مؤتمر القاهرة
مؤتمر القاهرة
زهير سالم*
كنت قد اخترت عنوانا لمقالي هذا قبل كتابته . أنا غالبا أبني المقال على عنوانه . وأحيانا أغير العنوان بعد كتابة المقال لأن السياق يأخذني أبعد أو أقرب . هذه المرة بعد أن وجدت أن رسالتي أصبحت واضحة أكثر مما أردت آثرت أن أحذف هذا العنوان . سأتناول في هذا المقال مؤتمر القاهرة وما جنت المعارضة السورية منه ، وما صدر من تعليقات عليه . ولكن المقال أكثر من تعليق على مؤتمر إنه توصيف لحالة أو تحليل لمواقف متواطئ عليه، وكشف فيما أظن لخطوط مؤامرة صغرى تنسج عناكبها في فضاءات المستقبل السوري المنشود . محاولة للاحتواء أو استدراك على الحرية أو مصادرة لبعض الخيارات الديمقراطية ..
وبعد ما صدر عن مؤتمر القاهرة وبعد التعليقات التي استمعتها من العديدين عليه وعنه ومن معرفتي المسبقة واللاحقة بما بيّت البعض له ؛ تذكرت كلمة لشاعر الإسلام العظيم وفيلسوف العصر الكبير محمد إقبال في حديثه عن علاقته بالثقافة الغربية : خطفت الطعم ولم أقع في الفخ . ربما كان هذا هو العنوان الذي يعبر عما فعله المعارضون البسطاء الذين حضروا مؤتمرالقاهرة على طريقة ( أبو الهنا توكلنا ) و يصفهم البعض بالأغبياء استهتارا واستخفافا . هؤلاء البسطاء من غير تدبير ولا خبابة ولا مكر هم الذين خطفوا الطعم فأسقطوا لاءات أصحاب اللاءات ، ولم يقعوا في الفخ بمعنى أنهم ولم يوقعوا لهم على صك انتداب الذي جاؤوا بقضهم وقضيضهم يجيز مرورهم بشار ويدعمهم من كان اسمه الاستعمار للتعبير عنهم أو التفاوض باسمهم وبالتالي مصادرة إرادتهم . لا لجنة متابعة ولا مجموعة تحضيرية ، ولا أي مندوب سام أو مفوض ...كان هذا توضيحا لسر حذف العنوان ...
***************************
ربما يكون من بعض معالم الحنق على المعارضة السورية إثارة الاتهامات والشكوك دائما حولها . يحاصرها البعض في خانة الاتهام و الشك إن قامت وإن قعدت ، إن غابت وإن حضرت ، إن صمتت وإن تكلمت . دائما هي في وضع اللوم والتثريب والتأنيب والتقريع . يفعل ذلك اعداء وخصوم ومشايعون ومدعوون !!
ما أكثر ما تسمع من أقوام أو من أشخاص اتهامات للشعب السوري وللمعارضة السورية المؤثرة في المشهد والراسخة في الميدان من طراز اتهامات بشار الأسد نفسه يوم نبذ الشعب السوري بتهمة العقول المغلقة ، وأنه قد تعب في تفتيحها ومشروعه هذا يحتاج إلى جيل كامل لكي يستوي على سوقه . وقد سبقت الثورة هذا الاعجف فحاصرته وأظهرت أمام العالم ليس ضعفه العقلي فقط وإنما فقره الإنساني أيضا ..؟! وستفعل إن شاء الله بكل مشتقاته ما فعلته به .
