مصير الثورة في سوريا في خضم الحراك السياسي الدولي
مصير الثورة في سوريا
في خضم الحراك السياسي الدولي
عثمان بخاش
تكثفت الاتصالات السياسية بين الدول الطامعة في بلادنا ، وكان أبرز هذه الاحداث إعلان روسيا وأمريكا عن عزمهما على عقد مؤتمر جنيف-2 لوضع حل للأزمة السورية، لا يخرج كثيرا عن مباديء اتفاق جنيف-1 الذي اعلن عنه في 30-6-2012، والتي صيغت بطريقة ضبابية كانت في واقعها مجرد اعلان عن اطار عام للحل المتصور الذي توصل اليه الرئيس الامريكي اوباما والروسي بوتين في لقائهما في المكسيك......
و العقدة الأساس في اعلان جنيف-1 انه ترك مصير سفاح دمشق غامضا، ما يعني استمراره على كرسي السلطة بحسب الموقف الروسي المعلن، والذي عارضته فرنسا وبريطانيا التي اعلنت عن وجوب تنحي بشار كجزء من الحل.
كانت أمريكا تأمل ان تنهك قوى الثورة فترغم على القبول بما يعرض عليها من أشباه حلول تضمن في واقعها استمرار هيمنة أمريكا على سوريا وإن كان تحت وجوه جديدة بعد أن ادركت أمريكا استحالة استمرار بشار في الحكم ، والمعروف عن السياسة الامريكية ان معيارها الوحيد هو المصلحة الامريكية أما العميل الذي يصبح عبئا عليها فلا تتردد برميه جانبا في أول فرصة تتمكن من ذلك....
المعضلة الأمريكية في سوريا تكمن هنا: أنها لم تفلح إلى الان في صناعة العميل البديل الذي يمكنها من استبدال بشار بكرزاي (او طنطاوي) آخر، ولذا بقيت أمريكا تتخبط في محاولاتها المتكررة لوأد الثورة في سوريا أوكبح جماحها ، كما صنعت من قبل في مصر مثلا.
ثم إن أمريكا، وغيرها من الدول، لا تعمل في فراغ: فهناك قوى اوروبية فاعلة منافسة لها ، ومعها ادوات اقليمية في الخليج والاردن، تتربص بها وتعمل على الحصول على حصة معتبرة من المغنم،
وبالاضافة الى "صراع الفيلة" هذا فإن المسلمين في سوريا هم أصحاب القرار الأخير في كفاحهم للتخلص من بشار ولدفن النظام القمعي الكافر الذي فرضه أبوه وزبانيته بدعم أمريكي مطلق، فالثورة لم تقم لاستبدال طنطاوي ببشار، ولا للتجديد للاجهزة الامنية التي كانت اداة التنفيذ للسياسات الستالينية لحكم الاسد، هذه الأجهزة التي تحرص أمريكا كل الحرص على ابقائها متحكمة في رقاب البلاد والعباد، وما "الدولة العميقة" في مصر التي لا زالت تمسك بعنان الحكم والسلطة وتخدم أمريكا باخلاص عنا ببعيد....
ومع أن أمريكا ، وفرنسا وبريطانيا، سعت الى صناعة قيادة سياسية بديلة عبر الاجتماعات والمؤتمرات المتكررة من اسطنبول الى القاهرة الى الدوحة،ومن ذلك ما صرحت به هيلاري كلينتون من أن المجلس الوطني لم يعد صالحا وأنه يجب انشاء قيادة سياسية للمعارضة تمثل قوى الداخل وليس معارضة الفنادق، فاشتغل روبرت فورد بكل عزيمة لصياغة الائتلاف الذي ولد في الدوحة، إلا أن هذا المكر تكسر كله على صخرة الثورة الصلدة .
ما بين جنيف-1 وجنيف -2 يكون قد سقط عشرات الالاف من الشهداء وتشرد الملايين من المدنيين وما مع كل هذا من معاناة وآلام لا يعلم بها إلا من عاشها وكابدها...
والذي مكّن النظام من الاستمرار في جرائمه ومجازره وقوف ايران بثقلها ودعمها له بكل ما تملك من امكانيات بما في ذلك توريط حزب الله مباشرة للدفاع عن نظام بشار، وكذلك دعم روسيا القوي له، في ظل صمت أمريكي يدل على مشاركة أمريكا وتغطيتها لروسيا وايران في استمرار حمام الدماء في سوريا....والتاريخ القريب يرينا أن القذافي الذي توعد الغرب بالويل والثبور محذرا من أن قوافل الجهاديين والقاعدة ستجتاح اوروبا، لم يردع الغرب عن التدخل لضربه وازاحته، أما التحجج بأن نظام الاسد عنده من انظمة الدفاع الجوي ما يحول دون تكرار السيناريو الليبي، فقد كشفت الضربات الاسرائيلية المتكررة عن هشاشة هذا الزعم، ثم إن العالم لا زال يذكر أن أمريكا ضربت حليف روسيا الأول في اوروبا- صربيا، ولم ترتدع حتى عن ضرب السفارة الصينية في بلغراد، دون اللجوء لا الى جنيف-1 ولا الى مجلس الأمن وغير ذلك من ورقة توت تخفي عورة سياستها الاجرامية وراءها.....
