وفرة الحكماء وهزالة الحلول
د. ضرغام الدباغ
في غضون ساعات قليلة تنهمر على الجو السياسي حلول في ظاهرها دعوة لحقن الدماء السورية التي أصبحت خلال ساعات عزيزة وصار مطلقوها بين ليلة وضحاها يأسفون على ضحايا الشعب السوري، ولمن لديه اليوم مكتسبات ثمينة حصل عليها بتضحيات باهضة، لا يمكن أن يتخلى عنها لصالح من يشعر بالحصار.
وحجر الأساس في مبادرة النظام / الشرع، أن النظام وبعد أن أجرى الجرد على ما تبقى من شرعيته وأمكاناته عاجز عن إحراز النصر، هو تحدث عن قدرات نظامه، حسناً فليتحدث كل عن إمكاناته، أما الشعب فقدراته تتراكم وتتضاعف بل وأن ممثليه عبروا مراراً وآخرها قبل أيام فقط عن عدم حاجتهم أو رغبتهم بتدخل أجنبي.
** الإشارة الأولى والرئيسية والتي تأسست عليها نداءات سائر الحكماء(الشرع / النظام، حسن نصر الله، إيران، الروس، الأتراك ) جاءت من النظام السوري نفسه، وأطلقها على لسان شخصية يستخدمها النظام في أوقات يجري دراسة أبعادها والفائدة منها، والسيد الشرع يعمل محامي للشيطان منذ عقود طويلة باع نفسه لقاء مكاسب ومغانم شخصية لا غير. فهو برأي النظام يمثل صفة يحاول النظام أن يدفع عن نفسه ومن خلاله صفة الطغيان العائلي، فقد أكتشف محامي الشيطان فجأة أن عليه أن يتقدم بمبادرة وصفها بالتاريخية، هي من المؤكد من صياغة النظام(أجهزة المخابرات والأمن ومكتب إدارة الأزمة) للمبادرة شكلاً وموضوعاً، معترفاً:
1. النظام غير قادر على حسم المعركة عسكرياً.
2. الحلول المتبعة طوال السنتين الدمويتين المنصرمتين كانت فاشلة.
3. النظام بإطلاقه هذه المبادرة الجديدة، يقر بعبثية محاولاته السياسية السابقة.
4. المبادرة تضمن دور غير مفهوم وغير مبرر لإيران، وللأمم المتحدة.
5. وصف المبادرة بالتاريخية ولكن دون حتى إشارة لمغزى تاريخيتها.
6. المبادرة لا توضح ولا بأي مقدار عن المذابح التي تنظمها السلطة منذ سنتين دون هوادة، باستخدام كافة الأسلحة حتى الاستراتيجية(الصواريخ، وسلاح الطيران) والمحرمة منها(الفسفورية والعنقودية والكيمياوية).
7. بتلميحه وتصريحه، أن الأمر لا يدور عن فرد ونظام، فهو يدافع عن نظام فاسد حتى بأدنى المقاييس، وعن نظام أرتكب على مدى عقود كاملة جرائم ضد الأفراد والمجتمع، تحاسبه عليها أقل المحاكم صلة بالعدالة.
8. المبادرة عبارة عن بوس لحى لا أكثر ولا أقٌل، يريد الشرع أن يلفلف الثورة وكأنه يتحدث مع أطفال، أو مع مهزومين، لا عن ثورة تقرع أبواب العاصمة.
9. تتحدث المبادرة عن إنهاء لأعمال العنف (الثورة) مقابل كلمات باردة عن حكومة ذات صلاحيات ...!
10. وأخيراً وليس آخراً، فالشرع ومبادرته اليائسة يتحدث عن معارضة، ولكن بمواجه حكم قائم، وجيش عقائدي، وأحزاب جبهوية، وفي مقدمتها حزب البعث، بل ويطرح كل هؤلاء كشركاء ..!
ما أشد تساهل المبادرة وتفاؤلها وسطحيتها.
