المؤتمر السوري الأول كما يراه مجلس الشعب والواقع
من عجائب مجلس الشعب السوري :
المؤتمر السوري الأول
كما يراه مجلس الشعب والواقع .!؟
التوثيق أحد أسلحتنا في سبيل الدفاع عن وجودنا وحضارتنا
شمس الدين العجلاني
[email protected]
التاريخ والمستقبل حقيقة خالدة فلا يمكن فصل التاريخ عن المستقبل ولا المستقبل عن التاريخ فالأمة التي لا تعلم تاريخها لا يمكن لها بناء مستقبلها0
والكلمة المكتوبة هي سر التاريخ وسر الخلود فمنذ الأزل كانت الأبجدية 00 وكانت الكتابة والصورة المرسومة والهياكل المنحوتة والوثيقة المطبوعة تعبيرا عن المجتمعات والمؤسسات والتكوين الإنساني وكانت سورية أول من اخترع الأبجدية ( اوغاريت ) وسافرت عبر حضارة الفينيقيين والكنعانيين إلى العالم اجمع تنبئ بحضارة وتدون بالكلمة المكتوبة حياة أمم وشعوب ونشاطاً بشرياً في السلم والحرب والبناء في الفنون والآداب وفي بناء الأوطان فالكلمة المكتوبة هي التاريخ وهي الوثيقة ورابط الإنسان الأهم بوطنه وتاريخه وهذا ما يجعلنا نسعى ونطالب ونعمل من اجل التوثيق والذي يعتبر أحد أسلحتنا التي نشهرها بقوة في سبيل الدفاع عن وجودنا وحضارتنا 0
التوثيق الذي نؤمن به سلاحا فكريا هاما يجب علينا إتقان استخدامه لان الكلمة الموثقة الصادقة هي الصورة الحقيقية والشهادة الحقيقية والتي لا يمكن نكرانها ، فالمعلومة الصحيحة الموثقة تؤكد الحق ويجب أن لا تبقى الوثائق أداة خرساء بل يجب حمايتها وبعث الروح فيها بالوسائل الحديثة والمتطورة لتكون أحد أسلحتنا في سبيل الدفاع عن وجودنا وحضارتنا ولتلعب الدور المطلوب منها في ساحة المعركة مع عدونا الشرس الذي يمارس الكذب والقرصنة ويزيف التاريخ ويحلم باحتلال أحلام أطفالنا .
المؤتمر السوري الأول :
من المرجح أن المؤتمر السوري هو أول صيغة برلمانية في المنطقة العربية ويعود تاريخه إلى عام (1919) حيث تنادى رجال الحركة العربية والأحزاب السياسية السورية في ظل ظروف سياسية عربية ودولية معقدة لعقد اجتماع بدمشق يضم ممثلين عن المناطق السورية حينذاك وهي سورية بحدودها الحالية ولبنان و شرقي الأردن وفلسطين في السابع من حزيران ( 1919 ) أطلقوا على اجتماعهم هذا اسم المؤتمر السوري ( الاول ) والذي اعتبر بحق بمثابة المؤسسة التشريعية التمثيلية لكل مواطني سورية الطبيعية 0
وهذا المؤتمر برغم قصر عمره من 7 حزيران 1919 ولغاية 19 تموز 1920 فقد كان عنوانا للعهد الذهبي والأماني القومية وبرغم عدم اتخاذ هذا المؤتمر في بداياته للطابع البرلماني المعروف من حيث التفاصيل الدقيقة في سير النظام والجلسات لان مهمته الأساسية كانت تقرير مصير البلاد أمام اللجنة الأمريكية ( كنغ 0 كراين ) إلا أن هذا المؤتمر ما لبث أن اتخذ لنفسه الصفة التشريعية ( البرلمانية ) فشكل لجنة لوضع دستور دائم للبلاد 0 و ابدى ملاحظاته الكثيرة على مجمل الأمور السياسية والتشريعية التي كانت قائمة آنذاك في البلاد ، وقرر في جلسة تاريخية استقلال البلاد السورية 8 آذار 1920 وتنصيب الأمير فيصل ملكا دستوريا على سورية الطبيعية 0
هكذا كان المؤتمر السوري خلال عامي ( 1919 – 1920 ) جمعية تأسيسية ومجلسا نيابيا واكب التطور السياسي والتطور الجغرافي في البلاد0