بعض الذين يحملون على المعارضة السورية السيف والعصا يظلون يتحدثون عن غيابها عن الرؤية السياسية ، والعقل السياسي ، والبرنامج السياسي ، والاستغراق في الهتافات الإيديولوجية والنداءات العاطفية ، مع ما شئت من اتهامات بالتفسخ والتمزق والتشرذم وتضارب الأهواء . ويتمادى لبعض من هؤلاء في القدح أو في الردح فلا يفتأ يتهم مخالفيه صراحة وبلغة العموم وعلى المنابر الهوائية الموطأة لهذا الفريق بشكل خاص بالتخلف والجمود والغباء والانحطاط والجهل .... هذه المترادفات جميعا ليست محاولة مني لإظهار مقدرة لغوية وإنما هي من بعض ما أسمعه يوميا من ردح على الفضائيات أو ما أقرأه في الصحف باسم الغيرة على الثورة السورية والدم السوري من أناس يسهل عليهم أن يتهموا غيرهم أنهم لم يرقوا إلى مستوى الدم الثوري ، وأنهم أي الآخرين هؤلاء لا يستحقون هذه الثورة ، ويتجاوز البعض حين يطفح به كيل النقمة فيقول إن المعارضة السورية تثبت أنه لا بديل لبشار الأسد في سورية ..
وحين يتساءل المرء بجدية ومصداقية بماذا يتميز هؤلاء فيما يقدمونه أو فيما يطرحونه عن باقي فصائل المعارضة السورية فلا تراه يجني طائلا . تتسائل أحيانا أي من هؤلاء أتانا برأس البرنس الذي عجزنا عنه ؟! أو أي من هؤلاء كان النطاسي الذي يمتلك الوصفة العجيبة التي لم نشربها من كفه ؟!!. أليس من الموضوعية المنتظرة من أي إنسان أن يرى نفسه واحدا من قومه ، وألا يسبق إلى وضع نفسه فوقهم ثم يبدأ يحصبهم أو يرجمهم بما يصل ليده او للسانه .. أذكر بما علم المسيح عليه السلام : من كان بلا خطيئة فليرجمها بحجر !!! وما أبدع ما علم المسيح عليه السلام ترى القشة في عين أخيك ولا ترى الجذع في عينك !!!
وحين تبحث عن السر الحقيقي وراء النقمة في نفوس هؤلاء على المعارضة السورية في الداخل والخارج فسوف تجدها من نفس نقمة بشار الأسد ، هم يقولون لأوليائهم هنا وهناك : هؤلاء – الدهماء – لا يعرفون كيف يترادفون وراء صاحب الشأن المعلم الأول – ويقصدون أنفسهم – الذي يحمل لواء التحديث والتنوير والتغريب والطغام الذين شاركوا في تشويه وتنميط صورتهم مع ابن علي ومبارك وبشار وقرن مر يسحب اليوم ذيوله تحت ضربات الثوار . فيتمسك ببعض ذيوله من ما زال مشككا في الفجر أو حتى في شمس النهار .
لقد انتصر السوريون منذ أكثر من نصف قرن على سلطة الانتداب ، واحتفلوا بيوم الجلاء ، ليجدوا أنفسهم من جديد تحت سلطة انتداب أسس واستثمر فيه القيمون على مشروعه حتى اليوم ويبدو أن هناك فريقا من أدعياء المعارضة يحاولون في تقديم أنفسهم كمتعهدين لاستئناف المشروع . ومن هنا تواجه المعارضة السورية هذا الإلحاح الدولي على ضرورة الخضوع لهذا ( التنسيق ) .
في مؤتمر القاهرة جنا السوريون البسطاء التوافقات الوطنية العزيزة : إسقاط النظام بكل مرتكزاته – ودعم الجيش الحر بكل أشكال الدعم – ودعوة المجتمع الدولي ليقوم بواجبه في حماية المدنيين والأخذ على أيدي القتلة والمجرمين ..
لقد دفع البعض هذا الثمن وهو يظن أن هؤلاء البسطاء سيوقعون لهم بالمقابل على صك انتداب جديد . ولكن البسطاء لم يعرفوا كما يرى هؤلاء الفضل لأهله ولم يوقعوا لهم التوكيل الذي جاؤوا ليحصدوه . فعادوا في اللحظة الأخيرة ليصفوا شركاءهم البسطاء بأنهم لايفهمون مفككون ومتخلفون ولا يصلحون لشيء.
يقولها أحدهم بلا مواربة كل الذين لا يصطفون خلفهم ولا يطربون لقولهم فيصفقون هم كما قال عنهم بشار الأسد تماما : منغلقون لا يفهمون ...!!!
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية