هل هذه مؤتمرات "أصدقاء سورية"؟ أم مؤتمرات "أعداء سورية"؟
هل هذه مؤتمرات "أصدقاء سورية"؟
أم مؤتمرات "أعداء سورية"؟
د.غازي التوبة
انعقد في باريس مؤتمر تحت عنوان (مؤتمر أصدقاء سورية) قبل فترة قصيرة من الزمن لبحث أوضاع الثورة السورية،وكيفية مساعدتها على حل مشاكلها، وقد جاء هذا المؤتمر ضمن سلسلة مؤتمرات انعقدت في عدة دول عربية وأجنبية على مدار العامين الماضيين وقد كان منها: مراكش وتونس واستامبول إلخ....
وقد ذكّرت قيادات الإئتلاف المؤتمرين بأنه لم يتم الوفاء بما تعهدت به الدول في الشهر الماضي في مراكش، وأضافت -تلك القيادات- فقالت: "أن موازين القوى على الأرض تميل لصالح الثورة والثوار، لكن الحسم يحتاج إلى بعض الأسلحة التي تواجه الطائرات والدبابات"، وردت المعارضة على إلحاح المجتمع الدولي على تشكيل حكومة من قبل الثوار، بأنها موافقة على الفكرة، ولكن تنفيذها يحتاج إلى أمرين، ووضحت ذلك وقالت: "إنه من أجل إقامة حكومة ترعى شئون السوريين لا بد من إيجاد مناطق آمنة في المناطق المحررة حتى تستطيع أن تقيم فيها هذه الحكومة، ولا بد من ميزانية تبدأ من 500 مليون دولار من أجل الإنفاق على حاجات الشعب السوري".
ووضعت قيادة الإئتلاف المؤتمرين في صورة الوضع مذكرة أنه سقط 60 ألف شهيد "بينهم 1400 تحت التعذيب" و140 ألف جريح، هناك 60 ألف مفقود و140 ألف معتقل و720 ألف لاجئ مسجل ومليوني مشرد و4 ملايين يحتاجون للمساعدة.
وكان المفروض أن يستجيب مؤتمر أصدقاء سورية لطلبات وفد الثورة السورية، وأن يلبيها لأن قيادة الائتلاف هي التي تقرر حاجات الساحة السورية، لكنه لم يستجب لأنه لم يعلن موافقته على الطلبات التي قدمتها القيادات السورية، وأبرزها السلاح النوعي من صواريخ ومضادات للدبابات من جهة، ومن تأمين مناطق آمنة تكون مقرا للحكومة السورية التي ستدير شؤون سورية من جهة ثانية، ومن تأمين الأموال الكافية التي تحتاجها الحكومة السورية من أجل إغاثة السوريين في المناطق المحررة من جهة ثالثة.
وفي هذه الحالة عند عدم الاستجابة للطلبات المقدمة من قبل قيادات الثورة السوريةيحق لنا أن نتساءل: هل هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات التي عقدت خلال السنتين الماضيتين هي مؤتمرات أصدقاء سورية؟ أم هي مؤتمرات أعداء سورية؟ لأنه يفترض في الأصدقاء أن يستجيبوا لطلب أصدقائهم، وليس أن يفرضوا عليهم رؤيتهم وحلولهم، ولماذا يحدث هذا فقط مع سورية في سلسلة ثورات الربيع العربي؟ إن قيادة الائتلاف يجب أن ترفض صورة الوصاية عليها وتعود إلى الشعب السوري، وتصارحه بما يحدث، وتبحث عن بديل للتوصل إلى السلاح النوعي الذي تواجه به النظام المجرم، والأموال التي تقيم بها دولتها، وتسد حاجات شعبها.
في الجواب على السؤال السابق، سنجد أن الدول الكبرى صديقة سوريةحجبت السلاح النوعي والأموال عن الثورة بحجتين الأولى: وجود جبهة النصرة والثانية: الأقليات.
أما عن جبهة النصرة فهناك عدة حقائق تبرز في هذا المجال:
الأولى: إنها محدودة العدد والقوة –حتى الآن- وهذا يجعل تأثيرها غير كبير في ساحة الثورة السورية.
الثانية: إنها تختلف عن "القاعدة" في العراق في أمرين:
إنها أقل استباحة وتهاونا في سفك الدماء،وهذا يجعل أضرارها أقل في مجال ترابط النسيج الاجتماعي للشعب السوري.
إنها أكثر تعاونا وتنسيقا مع الحركات الجهادية الاخرى على عكس تاريخها في العراق، حيث تميزت هناك بالانفرادية، وهذا يعطي فرصة لضبط إيقاعها السياسي والعسكري في ساحة الثورة السورية.
الثالثة: إن دعوى حجب السلاح النوعي عن فصائل الثورة السورية بحجة عدم وصولها إلى القاعدة دعوى باطلة، لأن قيادة الجيش الحر قادرة على أن تضبط السلاح النوعي، وأن تعطي ضمانات كي لا يذهب إلى جبهة النصرة أو غيرها.
