اللاّفت أولا، وهو السبب في إنجاز هذه الورقة، ثم يأتي من بعد ذلك محتوى الكتاب، الذي يبقى خاضعا للمناقشة، والأخذ والرد.

أول مقالة جاءت في الكتاب بتاريخ 1356هـ، ومصطفى السباعي  من مواليد 1333 هـ، أي أن السباعي كان عمره يومها 23 سنة. ومن يقرأ الكتاب، لايخطر بباله أبدا، أنّ صاحب المقالات في مثل هذا السّن، ويظن أنه شيخ كبير، لما أوتي .. من لغة عربية فصيحة، استمدها من جذور عربية عميقة، أساسها القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، وأشعار العرب، قديمها وحديثها، وأسلوب أدبي يرفع القارىء دوما، واستعماله لبعض المفردات والمصطلحات المعاصرة، واتقانه لأسلوب الصحافة، ومعرفته الجيدة لواقعه، وعلى رأسها فلسطين، والدفاع عن أمته بلهجة قوية، وحماس بيّن واضح.

وللدلالة على ذلك، يكفي أن يقف القارىء على مقدمة الأستاذ محمود محمد شاكر، وهو يقول في صفحة 05: "فهذه مقالات لشاب نشأ في طاعة الله وهو في العشرينات من عمره". ثم يقول في صفحة 08، وهي آخر فقرة من مقدمته للكتاب: "هذه المقالات كتبت وصاحبها في مقتبل العمر، وريعان الشباب، وبدء العمل، وأول الدرب، وحداثة العلم".

والقارىء للمقالات جيدا، يلاحظ وبشكل واضح، تأثير السّن عل مقالات السباعي، فقد جاءت كلها حماسة، ولهيب مشتعل.

عالم في 16 و20 من عمره: في حصة لمسات بيانية، قال الأستاذ العراقي: فاضل السامرائي، أنه ألّف كتابا وهو في 16 من عمره، وتعمّد عدم ذكر اسمه الحقيقي. وبعد أن أصبح له اسم في ميدان اللغة العربية وعلوم القرآن الكريم ، أمسى الكتاب الذي ألّفه في هذا السّن من المراجع الأساسية التي يُعتمد عليها.

ويُذكرُ كذلك، أن الفيلسوف الطبيب ابن سينا، أتمّ العلوم وهو في 16 من عمره، حتّى أنه كان يتفوق على أساتذته.

ومنذ سنوات غرقت غواصة نووية بريطانية، فمات كل من فيها. وحين أعلنت أعمارالعلماء المختصين في الأسلحة النووية البحرية، كانت بين 21 سنة و 23 سنة.

سعر الكتاب من سعر الكاتب: أسعار كتب الأستاذ: مصطفى السباعي، باهظة مرتفعة الثمن، لكن حين يقرأها المرء، يضع السعر جانبا ولايلتفت إليه. فمن كان في 23 من عمره، ويخطّ هذه الدرر والنفائس، حقّ لكتبه أن تباع بالذهب الخالص.

الأحرف أكثر من السنين: حين يعود المرء لبعض علماء الأمة، يجد أنه بعضهم مات في مقتبل العمر، وتركوا من وراءهم مجلدات ضخمة في علوم مختلفة، كسيّدنا النووي الشافعي الدمشقي، الذي توفى وهو في 45 سنة من عمره، حتّى أن البعض قسّم عدد الصفحات التي كتبت على عدد السنوات القليلة التي قضاها هؤلاء العلماء، فوجد أن الكتب التي ألّفوها تحتاج لسنوات أكثر مما عاشها، فلم يجد تفسيرا لذلك، غير أن الله تعالى بارك في عمره. والأستاذ مصطفى السباعي الذي لقي ربه وهو في 49 من عمره، تاركا وراءه كمّا هائلا من الكتب والمقالات، يدخل ضمن هذه الصفوة، التي بارك الله لها في العمر.