المؤتمر كما يراه مجلس الشعب :
رئاسة المؤتمر :
لم يستطع موقع مجلس الشعب على شبكة نت أن يحدد بشكل قاطع من هو رئيس أول برلمان سوري فتارة يعتبر مؤيد العظم هو أول رئيس للبرلمان و تارة أخرى هو هاشم الاتاسي ، ففي النافذة المخصصة لرؤساء المجلس ( على موقع المجلس في شبكة نت ) نرى أن مؤيد العظم هو أول رئيس للبرلمان ، و ليس هنالك وجود للزعيم الوطني هاشم الاتاسي في رئاسة البرلمان ، في حين يعتبر مجلس الشعب أن الاتاسي كان أول رئيس للمؤتمر السوري ( البرلمان ) و ذلك في جدول رؤساء المجلس السابقين .!؟ و يعتبره رئيسا طيلة فتره المؤتمر و التي يقررها مجلس الشعب من 12-11-1919 إلى 17-7-1920 ( و طبعا هذا التاريخ خطأ و ليس له وجود في اي وثيقة تاريخية ) كما أن صور رؤساء البرلمان السوري منذ عام 1919 حتى الآن و التي تتصدر قاعه الشهداء ( قاعه استراحة النواب) في مجلس الشعب تعتبر أن الاتاسي هو أول رئيس للمؤتمر السوري و أيضا يؤكد مجلس الشعب في مكان أخر ( في الجلسة الافتتاحية التي عقدها المؤتمر تم انتخاب هاشم اتاسي رئيسا له ) . وللحقيقة نقول 00 وللحفاظ على تاريخنا نقول 00 ولإعطاء كل ذي حق حقه نقول : إن ما ورد في وثائق مجلس الشعب خطأ 00؟ والصحيح أنه : تعاقب على رئاسة المؤتمر السوري ثلاثة رؤساء هم: محمد فوزي العظم، هاشم الأتاسي ، محمد رشيد رضا في حين يغيب مجلس الشعب من كل وثائقه اسمي محمد فوزي العظم و محمد رشيد رضا من رئاسة المؤتمر السوري .!؟
عن رئاسة المؤتمر السوري تشير الوثائق التاريخية ان المندوبين المنتخبين ( أعضاء المؤتمر السوري ) من بلاد الشام و الذين استطاعوا الحضور لدمشق عقدوا عده اجتماعات في قصر محمد فوزي العظم و في قصر عطا البكري بدمشق وتبادلوا بحث الفكرة الوطنية بصورة عامة من استقلال ووحدة واتحاد، و قرروا خلال هذه الاجتماعات وقبل انعقاد المؤتمر، ان تكون رئاسة المؤتمر السوري للسيد محمد فوزي لعظم ، و ان يكون السيد عبد الرحمن اليوسف نائباً للرئيس والسيدين فائز الشهابي وعزة دروزة كاتبين ، وفي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السوري والتي عقدت في النادي العربي بدمشق تم تثبيت انتخابهم ، ويقول منير المالكي بهذا الصدد: ( وتذاكر الأعضاء ملياً، ثم انتخبوا فوزي باشا العظم رئيساً للمؤتمر، والسيدين فائز الشهابي وعزة دروزة كاتبين). وظل المرحوم العظم رئيساً للمؤتمر السوري الأول ( العام ) إلى تاريخ انعقاد الدورة الثانية للمؤتمر في تشرين الثاني من عام 1919 والتي ترأسها السيد عبد الرحمن اليوسف نظراً لوفاة رئيس المؤتمر العظم ، بينما يذكر خالد العظم في مذكراته أن والده فوزي العظم ألف مع أصدقائه من ذوي النفوذ في الأحياء قائمة مستقلة اشترك بها كرئيس لها وكانت تتألف من عبد الرحمن باشا اليوسف والشيخ تاج الدين الحسيني والشيخ عبد القادر الخطيب والشيخ محمد المجتهد وفوزي البكري واحمد القضماني وجورج عويشق ويوسف لينادو وعزت الشاوي ويتابع خالد العظم في مذكراته قائلا : جرت الانتخابات النهائية فازت قائمة والدي بمجموعها وعندما اجتمع المؤتمر السوري وبوشر بانتخاب رئيسه فاز فوزي العظم بأكثرية ساحقة ، و من ثم انتخب السيد هاشم الاتاسي لرئاسة المؤتمر السوري خلال الدورة الثالثة للمؤتمر في الجلسة التي انعقدت بعد ظهر يوم الأحد 3 آذار 1920 ، ونال 55 صوتا وظل رئيسا للمؤتمر السوري لغاية تكليفه برئاسة الوزراء بتاريخ 3 أيار 1920 ( فلا يمكن ان يجمع بين رئاسة المؤتمر و الحكومة في وقت واحد لو اقتنعنا حسب مجلس الشعب ان الاتاسي كان رئيسا للمؤتمر طيلة فترته الزمنية ) ، ثم انتخب السيد رشيد رضا لرئاسة المؤتمر السوري بتاريخ 16 شعبان الموافق 5 أيار 1920 وظل رئيسا للمؤتمر حتى بعد تعليق جلساته اثر دخول القوات الفرنسية المغتصبة إلى البلاد بعد معركة ميسلون 24 تموز 1920 وخروج الملك فيصل من البلاد حيث شارك في فعاليات المؤتمر السوري الفلسطيني الذي انعقد في جنيف من 25 آب – 21 أيلول 1921 بصفته رئيسا للمؤتمر السوري ( بدمشق ) ونائب رئيس الاتحاد السوري ومندوبه ، كما شارك في أواخر شهر آب 1922 في مؤتمر عن سورية عقد في جنيف من خلال وفد برئاسة الأمير ميشيل لطف الله ( رئيسا للوفد ) بصفته رئيس المؤتمر السوري في دمشق ونائب رئيس الاتحاد السوري ومندوبه وكانت سياسة الشيخ رشيد رضا في المؤتمر السوري حسبما يرويها بنفسه : ولما صرت رئيسا للمؤتمر وجب علي أن أساوي بين الحزبين ( المقصود حزب التقدم وحزب الاعتدال ) في كل شيء يتعلق به وفي احترام أفرادهما حتى في خارجه وإعطاء كل ذي حق حقه ، وإيتاء كل ذي فضل فضله ، بل تركت رئاسة حزب التقدم مع المحافظة على نصر الجماعة التي انتهى إليها، إذاً يتضح مما سبق أن المؤتمر السوري لم ينته كما تشير وثائق مجلس الشعب يوم 17-7-1920 م . أي قبل دخول المستعمر الفرنسي إلى دمشق بأسبوع إنما الذي حصل أن تعطل المؤتمر بفعل دخول المستعمر الفرنسي ولكن استمر الشيخ رشيد رضا بالعمل بصفته رئيسا للمؤتمر السوري الأول وممثل سورية بحدودها الطبيعية في أكثر من محفل عربي ودولي برلماني 0 و هنالك العديد من الكتب قد تطرقت للحديث عن رئاسة المؤتمر السوري منها مذكرات خالد العظم , كتاب يوسف الحكيم سورية والعهد الفيصلي,كتاب من ميسلون إلى الجلاء لمنير المالكي , المجالس التشريعية في سورية الصادر عن مركز المعلومات القومي , كتاب رحلتان إلى سوريه للشيخ محمد رشيد رضا , كتاب الحكومة العربية في دمشق لخيرية قاسمية, ذكرى استقلال سورية طباعة مصر 1920و00 و هنا نتسائل لماذا غيب مجلس الشعب كل من محمد فوزي العظم و محمد رشيد رضا عن رئاسة المؤتمر السوري !؟
و أمام كل هذه الأخطاء في توثيق مسيره حياتنا البرلمانية العريقة التي ذكرناها في هذه المقالة و المقالات السابقة و ما سنذكره لاحقا فإننا نرجو من مجلس الشعب إغلاق موقعه على شبكة نت و تدارك كل الأخطاء التاريخية في مسيره حياتنا البرلمانية ، خاصة إذا علمنا أن مجلس الشعب لدية الإمكانيات الكبيرة ليستطيع توثيق مسيره البرلمان ، و لدية الدعم الدولي لكل ذلك من خلال ( مشروع دعم القدرة المؤسساتية لمجلس الشعب ) المقدم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، فقط لو يعطى كل ذي حق حقه .!؟
يتبع