أما عن الأقليات فإن التاريخ القريب يقول بأن الأقليات في سورية كانت تعيش في وئام وتسامح مع بقية أجزاء الأمة، ويؤكد ذلك أن الطائفة العلوية -وهي الأقلية- حكمت سورية أكثر من أربعين سنة، ولولا التسامح لما استطاعت أن تصل إلى قمة الحكم، وتستأثر بالسلطة. وكذلك يقول التاريخ المتوسط إن تدخل الدول الكبرى هو الذي يفسد العلاقة بين الأقليات وبين جسم الأمة الكبير، وهذا ما حدث في القرن التاسع عشر عندما وضعت كل دولة كبرى يدها على أقلية من الأقليات، فادعت فرنسا رعايتها للكاثوليك، وادعت روسيا رعايتها للأرثوذكس، وادعت بريطانيا رعايتها للدروز.
ومن المعروف تاريخيا أن التصادم الذي حدث عام 1860،والذي وقع بين الأقليتين المارونية والدرزية،والذي أدى لاحتلال فرنسا لبيروت، كان وراءه الانجليز والفرنسيون من أجل إيجاد مبرر للتدخل في شؤون الخلافة العثمانية آنذاك، وقد انتقل التصادم إلى دمشق مما أدى إلى أن يتدخل الأمير عبد القادر الجزائري من أجل حماية المسيحيين في دمشق، وقد أدت تلك الأحداث إلى منح جبل لبنان صبغة إدارية حديثة تحت عنوان (متصرفية جبل لبنان) وأظن أن الأقليات وعت بعد تلك الأحداث وغيرها أن الخير في التحامها مع أمتها التي تحيط بها وأن عليها أن لا تعطي أذنا للغرب بحال من الأحوال.
ومن الجدير بالذكر أنه ليست القاعدة ولا جبهة النصرة من جهة، ولا الأقليات من جهة ثانية هي السبب في عدم تجاوب الغرب مع مطالب الثورة السورية الأبرز وهي: إعطاء السلاح النوعي لحسم المعركة، وإيجاد مناطق آمنة، ودفع الأموال اللازمة لإغاثة الشعب السوري، ولكن السبب الحقيقي المسكوت عنه وراء تلك التصرفات هو اسرائيل، فالغرب لا يريد أن ينتصر الثوار على الجيش الأسدي الذي رباه الأسد ووضعه لحماية اسرائيل، أو يتغلب عليه، لأنه يؤدي دورا أساسيا في المحافظة على الكيان الصهيوني، وإذا انتصر الثوار على هذا الجيش فإن اسرائيل ستصبح مكشوفة الستر أمام الثوار، وبخاصة أنه ليست هناك اتفاقية سلام بين اسرائيل وسورية تحميها من المواجهة مع الثوار كما هو حادث في مصر، وأنه ليس هناك خطر على اسرائيل من ثورة تونس واليمن وليبيا لأنه ليس هناك حدود مشتركة بين هذه الدول واسرائيل، فلا تريد الدول الكبرى أن ينتصر أحد على هذا الجيش الأسدي، أو يتغلب عليه لأنه يؤدي دورا أساسيا في المحافظة على الكيان الصهيوني.
لذلك أعتقد أنه واجب القيادات السياسية للشعب السوريأن تعبر عن هذا الشعب تعبيرا صحيحا، وأن تكون في مستوى تضحياته التي يبذلها من شهداء وجرحى وتدمير إلخ ...، وأن توضح للمؤتمرين في مؤتمرات أصدقاء سوريا بأنهم أصدقاء، وليسوا أعداء أو أوصياء، وأن توضح لهم بأن ميزان القوى يميل لصالح الثورة والثوار، وبناء على هذا يجب أن تزيد من التحامها بجماهير أمتها من جهة، وأن تحل مشكلة السلاح النوعي بالتوجة إلى تصنيع الأسلحة التي حجبتها الدول الصديقة من جهة أخرى، فهذا أمر ممكن فقد حدث مع الكثير من الثورات وأقرب مثال هو المجاهدون في غزة حيث صنعوا الصواريخ التي أقضت مضاجع الكيان الصهيوني.
في النهاية نقول: هناك مؤتمرات كثيرة تنعقد تحت عنوان "أصدقاء سورية"، لكنها لا تلبي -في الحقيقة-حاجات الشعب السوري في السلاح النوعي والمناطق الآمنة والمال، لذلك يمكن أن يصنفها الشعب في خانة العداء لسورية، وهذا يوجب على القيادات السورية أن تعي هذه الحقيقة، وتلتحم بشعبها وأمتها، لأنهما هما السند وهما القيمتان الحقيقيتان اللتان تقودان إلى النصر، واللتان من خلالهما يمكن إيجاد حلول لكل المشاكل التي تواجه الثورة السورية.