الأشرفية .. نموذجا
عبد الله زنجير /سوريا
منتصف ثلاثينيات القرن الماضي ، ابتدأ البناء على تلك الهضاب الواقعة شمال غرب مدينة حلب ، و التي كانت وقفا عثمانيا للمدرسة الأشرفية قرب اسطنبول . و بالتالي نشأ ( حي الأشرفية ) الطريف - و غير المتطرف - بتركيبته السكانية مابين غالبية كردية و أقليات عربية و شركسية و تركمانية ، و أيضا مسيحية ففيه دير قديم و كنيسة واسعة يراها الداخل للحي من جهة الجنوب .. هذا الحي أراد أن يضرب المثل بوحدة أبنائه و ترابطهم الوطني و تمازجهم الثوري ، فاشتعل الوعد في مشاعره و حناجره ، و تحدى مختلف الظروف و المكائد ، و مضى يفتت تحت أقدامه صخور المعاناة و عذابات السنين ، لكي تحلو المسيرة و تتحرر الحياة و يسترد مفقوداته
أيام رمضانية قضيتها فيه لدى خالتي التي كانت تسكن هناك سنة 1980 ه .. تستهويك موزاييكه و ألوانه العرقية الأليفة و المتآلفة فأنت عربي كلاسي و جارك كردي ( أو كوردي ) عفريني و جارك الآخر ريفي حريتاني و هذا مارديني تركي و هكذا ، و الجميع تجمعهم قبة المسجد الجميل بمئذنتيه الشاهقتين ، كنا نراهما من دوار الكرة الأرضية آنذاك . أذكر فيه توافد البسطاء و الطيبين لزيارة ( الولي ) المدفون داخل مسجد آخر الخط ، و كذلك الألحان الفلكلورية الكردية العذبة و سيمفونية ( الطبل و المزمار ) و رقصات القرويين و زغاريد الفرحة ، و كذلك دار العجزة و أغصان أشجاره و أريج أزهاره ، و محلاته المتنوعة و المكتنزة بالتسامح و الحب الكبير
توسعت الأشرفية كثيرا في العقود الأخيرة ، و ضمت العديد من التجمعات العمرانية كحي بني زيد ، و لعل أسماء معالمه توحي بمقدرته الفذة على العيش الطبيعي و المشترك في ظل قواسمه الحضارية و الإنسانية الغلابة ، فهذا جامع صلاح الدين الأيوبي و تلك حديقة طارق بن زياد إلخ . و هو عكس ما تروج له السلطة الغاشمة من بث للأكاذيب و نشر للأراجيف عن الوحدة الوطنية المهددة بدون نظامهم الظلوم ، و حتى في الثمانين قدم كوكبة من خيرة أبنائه ، كان منهم الشهيد عمر كعكة الذي قضى تحت التعذيب
الآن اختارت الأشرفية السبق في الثورة ، فخرجت منها مئات التظاهرات و شهدت عشرات الاعتصامات سيما أمام فرع الأمن الجنائي ، و كانت من أكثر الأحياء التزاما بدعوات الإضراب و العصيان المدني . قدمت أول صحفية شهيدة بتاريخ 10 / 3 / 2012 م ، و قبل ذلك و بعده قدمت الكثير من الشهداء الأشارفة ، الشهيد محمد سيدو ، الشهيد عدنان ديبو علي ، الشهيد كمران مصطفى ، الشهيد جلال محمد علي ، الشهيد فرحان قوجة ، الشهيد يحيى جمال ، الشهيد أحمد حبلص ، الشهيد محمد حداد ، و غيره
الأشرفية نموذج مشرق واعد لإعلان الثورة الحقيقي : واحد واحد واحد الشعب السوري واحد .. الأشرفية في القلب