التعامل السلبي مع الطبيعة
م. أسامة الطنطاوي
يعتبر الانسان اهم كائن حيوي مؤثر في احداث تغيرات في البيئة ويعمل على الاخلال بالتوازن الطبيعي والبيولوجي, وكل ما زادت الاعوام زاد الانسان تحكم وتسلط في البيئة, وخاصة بعد ما يسر له التقدم العلمي والتكنولوجي كتير من الفرص حتى يعمل على احداث التغير في البيئة حسب حاجتة للغذاء والكساء ، وبدأ الانسان يقطع اشجار الغابات ويحول اراضيها لمزارع ومصانع ومساكن, وافرط باستهلاك المراعي بالرعي المكثف والجائر, وبدأ باستخدام الاسمدة الكيميائية والمبيدات بمختلف انواعه, وكل هذه عوامل فعالة في الاخلال في توازن النظم البيئية.
إن الانسان في تعامله مع البيئة أثبت رعونة وطيش لا حدود له ومابين الرأيين تقف الدلائل شاخصة أمام الباحثين والمختصين لتؤكد بأن الانسان عبث في البيئة وعناصرها واستفزها بل وخرّبها حتى باتت تهدد حياته بالكثير من العواقب الوخيمة.
وقد ذهب بعضهم (برغم منطق المجافاة لما هو علمي) الى أن السلوك الشائن للانسان حرّك عناصر البيئة واستفزها فأخذت تقتص من الانسان بطرائق عدة كالفيضانات والزلازل والأعاصير ولعل أوضحها وأقربها منا، حتى أن بعضهم بدأ يتساءل بصوت عال: ترى هل يستحق الانسان هذه العقوبات المؤلمة من لدن البيئة؟ وقبل أن تجيبه البيئة يقول الانسان: نعم لقد عبثت بالطبيعة وبالبيئة بما يكفي لاثارتها، لقد كنت قاسيا في تعاملي مع البيئة.
ترى ما هي الاسباب التي دفعت ولا زالت تدفع بالانسان الى العبث في البيئة؟..
وحين نطرح سؤالا كهذا فمن هو الطرف المسؤول عن الاجابة، اننا نتحدث الآن ضمن اطار المجتمع الاسلامي على الأقل، فهل ياترى ان الانسان المسلم تعامل مع البيئة والطبيعة وفق تعليمات ومبادئ الاسلام؟ وقبل الاجابة نسأل ما هي البيئة، إن (البيئة بالمعنى العـام عبارة عـن مجموعة الظروف والمؤثرات الخارجية والداخلية، فالبيئـة المحيطة بأي كائن مـن إنسان أو حيوان أو نبات تشمل الظروف السلبية وتشمـل الآثار الطبيعية والكيماويـة والصحراوية والبحرية والجوية والنباتية والاجتماعية).
إذن هذا هو التعريف الشامل للبيئة، ومنه تتضح أهمية الدور الذي يلعبه الانسان بصدد البيئة سلبا او ايجابا، وجوباً وحرمة، ندباً وكراهة، تكليفاً ووضعاً ـ فمثـلاً ـ في الجانب السلبي قال سبحانه: (ولا تفسدوا فـي الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين)
ولعل الخطاب القرآني هنا واضح وضوح الشمس، فأي عمل يبدر من الانسان ينبغي أن يراعي ما ورد في هذه الآية الكريمة، بمعنى أن عموم الانشطة البشرية يجب عن لا تقوم على مبدأ الافساد أيا كان نوعه، غير أننا سنلمس بالدلائل القاطعة ان الانسان أفسد في كثير من أعماله ولعلنا لا نضطر للدخول في بطون التاريخ كي نورد أمثلة على ذلك.
حيث اننا سنجد آلاف الانشطة البشرية التي عمدت الى افساد البيئة كما يحدث في تلويث طبيعة وبيئة البحار والصحارى بالفضلات النووية وغيرها، ولعل الثقب الذي حدث في طبقة الاوزون أقرب وأقوى دليل على الافساد البشري المتواصل للبيئة.
لقد أكدت جميع التعاليم الاسلامية على عدم جواز الضرر بالآخر أيا كان انتسابه او جنسه، بما في ذلك الجانب البيئي الذي لا يجوز التجاوز عليه او إلحاق الضرر بعناصره، كما ان التوازن البيئي أمر حث عليه الاسلام وأوجبه كما في هذه الآية الكريمة: (والأرض مددناهـا وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون).
فالتوازن هو اساس التعامل المعقول مع العناصر البيئية التي يستوجب التعامل معها كإصلاح الارض لغرض الزراعة او حفر الآبار وحرث الارض وفتح القنوات والسيطرة على الصحراء او الحقول الشاسعة وما شابه ذلك، فكل هذه الانشطة يسمح بها الاسلام شريطة ان تتوافر مقومات التوازن في جميع هذه الانشطة التي يُقصد منها الصالح البشري.
وقد ورد في الآية الكريمة تنبيها لعدم الافساد في الارض (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين) في حين كان الانسان ولا يزال يبحث عن مبررات افساد البيئة ويبيح لنفسه العبث بها ولعل النتائج التي تمخضت عن هذا السلوك الخاطئ كارثية وكبيرة بحيث لايمكن السكوت عليها او محاباة من يقوم بها، واحدى النتائج الظاهرة للعيان هي ظاهرة الاحتباس الحراري التي غيرت المقاييس الحرارية المتعارف عليها في عموم اصقاع الارض حتى أصبحت مصدر تهديد دائم ومستفحل لكل من يسكن في هذه المعمورة، ومع تعدد وتنوع التلوث البيئي المتمثل في الهواء والماء والتربة، وهناك تلازم بين هذه الثلاثة، فتلوث الهواء لهُ ارتباط بتلوث كل من الماء والتربة، بل أكثر الأشياء يرتبط بالهواء.
ويعرّف الهواء، بالمخلوط الغازي الذي يملأ جوّ الأرض بما في ذلك بخار الماء).
ومع كل هذا ينبغي أن يحتاط الانسان وهو ينشط في هذا المجال او ذاك من اجل العمل وكسب الرزق او غيره، كي لا يفسد الأرض والطبيعة والبيئة على وجه الخصوص، لأن النتائج ستكون وخيمة كما هو واضح على الارض، فالبيئة لها طرائقا في معاقبة الانسان الذي لا يحترمها ولا يتبع الخطوات المتوازنة في التعامل معها كما جاء ذلك في تعاليم الاسلام.