حِرفٌ شعبية تزدهر موسمياً

أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر

[email protected]

تروج بعض الحرف والمهن والخدمات الشعبية خلال مواسم بعينها (كالأعياد). ففي هذه المواسم والأعياد تحقق أرباحاً موفورة يحسدها عليهم غيرهم من الحرفيين والمهنيين ومقدمي الخدمات. بينما يتمني المستفيدون منها أن لو كانت الحياة كلها تلكم المواسم، وهذه الأعياد.

في معظم البقاع.. كلٌ حسب عاداته واحتياجاته وظروفه المعيشية.. يرتبط شهر رمضان المبارك، بروحه وتفاصيله اليومية وأمسياته الساهرة، ومناخه الاجتماعي النشط ، بتنشيط حرف قائمة، أو حتى إيجاد أخري بعينها.

ففي المملكة العربية السعودية تُعد "البسطات الرمضانية" من أشهر وأهم المهن التي يرتبط ظهورها بالشهر الفضيل. هي مساحة صغيرة مفروشة بسجادة صغيرة على قارعة الطريق، أو في وسط سوق شعبي يعرض عليها البائع (من مختلف الشرائح والأعمار) بضاعة متنوعة بتنوع زبائنه. تتضمن أطعمة ومشروبات، وأدوات إلكترونية وسبح ومساويك، وإكسسوارات وأحجار كريمة، وعطور وأصناف بخور، وكل ما يمكن أن يخطر ببال المتسوق. ثم بتسعيرة مفتوحة وخاضعة بشكل كبير لـ"قدرات" كلاً من البائع والمشتري في "التفاوض والمفاصلة"، إلا أن الاثنين ـ غالباًـ ينتهيان بصفقة رابحة وابتسامة عريضة.

برغم وجود "البسطات" طوال العام إلا أنها تروج أكثر في شهر رمضان، وتصير أكثر خصوصية ليس بسبب معروضاتها فقط، لكن بسبب "الأجواء الرمضانية". تمنح التراخيص بهذه "البسطات الرمضانية" في مدينة جدة ـ علي سبيل المثال ـ مساحة جيدة في أكبر الأسواق الشعبية في المدينة "منطقة البلد". كما تتيح مزاولة بيع المعجنات، التمور، البليلة، الحلويات الشعبية، والأجبان، والعطور والبخور، والملابس، والخردوات، وحلويات العيد، والكبدة، وغيرها، فتتحول طرقات المناطق والأسواق الشعبية إلى أسواق تبيع ما لذ وطاب.

"السوبيا" المشروب الأشهر في الحجاز والذي يُزين موائد الإفطار، يوفر حرفة موسمية "رمضانية" ـ لأفراد ومحال ـ ذات دخل معقول في الشهر الفضيل. يمكن لبائع واحد أن يبيع ما بين 70 إلى 100 كيس يوميا، (يصل هامش الربح من حوالي ريال ونصف للكيس الواحد).

كما تظهر إحدى أهم المهن التي ترتبط وتنشط في رمضان بشكل خاص:"الكدادة". أي نقل المعتمرين (وهم كثر) من وإلى الحرم النبوي الشريف، وبين المدن خاصة "جدة"، و"مكة"، و"المدينة المنورة"، عبر سيارات خاصة. يُسمح للراغبين ـ بعد تسجيل سياراتهم وهوياتهم ـ بمزاولة هذا النشاط المُربح.

إلى جانب "البسطات الشعبية"، و"الكدادة" تنشط حرفاً أخرى مرتبطة بمجالات الترفيه. تنظم دورات الألعاب الرياضية والتي تمثل ركيزة أساسية من ركائز الترفيه "الرمضاني" للكثير من الشبان. "الفرفيرة" طاولة خشبية ذات ثمان أذرع موزعة بالتساوي على جانبيها، ويحتوي كل ذراع على عدد من الدمى البلاستيكية التي تمثل لاعبي كرة القدم. يتم توزيعهم وفقا لخطط اللعب المعتادة في تلك الرياضة على أرض الواقع. إنها أحد أنواع الألعاب اليدوية، إذ يتبارى فيها من فردين إلى أربعة أفراد مقسمين على فريقين، ليحاولوا تسجيل الأهداف عن طريق كرة صغيرة يتم تحريكها يدويا بواسطة الأذرع. ينتظر كثيرون بفارغ الصبر موسم رمضان لينصب طاولة "الفرفيرة" التي تجذب الأطفال والشباب لقضاء ساعات تبدأ من بعد صلاة العشاء، وحتى ساعات الصباح الأولى مقابل أجر لا يتجاوز خمس ريالات للساعة الواحدة.

لكن وجود العديد من المواقع الالكترونية المتخصصة في الألعاب ساهم في استغناء الكثيرين عن الألعاب اليدوية. رغم التحذيرات وضوابط الجهات المعنية.. تروج مهنة بيع الألعاب النارية التي تجتذب المراهقين وصغار السن، فيما يستمتع آخرون بـ "تأجير الدراجات".