إذن إلى أين تتجه الأمور في ظل التطورات الأخيرة ومنها تفجيرات الريحانية – تركيا، والمسعى الحثيث لاقامة كانتون علوي في سوريا ما ينذر بتهديد الأمن القومي التركي لاحتمال انخراط الطائفة العلوية في تركيا في الضراع السوري؟؟ فاذا كان عدد العلويين في سوريا هو قرابة مليونان فإن اخوانهم في تركيا قد يبلغ عددهم 12-15 مليونا....وقد بذل حكم اردوغان جهودا كبرى لنزع فتيل الصراع مع الأكراد، ولا يتقبل احتمال تفجر صراع آخر يهدد وحدة الكيان التركي.....دون أن ننسى عنتريات اردوغان وتصريحاته النارية السابقة في بدء الثورة في سوريا عن عدم سماحه بتكرار حماة ثانية أو عن عجز تركيا عن استقبال مائة الف لاجيء من سوريا الخ...
هذا بالاضافة الى انعكاس الثورة السورية على الساحات المجاورة في الاردن والعراق ولبنان، وعزم ايران على الدفاع عن امبراطوريتها التي تشكل سوريا اهم ركائزها في المنطقة، فزوال حكم بشار يهدد النفوذ الايراني(المدعوم امريكيا) في العراق....
فهل تنجح أمريكا وشركاؤها في العصابة الدولية (وادواتهم الاقليمية) عبر جنيف-2 في وقف حمام الدم وانهاء عهد سفاح دمشق؟؟؟؟ ام تنجح في كسر ارادة الثائرين الذين ، بعد عشرا الالاف من الشهداء وملايين النازحين اقسموا الا يعودوا الا باحدى الحسنيين النصر او الشهادة؟
كل الوقائع لا تشير إلى هذا
فقد ذهب كاميرون للقاء بوتين ليفاوضه ويساومه على أشلاء المسلمين في سوريا والجوار
ثم ذهب للقاء اوباما ليحاول ان يقايضه على حصة باخرى في سوريا
بينما صرح هولاند الفرنسي بان فرنسا لاعب اساسي في الملف السوري(يعني لها حصة معتبرة من الكعكة الاستعمارية) قرنها برفض دعوة مجرمي ايران- شركاء الاسد (وخصوم فرنسا وبريطانيا) الى جنيف-2
وأشارهولاندفي تصريحات صحفية نقلتها وكالة الانباء الفرنسية (اف ب)،إلى أنه "علينا أن نجري مناقشة صريحة مع روسيا لاقناعه ابان مصلحتها،ومصلحة المنطقة ومصلحة السلام،تكمن في تنحي بشارالاسد".
بنما اكد وزيرالخارجية الأميركي جون كيري بعد لقائه بنظيره الروسي لافرف في كيرونا بالسويد "كلانا مفعم بالأمل بأنه في فترة قصيرة ستتهيأ الظروف حتى يكون لدينا- فيماهومأمول- بديل للعنف والدمارالذي تشهده سوريا في الوقت الحالي".
ومع هلع اردوغان من انتقال شرارة التصدع الطائفي الى عقر داره رفع عقيرته مستنجدا باوباما في لقائهما في واشنطن، فحرص على اوباما ان يسترضيه ببعض التصريحات الجوفاء، ولكن اضاف اليها حفلات تكريم وعشاء عمل وطلقات مدفعية محاولا تاكيد صداقته وتمسكه بعميله اردوغان الذي لم يجد بدا من اصطناع الطمانينة لوعود صاحبه الخداعة، وقد اوكل اليه اوباما بلعب دور عراب معراضة الفنادق لجرهم واقناعهم بالجلوس على الطاولة مع مبعوثي نيرون الشام الى جنيف-2.
خلاصة الأمر أن على أهلنا في الشام أن يعوا حقيقة الصراع الدولي والمكر الذي تمكره الدول الطامعة بالثورة في سوريا، وان يعوا ان الادوات الاقليمية تنفذ هذا الدور الخبيث لتلك الدول، وهنا اقصد دول الجوار من لبنان الى تركيا الى مصر و دول الخليج
ويجب العمل بكل قوة على نبذ ورفض أي دعوة لحلول وسط مع نيرون دمشق ، وكل من يروج للجلوس مع مبعوثيه فهو يعمل على تجريع السم للمسلمين ويخدم المصلحة الاستعمارية الغربية ، ولا مجال هنا لحسن نوايا وما شاكل ذلك.
نعم من المتوقع ان تعمد امريكا الى تصفية القوى المخلصة، لتتمكن من ثم اظهار قيادة الجيش الحر بمظهر البطل الظافر لتصفق له الناس حين يقبل ب"الحل السياسي" الذي يقطر من دماء المسلمين في سوريا.....
ويبقى الواجب الشرعي على أمة اسلام أن تهب لنصرة اهلها واخوانها في سوريا الشام، واول ذلك الجيوش التي بيدها القدرة على احداث التغيير المطلوب وخلع الحكام الظلمة الذين يحاربون الله ورسوله ليس فقط بتطبيق احكام الكفر بل ايضا بالتامر على اهلنا في سوريا الشام. ومن لم يبذل الجهد المبريء للذمة في سبيل ذلك فهو ، بشكل او باخر، شريك فيما يجري ف(الساكت عن الحق شيطان اخرس).....وفي الوقت نفسه لا تعذر امة الاسلام بالتقصير في ايواء المهجرين النازحين و تيسير ظروف العيش الكريم لهم وعلاج جرحاهم ومواساة اهالي الشهداء.
نسأل المولى عزوجل أن ينصر دينه ويعلي كلمة التوحيد ويذل كلمة الشرك واهله
انه ولي ذلك والقادر عليه
(والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون)