بصاص يكتب عن مبارك!

بصاص يكتب عن مبارك!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

هذا مقال كتبه بصاص صنعته أجهزة الأمن حتى وصل إلى منصب رئيس تحرير في إحدى المؤسسات الصحفية العريقة . البصاص كتب مقاله تحت عنوان " المنتمي " ونشره بتاريخ 22/5/2009م ، أي قبيل سقوط مبارك بنحو عام ونصف عام ، وقد برهن في مقاله على انتماء مبارك لثورة يوليو ودفاعه عنها ، وسماحه بظهور فيلم ناصر 56 ، وتعبيره عن إرادة الشعب المصري التي لا تغلب ولا يمكن تضليلها .

المفارقة أن البصاص المذكور استأسد على الرئيس محمد مرسي  ، وتكلم عنه بلغة هابطة ، ما كان ليكتبها في عهد مبارك ضد عسكري نفر في لاظوغلي أو موظف بسيط في وزارة خدمية .

أترك القارئ مع المقال أولا ليرى البصاص الذي ابتلع حبوب الشجاعة للتطاول على الدكتور مرسي ، ثم أعقب آخرا تعقيبا سريعا خاطفا على بعض ما جاء فيه :

[ بعد57 عاما من قيام ثورة 23 يوليو ، تبدو مبادئها كمصابيح هادية ، وقيم أساسية  تضبط عليها بوصلة هذا الوطن ، ولهذه المصابيح من يحدب عليها ، ولهذه القيم من يسهر  عليها يصون ويحمي ويحرس ، وإن كان لثورة يوليو اليوم من رجل يحمي مبادئها ويصون قيمها ، فإنه الرئيس مبارك ، المنتمي إلى الثورة ، والذي جاءت سياساته منذ تولى مسئولية دفة مصر ، وحتى اليوم ، ترجمة للأهداف الكبرى لهذه الثورة بصيغة العصر ، مع إعلاء المصلحة الوطنية العليا في كل مرحلة .

الثورات ثوابت وما أكثر هؤلاء الذين أرادوا أن يعبثوا بقدسيتها أو يتاجروا بسموّها ، ووحده الرئيس مبارك تصدى بمواقفه وسياساته لكي يصون ثوابت الثورة .

قامت الثورة تدافع عن حق مجتمع كامل في مواجهة( مجتمع النصف في المائة ) الذي كان يملك كل شيء في عصر فاروق وأسلافه ، ورفعت الثورة راية العدل الاجتماعي .. وبرغم أن العالم منذ أواخر الثمانينيات وحتى اليوم يرفع راية ( اقتصاد السوق ) وينبذ فكرة العدل الاجتماعي ، إلا أن ( مصر – مبارك ) التي تبنت بدورها اقتصاد السوق ، آلت على نفسها إلا أن تضع نصب أعينها طوال الوقت ( البعد الاجتماعي ) في سياسات السوق ، ومع كل تحول اقتصادي جديد – وإن كان طفيفا – يأتي الرئيس مبارك مطالبا بمراعاة ذوي الدخول المحدودة ، ومؤكدا صيانة حقوق العمال ، منتصرا للفلاح المصري ، ولكل الأيدي الكادحة ، صحيح أن العصر تغيرت آلياته ، لكن مبارك نجح في مزاوجة وثيقة بين آليات السوق وحقوق العمال وحقوق البسطاء ، وصان أغلبية المصريين من ضياع حقوقهم في طوفان الحرية الاقتصادية ، ورفض أن يدفعوا ثمن التحول الاقتصادي الذي كان محتوما ، حتى بات الرئيس ضمانة وحيدة لهؤلاء البسطاء في كل أزماتهم ، بدءا من ألا يضار عامل واحد في الخصخصة وصولا إلى أزمات رغيف العيش .

وقامت الثورة تدافع عن حق المصريين في التعليم والعلاج المجاني والحصول على حقوقهم في حياة كريمة ،وبرغم توسع القطاع الخاص في هذه الخدمات ، إلا أن الرئيس  مبارك ضمن للمصري البسيط أن يعلم أولاده ويعالج أسرته وأن يلقى حقوقه في الحياة الحرة الكريمة مصونة كاملة ، دون أن تطالها يد .

قامت الثورة تنادي بجيش جديد يحمي مقدرات البلاد ويستطيع الدفاع عنها في أية لحظة ، فلم يشهد الجيش تطويرا ولا تدريبا ولا تحديثا كالذي شهده ويشهده في عصر مبارك .

