قَلَنْسُوَة المرشد العام للإخوان في مصر
أ. د. عبد السلام حامد
[email protected]
رأيت أناساً كثيرين مرات عديدة يرتدونها، قبل أن أرى المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع يردتيها في أيام الشتاء هذه. فقد رأيتها من قبل بصحبة أساتذتنا الدكتور تمام حسان، والدكتور عبد الصبور شاهين، والدكتور رمضان عبد التواب، عليهم جميعاً رحمة الله، شاهدتهم يلبسونها في مناسبات مختلفة، ورأيتها أكثر من مرة في رحلتيّ العلميتين إلى إندونيسيا منذ عامين والصيف الماضي، وفي الرحلة الأولى رأيتها بصحبة بعض إخواننا ومُستضيفينا من أهل مدينة ميدان عاصمة سومطرة
الشمالية، وبصحبة أستاذنا الدرعمي أيضاً الدكتور كمال عبد العزيز، قادماً من دار السلام ببروناي، حيث يعمل بجامعتها،ورأيتها أيضاً في ماليزيا في شهر أبريل المنصرم، رأيتها كثيراً تزين رءوس هؤلاء، وتزينها رءوسُهم وتزيدها هذه الرءوس بهاءً وجلالاً، بل إنني قد فُتنتُ بحسنها ووقارها وطرافتها، فاشتريتُ واحدة من بني جنسها، عندما غازلتني بساحة المسجد الكبير في العاصمة السياسية لماليزيا (بتروجاية)، وهو المسجد المجاور للمبنى الرائع ذي الطراز الإسلامي لرئاسة الوزراء والحكومة، في هذه المدينة
التي كل ما فيها مدهش وفاتن وسياحيّ وعالميّ، رغم الحرّ الشديد.
إنها القلنسوة (الطاقية) الإندونيسية والماليزية السوداء ذات السقف البيضاوي والسور الذي يأخذ شكل السفينة!يلفت انتباهك أن ترى هؤلاء الأئمة والشيوخ والأساتذة العظام يلبسونها؛ لتقيهم عوادي الزمن أو برد الشتاء أو للسببين معاً، وربما كانت هدية أو تذكارأ جُلبا من موطنهما الأصلي، فإذا بهم يزينونها وتزينهم؛ يزينونها بشرف مكانتهم وما تحويه رءوسهم وعقولهم وما يقبع تحت قبتها، وتزينهم لأنها قادمة من الشرق البعيد، حيث الحافة الجنوبية الشرقية للكرة الأرضية، وحيث عطاء
الإسلام وعظمته، وحيث كل شيء أشكال وألوان غير التي تعرف، إلا الإسلام فإنه بجوهره وأصوله روح واحد، وجسد واحد، وأمة واحدة. هنالك، وما أدراك ما هنالك؟ حيث الإسلام يمتد إلى تلكم البلاد والجنات الخضراء الغنية الفتية ذوات العدد والعُدة، المترامية وسط مياه المحيطين الهندي والهادئ -قد انساب وترقرق من القلب في مكة وشبه جزيرة العرب وما حولها، ، أي إلى حيث وصل التجار الفاتحون الأوائل، ومن حيث تكاسلنا نحن الآن ونمنا. إنك عندما ترى هذه القلنسوة بعد أن تكون قد زرت هذه البلاد الإسلامية
العزيزة الغالية النائية، لابد أن تنتابك هذه الأسئلة: من أين أتت هذه القلنسوة؟ وعمّن تتحدث ؟ ومَن أصحابها ؟ وما علاقتنا بهم وما علاقتهم بنا ؟ وعندما تعرف أن المسلمين التجار الأوائل البسطاء هم الذين نشروا الإسلام في هذه الأصقاع النائية، بسفنهم البدائية في هذه البحار العاتية، ستدرك أننا نحن- قلب العالم الإسلامي – نُقصّر في حقهم الآن تقصيراً شديداً، ونهدم ما بناه الأوائل ونضيّع ما حفظوه، وآية ذلك مشاهد التغريب وحركات التبشير التي تسير على أشدها هناك، ومن أوضح آيات هذا الضياع
والتفريط والتقصير، استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي الذي كان مستخدماً إلى وقت قريب في لغة هذه البلاد !
أتُرى بعض هذه الخواطر قد دارت برأس المرشد العام للإخوان المسلمين بمصر هذه الأيام وهو يرتدي هذه القلنسوة؟ وسواء أكان هذا – وهو به خليق من قريب أو بعيد - أم لم يكن، فإنه قد خالج نفسي وثار فيها، وهو حقيق بأن يثور في نفس كل مسلم يغار على دينه ويرجو الخير له ولنفسه وللمسلمين في أنحاء العالم كله.
وبقليل من التريث ندرك أن تخريب الطغاة المستبدين للوطن العربي – وهو قلب العالم الإسلامي وروحه – هو الذي أدي إلى تخريب جسد العالم الإسلامي كله من مشرقه إلى مغربه، ومن شماله إلى جنوبه، والذي لا شك فيه أن طلوع فجر الحرية سيكسر كل قيد، وأن عزم الشباب والشيوخ والصغار والكبار ووعيهم سيوقظان كل همة، وعندئذ سيبرأ الجسد بعقله وقلبه وسواعده، ويستأنف نشاطه الخلّاق من جديد.