صبري عكاشة بالإعدادية !
صبري عكاشة بالإعدادية !
أ.د. حلمي محمد القاعود
صبري عكاشة هو بطل رواية الأشرار التي كتبها أحد الصحفيين الموالين للنظام الفاسد البائد ، كان الصحفي مقربا من لجنة السياسات ، ومعنيا بمهمة التشهير بالشرفاء الأحرار المعارضين للحكم البوليسي الفاشي، سواء في كتاباته الصحفية ، أو برنامجه التلفزيوني الحكومي . وفي إطار المنافسة كتب الصحفي المذكور رواية " الأشرار " ليعرّي نظيرا منافسا له يخدم النظام من خلال أجهزة الأمن تحت ستار المعارضة ، وينشئ له الأمن صحيفة ثورية يرأس تحريرها ويعارض من خلالها!
الحياة الثقافية والصحفية فيها كثير من نموذج صبري عكاشة صاحب القلم الملوث الذي لا يعرف غير مصلحته ، ويؤمن أن النظام خير وأبقى من كل النظريات والأخلاق والمثل التي يستخدمها ليوهم القراء أنه مناضل وثوري ومعارض كبير . نشأ صبري عكاشة في بيئة متواضعة وحضر إلى الجامعة بحذاء ممزق ، ولكنه بدلا من أن يرقى بنفسه روحيا وخلقيا ، جعل هدفه جمع المال ، والوصول إلى الشهرة ، وخدمة النظام بدءا من الوشاية بزملائه حتى ضرب المعارضة الحقيقية وتمزيقها والظهور بمظهر الثوري المناضل النقي بينما يتلقى في الخفاء تعليماته من رجل الأمن الرابض في قلاع الرعب والقهر !
لدينا الآن صبري عكاشة من نوع آخر ! لم يتخرج من كلية الإعلام ، ولم يجمع ذكاء صبري النموذج وحرفيته ، ولكنه بائس يحمل الإعدادية الصناعية ، وكان عامل نسيج في أحد المصانع ، حتى التقطه شيوعي راحل ، فأدخله عالم الصحافة والأدب دون مواهب حقيقية اللهم إلا موهبة التسلق والوصولية والوقوف على الأعتاب، تعرف على بعض الرفاق ممن يملكون الطموح ولا يملكون الأخلاق ، أحدهم مثلا كان ممرضا ، والآخر كان بائعا سريحا ، والثالث كان عامل تلغراف والرابع كان كاتبا في الشرطة ، والخامس كان تاجر فاكهة ، والسادس ... الرباط الذي يربط المجموعة التي تدعي الانتساب إلى الأدب هو الانتماء الشيوعي الحكومي وخدمة النظام في ظل المعارضة المغشوشة .
لا عيب أن يكون الإنسان فقيرا أو من أصل متواضع ، فالإسلام يعلمنا أن الإنسان بعمله وعلمه وليس بأصله وطبقته ، أنا مثلا أفخر بانتسابي إلى الفقراء والبسطاء ولم أزل ، ولكن صبري عكاشة مع تواضع أصله ومؤهلاته ومواهبه الأدبية ، يجد في نفسه الجرأة ليسخر من شخصية عظيمة تحتل موقعا تشريعيا رفيعا ، فيصفه بأنه ( صيدلي ) تحقيرا له واستهزاء ! عامل النسيج الذي يحمل الإعدادية الصناعية يسخر من عالم جليل يملك شرف الانتساب والتفوق إلى قلة محدودة في تخصصه العلمي الدقيق ، فضلا عن تضحياته التي بذلها من أجل الدين والوطن ، ولا يتكلم عنها ولا يشير إليها ابتغاء الفضل من الله وليس من الناس!
