المعلم يعقوب في طبعة جديدة
أ.د/
جابر قميحةما أشبه الليلة بالبارحة ، وما أشبه اليوم باليوم السابق . والفرق بين الأصل وبين الجديد قد يستغرق قرونا طويلة . تذكرت هذه المقولة وأنا أقرأ تاريخ الحملة الفرنسية على مصر 1789 ـــ 1801 .
وقد استطاع نابليون والذين أتوا بعده أن يوظف كل الطاقات التي تخدم الحملة ، وكان أظهر من خدمهم يدعى المعلم يعقوب ، الذي يقول عنه الجبرتي : ".... إن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه ساري عسكر القبطة جمع الفي ( 2000 ) شاب من القبط ، وحلق لحاهم ، وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية ، وصيَّرهم ساري عسكره وعزوته ، وجمعهم من أقصى الصعيد ،
وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الأحمر ، وبنى له قلعة وسوَّرها بسور عظيم وأبراج وباب كبير . بل إنهم كانوا يقطعون الأشجار والنخيل من جميع البساتين . ولم يتورعوا عن هدم المدافن والمقابر وتسويتها بالأرض خوفاً من تترس المحاربين ، حسب وصف الجبرتي... .
والخلاصة أن المعلم يعقوب النصراني هذا ومن معه كانوا أقرب إلى الفرنسين من الفرنسين أنفسهم : فهم عيون لهم ، وهم القوة المسلطة على المصريين الذين لا تعرف قوات الحملة أسرارهـــم ، ومنازلهم وبساتينهم ودروبهم . وجاء في تاريخه أن نابليون جعله على رأس حملة لتأديب الصعيد ، قاد هذه الحملة الجنرال الفرنسي " ديزيه " ، حتى كان المصريون يسمون هذه الحملة بحملة المعلم يعقوب . ولبطولاته ( !!!!! ) أهداه الجنرال ديزيه سيفا كتب عليه " معركة عين القوصية " 24 ديسمبر 1798 " . واستباح يعقوب وجنوده كل هذه المنطقة من مال وأعراض ، ومساكن وبساتين .
وحينما خرجت الحملة الفرنسية من مصر منكوسة صحبت معها رجلها الخائن المخلص " المعلم يعقوب " .
*********
وظهرت النسخة الجديدة من المعلم يعقوب في شخص اسمه " نجيب ساويرس " الذي كان أمينا لذكرى سلفه : فهو يحتقر الشعب المصري ، وقد ذكر الأستاذ شعبان عبد الرحمن بأن ساويرس قال على الهواء مباشرة لأحد المذيعين اللبنانيين : إن المصريين لا يستيقظون إلا على رائحة الفول والبصل ، أما اللبنانيون فيستيقظون على رائحة الدولار الأمريكي . ووصف العامل المصري بالتدني والقذارة ، في حين أنه يشعر بأن العامل اللبناني رجل أعمال .
وهو يسب الدين الإسلامي ، ويسخر من اللحية والنقاب ، وأكثر من ذلك يستعدي الولايات المتحدة لغزو مصر وتحريرها من التيار الإسلامي ، وإسقاط الانتخابات الديمقراطية .
وكان نموذجا ــ بل نجما ــ للنفاق في عهد مبارك المخلوع ، فهو الذي قال قبل تنحي مبارك بأيام على قناة "CBC" : إن الثوار لا يطالبون بتنحي مبارك ، وليس من أخلاق الثورة أن تتكلم بهذا الأسلوب عن مبارك الذي خدم البلد .
وعلق على محاكمة حبيب العادلي بقوله : عيب نتكلم كده ونبهدل الراجل ، فنحن لا ننسى أنه خدم البلد طوال حياته .
وهناك في هذه " الطبعة الجديدة " ما أستحي أن أذكره ، لذلك أكتفي بالظاهر المشهور على قلته ، غـافـلا ـــ عن قصد ــ عن الكثير المستتر والمجهول .
*********
وأخيرا أذكِّر القارئ بالكلمات التي صدَّرْت بها مقالي وهي : ما أشبه الليلة بالبارحة ، وما أشبه اليوم باليوم السابق ، والفرق بين الأصل وبين الجديد قد يستغرق قرونا طويلة . المهم أن علاقة المشابهة موجودة لم تمت .
وأذكركم بعنوان المقال ومضمونه وهو : أن المعلم يعقوب ظهر في طبعة جديدة اسمها : نجيب ساويرس.