وتذنبون فنأتيكم ونعتذرُ!
محمود القاعود
دعونا نعترف فى البدء .. أننا نعيش فى أزهى عصور تخلف وانحطاط الأمة .. وأن ما يحدث الآن من ضياع وهوان وتشرذم لم يحدث من قبل حتى فى عصور الهجمات التترية والحروب الصليبية .. وأن التهديد الذى يستهدف الوجود الإسلامي فى العالم العربي الآن ، لا يضاهيه إلا الإبادة الجماعية التى أقامها الصليبيون لأجدادنا فى الأندلس .. وها هى سوريا تنزف منذ خمس سنوات دون أن يتحرك العرب ضد الطاغوت النازي النصيري بشار الأسد الذى قتل أكثر من مليون مسلم وهجّر عشرة ملايين وهدم مئات الآلاف من المساجد و المنازل والمحال والشركات والمستشفيات ..
صرنا نحسن البكاء على الأطلال .. نبكى أمجاد الأجداد .. يوما ما اتخذ المعتصم خليفة المسلمين ، قرار الحرب بسبب استغاثة مسلمة وقعت فى الأسر فصرخت : وا معتصماه ! لم تكن إجابة المعتصم الشجب والإدانة والاستنكار ومطالبة جامعة الدول العربية باصدار بيان ! بل كما يقول ابن الأثير : بلغ المعتصم أن امرأة هاشمية صاحت وهى أسيرة فى أيدي الروم : وامعتصماه ! فأجابها وهو جالس على السرير : لبيك ! لبيك ! ونهض من ساعته ، وصاح فى قصره : النفير ! النفير !
وكتب المعتصم : من عبدالله أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي ! وخرج المعتصم على رأس الجيش وحاصر عمورية وقتل من الروم عشرات الآلا ف حتى فتح المدينة وحرر الأسري ..
ويتماهى أبو تمام مع الموقعة المزلزلة ، فيكتب ممتدحا الخليفة الذى رفض الخنوع والاستسلام ، ورد بما يليق به الرد فى حوادث الاعتداء على الشرف والنساء :
لَبَّيْتَ صَوْتاً زِبَطْرِيّاً هَرَقْتَ لَهُ *** كأسَ الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ
عداك حرُّ الثغورِ المستضامة ِ *** عنْ بردِ الثُّغور وعنْ سلسالها الحصبِ
أجبتهُ مُعلناً بالسَّيفِ مُنصَلتاً *** وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لَمْ تُجِبِ
حتّى تَرَكْتَ عَمود الشرْكِ مُنْعَفِراً *** ولم تُعرِّجْ على الأوتادِ والطُّنُبِ
هكذا كانوا ! وهكذا نحن الآن .. ! حتى بلغ بنا الهزل أن يعتذر بعض بنى جلدتنا عن جرائم الغرب فى حق الإسلام والمسلمين .. والأنكى أن تسب جريدة فرنسية حقيرة ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيرفعون شعار الجريدة .. ! ويقتل إرهابي صليبي عائلة مكونة من ثلاثة مسلمين بولاية كارولينا الأمريكية ، فيخرسون ولا يتكلمون عن هذه الجريمة ولا يصنفونها تحت خانة "الإرهاب" و "العنصرية " !
وكأنى بهم يتمثلون بقول الشاعر المؤمل بن أميل المحاربي :
شكوت ما بي إلى هندٍ فما اكترثت *** يا قلبها أحديدٌ أنت أم حجرُ
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم *** وتذنبون فنأتيكم ونعتذرُ
لا تحسبوني غنيّاً عن مودّتكم *** إنّي إليكم وإن أيسرت مفتقرُ
وإن التمسنا العذر للمؤمل الذى يتحمل عذاب المحبوب الظالم ، فما هو عذر هؤلاء الذين يتآمرون على الأمة ويهللون لقتلة المسلمين ، حتى أنهم لا يرون بحور الدماء التى تراق فى بلاد المسلمين ، بينما ينتفضون ويعتذرون من أجل قطرة دم ناتجة عن خدش بسيط فى الغرب !
إن هذه الازدواجية الصليبية هى ذاتها الازدواجية الصهيونية .. التى تبرر للكيان الصهيوني قتل آلاف الطفال والنساء والشيوخ وهدم المنازل وقطع الأشجار .. وإن ردت المقاومة على العدوان الغاشم النازي .. تُتهم بالإرهاب !
الديكتاتور المجرم بشار الأسد يحرق دوما ويبيد غوطة دمشق .. وكأن شيئاً لم يكن .. ! لا مظاهرة .. لا مقالات منددة .. لا حلقات نقاشية بالفضائيات تستنكر .. طالما الضحايا من المسلمين فلا بواكي لهم .
ويبقي شعار الثورة السورية الخالد : يا الله ما لنا غيرك يا الله.