الأخطر من ذلك هو محاولات المذكور للوقيعة بين الجيش المصري وبعض قوى المجتمع المصري ، وخاصة من ينتسبون إلى الإسلام ويتهم الإخوان المسلمين أنهم يملكون ميليشيات وسيفككون الجيش المصري ليلحق ببقية الجيوش العربية التي انهارت .. ويردد الاسطوانة المشروخة حول استيلاء الأخوان علي مكونات الدولة، مجلسي الشعب والشوري، ثم الرئاسة، والآن – كما يزعم - يجري التأهب لاحتواء الجيش والمخابرات العامة والداخلية والمراكز الثقافية، ويرى صبري عكاشة حامل الإعدادية أن قَسَمَ الرئيس في التحرير ليس إلا تحديا سافرا للجيش والقضاء، وأن الأخوان شيئا فشيئا سوف يسيطرون على البلاد تماما كأي غزو أجنبي (!) .
كأن مصر مجرد كشك حلويات يمكن الاستيلاء عليه ببساطة ، ونسي كاتب النظام الفاسد ومادح مبارك ؛ أن مصر أكبر من أن يستولي عليها أحد ، وأن الجيش ليس تنظيم كشافة في معسكر للأطفال ، وأن هؤلاء الذين يتهمهم بالاستيلاء على الدولة انتخبتهم الملايين من أبناء الشعب المصري لينوبوا عنها ؛ ولم تنتخب الشيوعيين ولا الناصريين ولا الليبراليين ولا المرتزقة ، ثم إنهم لم يأتوا بانقلاب عسكري أو فوق دبابات دولة أجنبية غازية ؟
لا ييأس صبري عكاشة وأمثاله من تزوير الحقائق ، وتعميق الخلافات ، وبث الفتنة حين يدعي أن عددا من الصحفيين الأجانب جاءوا من كل مكان خصيصا لمقابلة خيرت الشاطر. دون أن يبذلوا أي جهود تبذل في اتجاه مقابلة الرئيس المنتخب، وهو ما يعني حسب مزاعم صبري عكاشة أن الرئيس الجديد مجرد صورة ورقية لا وجود لها ، وبغض النظر عن سوء الأدب ، بل الوقاحة في تطاوله على مقام الرئاسة وفقا لتعبير سيده الناصري ، فقد أثبت الرئيس أنه صاحب شخصية مستقلة عرفها الناس ورأوها رأي العين في ميدان التحرير وجامعة القاهرة ومعسكر الهايكستب . ويزعم صاحبنا أن الثورة انتهت بالفعل يوم صعد الشيخ القرضاوي إلي منصة التحرير معلنا بدء الدولة الدينية، ثم يرتدي ثياب الوطنية والدفاع عن الجيش المصري ، وينسي أن تلاميذ هنري كورييل ولاؤهم الأول للصهيونية ودولة العدو مثل أستاذهم الخائن الذي لقنهم أن مقاومة الغزو الصهيوني جريمة قذرة ، ثم يدعي صبري عكاشة أن تصريحات هيلاري كلينتون عن تسليم السلطة تدخل في شئون مصر ، بينما لم نسمع صوته حين حطت طائرات أميركا في مطار القاهرة لتنتزع المتهمين بالتمويل الأجنبي ، وتقلع بهم دون اعتبار لسيادة أو قيادة !
وأخيرا .. لتغذية معلومات صبري عكاشة التاريخية حول الغزو العثماني لمصر ، أقول له إن أهل مصر وعلماءها هم الذين طلبوا من السلطان سليم الأول أن يخلصهم من المماليك ، ومع تحفظنا على سليم الأول ورفضنا لطغيانه وقسوته التي طالت بعض أشقائه وذويه ، فقد ظلت الدولة العثمانية درعا يحمي بلاد المسلمين من الهمج الهامج الذين يكيدون لها ، واليهود الذين خططوا لانتزاع فلسطين العربية المسلمة وتشريد أهلها !
أتمنى أن يدرك صبري عكاشة وأشباهه من خدم مبارك ونظامه ؛ أن الزمان اختلف !