ودافع الرئيس مبارك عن عروبة مصر ، تسلم الرئيس المسئولية وعلاقات مصر بالعالم العربي مقطوعة تماما ، الرئيس مبارك أدرك من اللحظة الأولى أنه إذا كان العرب في حاجة ماسة إلى مصر ولدور مصر ، فإن هذا لا ينفي أن مصر لا يمكن أن تحتفظ بمكانتها ودورها بل لا يمكن أن تضمن أساسيات أمنها القومي سوى بدورها العربي الرائد ، من هنا أعاد مبارك علاقات مصر بالعالم العربي في سنوات معدودة ، ثم عاد بمصر إلى موقعها الطبيعي قائدة أساسية للعرب ، ووطنا أما لهم ، وصاحبة الدور العربي الحاسم في السلم والحرب على السواء .

وقاد مبارك أكبر معركة للتنوير والتثقيف في مواجهة الظلام والظلاميين ، كانت ثورة يوليو قد خاضت معركة ضد الظلام منذ قيامها ، ظلام الجهل الذي أخذت في تبديده بالتعليم ، وظلام الرجعية السياسية والفكرية والدينية الذي حاربه بالاستنارة ن وانتصر الرئيس مبارك لهذا الخط الأصيل في ثورة يوليو ، وأصر على المضي فيه إلى آخر الشوط ، ولولا هذا الإصرار لكان للظلام اليوم نتائج جد خطيرة .

وضرب الرئيس مبارك المثل في احترام التاريخ والرموز السياسية . قبل توليه المسئولية ، كان نفر من الكتاب قد دخلوا في ملابسات حول الرئيس جمال عبد الناصر وأخذوا يخلطون الحابل بالنابل باسم إعادة قراءة التاريخ ، لكن الرئيس مبارك الذي لم يمنع أحدا من الكتاب في عصره أن يقول رأيه ويكتبه – أيا كان هذا الرأي – اهتم بأن يسجل كلمته للتاريخ كمسئول عن هذا الشعب ، فرد للرئيس الراحل جمال عبد الناصر اعتباره ، ونوه بذكره ولا يزال في خطاباته ، وكرم ذكراه .. فتوازنت الأصوات ، واسترد التاريخ المصري بوصلته  التي كاد يفقدها ( وهل كان من الممكن أن يظهر فيلم ناصر 56 الذي أنتجته الدولة سوى في عصر مبارك ؟) ، كما رد الاعتبار لأول رئيس جمهورية مصري ، وهو الرئيس ، الراحل محمد نجيب وأعاده إلى الأضواء وكرمه في أواخر حياته بعد أن عاش مظلوما سنين طوالا ...]

(2)

يكمل البصاص مقاله " المنتمي " الذي كتبه عن المخلوع بعنوان "المنتمي " ، فيقول :

[ زايد كثيرون باسم يوليو ، وزعموا أن لديهم توكيلات للحديث بالنيابة عن صناعها الذين غادر أغلبهم دنيانا في صمت نبيل ، وتاجر بعضهم باسمها .. وطعن مغرضون من تيارات شتى في ظهرها ، لكن الرئيس مبارك ترفع عن هذه المهاترات ، مبارك الذي يراهن على التاريخ هو الابن الأوفى لثورة يوليو ،أحبها وآمن بمبادئها ، وصان لها ثوابتها ، عالم من المتغيرات العاصفة ، بمهارة الربان الحاذق ، وبصمود أصحاب المبدأ .

مبارك واحد من المصريين الذين آمنوا بذلك ، وتمسك بعروته الوثقى ، وهو يؤمن بالشعب ويسمع نبضه ويتفاعل معه ، بوصلة مبارك السياسية هي بوصلة كل المصريين ، أليس بالضرورة والمر كذلك أن يكون الرئيس مبارك في صدارة الذين يتمسكون بيوليو وينتمون لمبادئها مهما تكن صعوبة الطريق ،ومهما يكن من أفاعيل المتربصين والأعداء لهذه المبادئ في الداخل والخارج ؟ إن انتماء مبارك لثورة يوليو هو انتماء لإرادة المصريين جميعا ، تلك الإرادة التي لا تغلب ولا يمكن تضليلها ، ولو كره الكارهون ].

مقال البصاص هذا مليء بالقضايا التي تحتاج إلى صفحات طوال لمناقشة كذبها ودحض أباطيلها ، ولكننا سنكتفي ببعض الإشارات السريعة الدالة على النفاق والتملق وتغييب الحقيقة عن القارئ والمواطن ، ولنرى نمطا من الصحفيين الذين صنعهم النظام الفاسد ليسطحوا عقول الناس ويكتموا الحقائق عن طغاة حاربوا الله ورسوله وسرقوا الأوطان ، ووالوا أعداءها وارتموا في أحضانهم حتى وصفهم الأعداء بأنهم كنز استراتيجي ، وللأسف فإن صنائع الأمن من الأقلام التي لا تعرف الوضوء يرتدون الآن أردية الشجعان ، ويسبون الرئيس المنتخب بإرادة حرة ، ويتناسون عمالتهم وانحطاطهم الفكري والخلقي ؛ معتمدين على توجيهات الدولة العميقة بأن التاريخ يرجع إلى الوراء ، وأن كل شيء سيعود زاهيا بالنسبة لهم كما كان وأكثر .

أول أكذوبة يطرحها البصاص أن مبادئ يوليو بعد 57 عاما تبدو مصابيحها هادية . وهذه الأكذوبة فاقعة لأن  يوليو لم تخلف لنا إلا العار والهزائم والحسرات ، ومازلنا ندفع ثمن الجرائم التي ارتكبها الطاغية الذي كان يتكلم باسمها ، فقد كان دائما خالد العار ، وخالد الهزائم ، ولا يقولن أحد من صنائع الأمن إنه علّم الرئيس مرسي ومنح أسرته فدانين ، فالذي أنفق على تعليم مرسي وملايين المصريين هو الشعب المصري الفقير الكادح ، والفدادين التي وزعت على الفلاحين كانت ملكا لآخرين ، وفي كل الأحوال فلم ينفق واحد من أهل يوليو مليما من جيبه ولا أعطى قيراطا من أرض أبيه ! بل إن منهم من سرق حتى بشم ولم يحاسب ، واسألوا عن القصور الملكية وشقق الحراسة والشركات المؤممة وممتلكات الأجانب والأسرة المالكة وغيرها أين ذهبت وفي جيوب من ؟

مديح مبارك بما ليس فيه  محور المقال المنافق المتملق ، خذ عندك :

- حماية مبارك لمبادئ الثورة وصيانة قيمها .

- تصدي مبارك لحماية ثوابت الثورة .

- مصر مبارك آلت على نفسها طول الوقت مراعاة البعد الاجتماعي وذوي الدخل المحدود !

- انتصار مبارك للفلاح المصري والأيادي الكادحة ، ونجاحه في المزاوجة الوثيقة

بين آليات السوق وحقوق البسطاء.

- صيانة حقوق أغلبية المصريين من الضياع في طوفان الحرية الاقتصادية .

- الرئيس مبارك ضمانة وحيدة للبسطاء في كل أزماتهم بدءا من الخصخصة حتى رغيف الخبز !

- مبارك ضمن للمصري البسيط (؟) أن يعلم أولاده ويعالج أسرته ويصون حقوقه دون أن تطالها يد !

- عاد مبارك بمصر إلى موقعها الطبيعي قائدة أساسية للعرب ووطنا أما لهم ، وصاحبة الدور الحاسم في السلم والحرب .

- قاد مبارك معركة التثقيف والتنوير في مواجهة الظلام والظلامية ، وأصر على المضي في المواجهة ولولا هذا الإصرار لكان للظلام نتائج جد خطيرة !

- احترام مبارك للتاريخ والرموز التاريخية ، ومبارك الذي يراهن على التاريخ هو الابن الأوفى لثورة يوليو .

- مبارك يؤمن بالشعب ويسمع نبضه ويتفاعل معه ، وينتمي لإرادة الشعب التي لا تغلب ولا يمكن تضليلها ولوكره الكارهون !

والسؤال البسيط الساذج الذي يأتي بعد هذه القصيدة المدحية غير العصماء : لماذا قام الشعب المصري بثورته التاريخية في يناير2011 وضحى بألف شهيد وألف مفقود في حكم الشهيد وخمسة آلاف جريح ومصاب ومعاق حتى خلعه؟  هل غُلب الشعب على أمره وتم تضليله عكس تعبير البصاص ، أو إنه شعب ناكر للجميل ؟

هؤلاء هم البصاصون الذين ينتفضون الآن لأن مجلس الشورى يبحث تعيين رؤساء تحرير من غير عملاء الأمن والمخابرات!