تاريخٌ سيبقى حاضرًا في ذاكرة السوريين

محمد عبد الرازق

بعد مخاض عسير وُلِدَ من رحم الثورة السورية جسمٌ سياسي تواضعت أطرافٌ عِدَّة، ذات وزن في الميدان على أن يُبصِرَ النورَ؛ و ذلك في مسعى منها لسدِّ النوافذ في وجه الدول التي باتت تتخذ من تنوع المعارضة السورية ذريعةٌ لتبرير تقاعسها في نصرة الشعب السوري.

إنَّه ( الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة، و الثورة )، الذي حظي بمباركة شريحة من مكونات المعارضة، و قادة الحراك الثوري، و العسكري، تكاد أن تتجاوز نسبتُها النسبة التي كان ينجح بها نظام الأسد ( أبًا، و ابنًا )؛ فهو وليدٌ صَلِيبَةً، و ليس ( لَوْثَة سياسية ) يا عمران.

لقد أثبت السوريون أنهم فوق الأنانيات، و المصالح الفئوية الضيقة، فلقد نزل قادة العمل السياسي في ( المجلس الوطني ) عند رغبة الأطراف الوطنية الأخرى، و جعلوا من أنفسهم جزءًا من هذا الوليد الجديد، الذي بات السوريون أمانة في عنق القائمين عليه بعدما بات هو المرجعية السياسية للثورة السورية.

و أثبتوا أيضًا من خلال الصورة التي بدت في المشهد أنهم يمثلون أطياف المجتمع السوري؛ حيث كانت المرأة إلى جانب أخيها الرجل، و العلماني إلى جانب الإسلامي، و المسيحي إلى جانب المسلم، و العربي إلى جانب القوميات، و الإثنيات الأخرى.

 و بالتالي فإنَّ ما ينتظره من المهام، و الأمور الشيء الكثير، و لعلّ في مقدمة ذلك ما يأتي:

1ـ أن يُثبِت قادته أنهم فوق المصالح، و الرؤى الضيقة؛ فسورية تَسَعُ الجميع، و هموم السوريين بحاجة إلى عزائم الرجال جميعم، و لن يستطيع فصيل ـ مهما كانت قدراته ـ على أن ينهض بها.

2ـ أن يَنْزِلوا على رأي الثائرين في ميادين النضال ( السلمية، و العسكرية )، و لا يقدِّموا بين يديِّ رأيهم رأيًا آخر، أيًّا كان صاحبُه، و مصدرُه؛ فهم من يرسم خُطوات هذا الائتلاف، و غيره من الكيانات السياسية الأخرى، و هم من يحدد ملامح سورية المستقبل.

3ـ أن يسعوا جاهدين للتخفيف من الأزمة الإنسانية التي يمرّ بها المواطن السوري، و لاسيَّما في مناطق النزوح الداخلي أولاً، ثم الخارجي؛ لأنه ليس من عادة السوريين أن يكونوا في عِداد النازحين.

4ـ أن يعتزَّوا بما تقوم به كتائب الجيش الحر من بطولات أعادت للسوريين كرامتهم، و يسعوا لتوحيد الكتائب الأخرى تحت هذا المسمّى الذي أصبح موضع اعتزاز لدى المواطن السوري، عوضًا عن ابتكار تسميات أخرى يُنادى بها بين الحين و الآخر، ينمُّ عنها تجاوز القيادات الأولى المتمثلة في ( المقدم حسين هرموش، و من ثّمَّ العقيد رياض الأسعد ) فهاتان القامتان لهما فضلُ السبق؛ و على الثورة أن تفخر بهما بغض النظر عن توسط الرتبة العسكرية التي فوق أكتافهما،  قياسًا بمن جاء بعدهما من الرُّتَب الأعلى.

5ـ لا بأس عليهم من الحديث عن سِلْميَّة الثورة في المؤتمرات، و اللقاءات مع الآخرين؛ و لكن بما أن الثورة قد أصبحت تسير بجناحين ( سلمي، و عسكري ) فإنَّ الأمر يفرض عليهم أن يتبنَوْا ذلك، و لا يستحوا من طلب المساعدة للجانب العسكري، و إمداده بما يحتاج إليه من الأسلحة النوعية، التي ستقصر من عمر النظام، و تخفف من معاناة السوريين من خلال بإسقاطه في أقرب وقت.

6ـ عليهم أن يحثوا الخُطى لتشكيل الحكومة المؤقتة ذات الوزرات، و المؤسسات السيادية، و الخدمية الضرورية؛ و ذلك بما يمكن هذا الوليد من الحصول على الشرعية الدولية التي وُعِدَ بها، بعد أن حظي بشرعية الثورة.

و هذا سيساعده في الحصول على شتى أنواع الدعم ( العسكري، و المادي )؛ هذا فضلاً على نهوضه بأعباء السفارات، و القنصليات في الخارج؛ ممَّا يجعل منه سلطة بديلة عن سلطة الأسد التي باتت تتعامل مع المغتربين بأسلوب الانتقام مع كلّ من يثبت أنه من أنصار الثورة، و مؤيديها؛ فتمنع عنهم الوثائق، و الجوازات ـ تمديدًا، و منحًا.

7ـ أن يسعوا لتوحيد الرايات المرفوعة من قبل فصائل الثورة السورية؛ بغض النظر عن الانتماءات الفكرية لأصحابها؛ فلا يكون بعد الآن من راية غير علم الثورة بألوانه المعروفة، و إلى جانبها راية هذا الائتلاف الوليد، و كفى بهما راية.

8ـ أن يسعوا لإيصال رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها ( أنه لا قوى في سورية غير القوى الوطنية، و أن ما يشاع عن وجود عناصر أخرى من خارج الحدود تنتمي إلى فصائل جهادية هو أمر طبيعي في ظل التقاعس الدولي في التعاطي مع الثورة السورية، و أن طبيعة المجتمع السوري المعتدلة لن تسمح لأيّ فكر مغالٍ أن يستشري فيه، و يَغْلِب ).

9ـ أن يسعوا على وجه السرعة لإشاعة ثقافة التسامح، و الصفح بين أطياف المجتمع بغض النظر عمَّا بَدَرَ منهم فيما مضى؛ لأن أبناء سورية ـ ما عدا قلة منهم ـ قد كانوا ضحايا أربعة عقود مضت سطا فيها الأسد على مفاصل الدولة كافة.

هذا، و إننا لنرجو ألاَّ يطول أمدُ تلمُّس بشائر بعض هذه المطالب. و بعد غدٍ سيكون يوم الجمعة، و هو يوم نرجو أن يشهد مبايعة له من لدن أبناء سورية في عموم القرى، و البلدات، و المدن.