** أما بوق حسن نصر الله، فهو كوميدي أكثر مما هو جاد، فهو يريد أن يقنع نفسه أولاً، وأغلب الظن لم ينجح في محاولته تلك، أن النظام العائلي الأسدي صامد. ويريد أن يبعث الدفء في أوصال الراجفين من الغد القريب، وكانت وجوه مستمعيه كئيبة فهم يعلمون أكثر من غيرهم، أن السفينة آيلة للغرق.
** طهران في مبادرتها ذات النقاط الست، كأنها تريد أن تظهر واقعية لم تنجح في تجاهل أن مشروعها الصفوي يواجه خطر التلاشي، وأخيراً أن تظهر طهران بمنظر الحكم، إنما تمثيلية فاشلة، لأن القاصي والداني يعلم حجم مشاركة الملالي في طهران بالدم السوري، وأن هناك ربيعاً بدق أبواب طهران.
** موسكو دخلت على خط التصريحات (بعد محادثات تركية / روسية) في إنهاء حكم العائلة بما يضمن ماء وجه موسكو، ونزولاً على رغبة أنقرة مضحية بالأسد، ومهلة الشهور الثلاثة الأولى قد لا تشهد النور قط، بسبب تداخل الخنادق، واللهب المتصاعد من العاصمة وعلى مشارف مقرات القرار، أو ما تبقى منها.
الثورة التي ابتدأت بأحتجاجات عفوية، ثم تبلورت ضد نظام فاسد سياسياً واقتصادياً، طرحت الحاجة إلى تغيرات شاملة وليست إصلاحات سطحية، صوب سورية بحكم ديمقراطي ودولة مؤسسات، ويضيف حجم الجرائم التي أرتكبها النظام حسابات جديدة وإضافات مهمة إلى قائمة ولائحة الاتهام والإدانة.
نعم لا ينبغي للسياسي أن يستبعد الحل السياسي الدبلوماسي القائم على الحوار، ولكن .... ولكن تلك الحلول القائمة على المعطيات الواقعية على الأرض. وليس في محيط خياله الذي لا يشاء أن يغادر جدران القصر، وليس لأحد أن يتنازل، لا يسبب الضغوط ولا بالأبتزاز، التفاوض السياسي هو إيجاد حلول نزيهة عادلة يقبلها القانون، والمنطق الواقعي، ولكن الثورة وحتمية التغيير سهم خرج من قوسه، فالمحادثات ينبغي أن تدور عن الثورة والتغيير فصاعداً.
· نعم ... الأفراد والنظام الفردي الطغياني جزء مهم من المسألة.
-
نعم ... أن النظام الذي حكم الشعب نصف قرن بالقوانين العرفية والمحاكم العسكرية هو جزء مهم من المسألة.
-
نعم ... تقديم كل سارق وناهب لأموال الشعب للمحاكمة جزء مهم من المسألة.
-
نعم ... الذين قتلوا الشعب وأطلقوا عليه النار وأهانوه يجب أن يقدموا للمحاكمة.
-
نعم ... إلغاء هذا النظام بأسره، لأنه فاسد ويورث الفساد، وإقامة نظام ديمقراطي يوافق عليه الشعب مسألة في غاية الأهمية.
-
نعم ... تقويم عمل مؤسسات الدولة: الجيش أن يكون جيشاً للشعب لا لأسرة ولا لحزب، الأمن لحماية الشعب من اللصوص لا حمايته النهب المنظم، المخابرات لحماية أمن الوطن والمواطنين، لا التجسس عليهم.
-
نعم ... لشفافية تعم الجميع ولا تستثني أحداً: القتلة واللصوص ومن نهب الشعب في قفص الاتهام.
كفى لعب على الكلمات وقد أصبح الشعب على قاب قوسين أو أدى من النصر.
إلى سلة المهملات هذه المبادرات غير العادلة، فالمثل يقول:
الشق كبير والرقعة صغيرة