المعرض

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

زرت معرض الكتاب عام‏1969‏ في أرض المعارض بالجزيرة‏,‏ كان المكان محدودا يمكن أن تمر علي الناشرين جميعا في وقت معقول‏.‏

وكان يمكن أن تشتري بجنيه واحد مجموعة محترمة من الكتب. حرصت علي زيارته سنويا, وقبل الزيارة أسجل ما أريده من كتب. كانت قدرتي علي حمل الكتب والسفر بها إلي القرية حيث أسكن لا تمثل مشكلة.

انتقل المعرض إلي موقعه الحالي, فكنت أحصل علي تصريح دخول سيارة, وأضع ما أشتريه من الأجنحة بداخلها, وأغراني وجود السيارة بشراء المزيد, فأسست مكتبة لا بأس بها تشغل في بيتي أكثر من أربع غرف كبيرة, عدا ركام الصحف والدوريات الذي يحتاج إلي تنسيق أو ترتيب لم يعد السن ولا الجهد بقادرين عليه. في العقدين الأخيرين تعقدت عملية دخول السيارة, وصرت أتوكأ علي عصا ولا أستطيع السير في المعرض, ولا الذهاب إليه أصلا.

كان النشاط الثقافي بالمعرض في عصر الحظيرة مقصورا علي عناصرها الانتهازية, هم الذين يحضرون الندوات والأمسيات, وهم الذين يحظون بالجوائز والغنائم, وهم الذين يصدرون كتبهم ضمن منشورات الوزارة لتعرض هناك, وهم الذين يلتقون سنويا بالمخلوع عند الافتتاح, ويتغزلون فيه, ويرون فيه إلها لا يسأل عما يفعل. شذ عن ذلك الراحل محمد السيد سعيد فدخل المناطق المحظورة, وأهانه المخلوع, وكان ذلك وساما علي صدر الراحل الذي قضي. كان هناك من يفرح إذا صافحه المخلوع أو وضع يده علي كتفه, ويخرج إلي الناس ليشيد بحسني مبارك الإنسان, لم يدر هؤلاء المثقفون أنهم يمثلون عارا علي بلادهم وأمتهم والإنسانية!

في هذا العام التقي الرئيس بالناشرين ولم يلتق بالحظيرة, وهذا تطور كبير في معالجة الفساد الثقافي, وقد طرح بعضهم اقتراح إنشاء مجمع للنشر والمطابع, وكنت أتمني أن يقترح بعضهم مكانا جديدا فسيحا للمعرض بلا أسوار يستطيع استيعاب الأعداد المضاعفة للعارضين والزوار والسيارات في المستقبل, وأن تتوقف السبوبة التي يسمونها أنشطة المعرض والاكتفاء بعرض الكتب والعمل علي تخفيضها تخفيضا حقيقيا.