ديمقراطية للبيع!
ديمقراطية للبيع!
أ.د. حلمي محمد القاعود
كان خالد محيي الدين أول رئيس لحزب التجمع اليساري, وكان مثالا للسياسي المحترم, ابن الناس, مهما تختلف معه فهو مهذب اللغة, عف اللسان.
وأذكر أيام الغزو السوفيتي الشيوعي لأفغانستان أن الرجل بحكم انتمائه الفكري كان مع الغزو, ويفسره بالمنطق ذاته الذي ترد به موسكو علي من ينتقد احتلالها لكابول, وكانت مجلة الاعتصام التي شرفت بالمشاركة في تحريرها ترفض هذا الموقف, فكان الرجل المهذب يرد بأسلوب هادئ بعيد عن السوقية وأسلوب الهجاء, فكسب احترام المخالفين قبل المؤيدين.
حزب التجمع اختار قبل يومين رئيسا جديدا بفارق صوت واحد: نعم صوت واحد. وقبل المتنافسان النتيجة, وقال رفعت السعيد رئيس الحزب المنصرف. إن الانتخابات التي جرت بحزب التجمع متوازية تماما, موضحا أنه أيا كان الفائز فلا يستطيع أحد قيادة الحزب دون الآخر. وشكر الفائز بالرئاسة الأعضاء المشاركين في التصويت, وتقدم بالتقدير والاحترام لزميله المنافس. كما أهدي التجربة الديمقراطية لخالد محيي الدين أول رئيس للحزب.
سعدت بالتجربة الديمقراطية, وقبول الفرقاء في حزب التجمع بالنتيجة التي انتهي إليها صندوق الانتخابات, بلا غضاضة ولا هجاء ولا عنف, وهو ما كنت أتمناه بقبول نتيجة الانتخابات الرئاسية والاستفتاء علي الدستور, والمشاركة في بناء مؤسسات الدولة, والإسهام في استقرار البلاد من أجل وقف تدهور الاقتصاد.
للأسف الشديد, فقد مر حزب التجمع بمرحلة مضطربة عقب ترك خالد محيي الدين لرئاسته, وصار جزءا من النظام المستبد الفاشي فانهارت شعبيته, وبعد الثورة كان حربا عوانا علي الديمقراطية الوليدة, ويكفي أن الرئيس المنصرف وقف يلقي كلمة يوم الأربعاء الماضي في مؤتمر الحزب ملأها بالإهانات لرئيس الدولة المنتخب ووصفه من خلال أبيات شعرية بالجهل وعدم الدراية, وهدده علنا قائلا: يا مرسي ارحل.. قبل أن ترحل بالقوة. ثم استخدم آية كريمة في تكفير الرئيس ووصفه بالضلال.
ما كنت أظن خالد محيي الدين, ابن الناس, كان سيفعل ذلك, أو يتمرد علي الديمقراطية, أو يكيلها بكيلين, فيقبلها إذا كانت موالية له, ويرفضها إذا كانت علي غير هواه.. وكأنها ديمقراطية للبيع!