فانوس رمضان

يُعد فانوس رمضان، في عدد من الدول العربية، من معالم شهر رمضان المبارك ومظاهره المحببة إلى نفوس الصغار والكبار في آن. ارتبط بالإضاءة وبالسحور، يلهو به الصغار، وتراه يُضيء الشوارع والأزقة، وفي الشقق والمنازل والمحال التجارية، بل والفنادق. يذكر "الفيروز آبادي" في "القاموس المحيط": أن "الفانوس" من (فَنَسَ، فنْسا) أي: (نمَّ)، فهو: "النمام". يرجح صاحب "القاموس المحيط" أن تكون تسميته راجعة إلى أنه: "ُيظهر حامله وسط الظلام".

بدأت صناعة الفوانيس في مصر منذ العصر الفاطمي تتخذ مسارا حرفيا وإبداعيا حيث ظهرت طائفة من الحرفيين في صناعتها بأشكالها المتعددة، وتزيينها وزخرفتها ولم يتشكل الفانوس في صورته الحالية إلا في نهاية القرن التاسع عشر. ويصنع هيكل الفانوس من الصفيح لسهولة قطعه وخفته، ويزين بنقوش دقيقة عند قاعدته وقمته تعلوها (علاّقة) مستديرة لحمله ويليها القبة التي تتكون عادة من شرائح دقيقة عديدة قطعت

لتصف إلى جوار بعضها بدقة وإتقان وقد يتدلى من حواف هذه القبة كحلية عدة شرائط مستطيلة تسمى "دلاّيات". قد يكون للفانوس باب يفتح لوضع الشمع بداخله وقد يكون من دون باب، ويحل محله ما يسمى عرق وهي قاعدة يسهل فصلها عن الفانوس وتسمى كعب ويعلوها الشماعة

تعبر رسومات "الفانوس" عن خيال وإبداع الصانع ويكون لون زجاج الفانوس ملونا بصبغات يتبادل فيها مع اللون الأبيض واللون الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر. يتبع عملية التلوين، عملية "الكرونة" أي عمل زخارف منقوشة على الصفيح. تكون الزخرفة على قبة الفانوس أو كعبه باستخدام ماكينة صغيرة تسمى "كردون". يطلق على المرحلة الأخيرة من تصنيع الفانوس اسم تجميع العفشة حيث يقوم الحرفي بلحام القطع المعدة سابقا مستخدما عدة خامات مثل "الأفونيا" وهي كتلة صفراء تشبه الجمر مصنعة من الزيوت. يستخدم اللحام مادة " "الازيز الطاهر" اي النقي ويخلطه مع الرصاص حتى يخرج في قطعة تشكيلية متناغمة>

يتفنن الصانع الشعبي في أشكال الفانوس. نجد أشكالا وأنماطا متعددة لكل منها اسم معين. أصغر الفوانيس حجما يسمى "فانوس عادي اوبز" وهو فانوس رباعي الشكل وقد يكون له باب أو يكون ذا كعب ولا يتعدى طوله العشرة سنتميترات. أما أكبرها حجماً فيسمى "كبير بأولاد" وهو مربع يوجد في أركانه الأربعة فوانيس أخرى أصغر حجما، ومنها ما يسمى بـ"المقرنس" أو "مبزبز كبير"، وهو بشكل نجمة كبيرة متشعبة ذات اثنتي عشرة ذراعاً. وارتبطت أشكال الفوانيس ببعض الأحداث التي تأثر بها الصانع الشعبي لا سيما الأحداث المرتبطة بالحرب مع العدو، فنجد فوانيس في شكل دبابة وطائرة وصاروخ.

تعد القاهرة من أهم المدن الإسلامية التي تزدهر فيها هذه الصناعة، وهناك مناطق معينة مثل منطقة "تحت الربع" القريبة من حي الأزهر والغورية، ومنطقة "بركة الفيل" بالسيدة زينب التي تخصصت في تصنيع فوانيس رمضان وبيعها بالجملة. ورغم أن الفانوس لا يظهر إلا في هذا الشهر الكريم، إلا أن صناعة الفوانيس مستمرة طوال العام، حيث يتفنن صنَّاعها في ابتكار أشكال ونماذج مختلفة وتخزينها ليتم عرضها للبيع في رمضان الذي يعد موسم رواج هذه الصناعة.

حرفة "المسحراتي"

تحول الفانوس من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطالبون بالهدايا والحلوى. كما صاحب هؤلاء الأطفال بفوانيسهم (المسحراتي) ليلاً لتسحير الناس ومناداتهم بأسمائهم أو أسماء ابنائهم، حتى أن أول أنواعه المعروفة حملت ذات الاسم "المسحراتي". لقد أصبح الفانوس مرتبطاً بشهر رمضان وألعاب الأطفال وأغانيهم الشهيرة في هذا الشهر ومنها "وحوي يا وحوي". بعد انقضاء الشهر الفضيل.. يطوف "المسحراتي" أيام عيد الفطر فيتلقي ما يسخو به الناس من نقود أو حلوي وكعك العيد.

صناعة الكنافة، والقطائف

تعتبر "الكنافة والقطائف" زينة الموائد، وألذ ما تتزين به. و"الكنافة" اسم عربي: الظل، والصون، والحفظ، والستر، والحضن، والحرز، والجانب، والرحمة ، فكنف الله: تعنى حرزه ورحمته. و"الكنافة" من نعم الله، والنعمة رحمة وحرز، ومن أكل الكنافة:"خف ظله، وعذب منطقه، وكثر بهاؤه، وربا لحمه، وصفا شحمه، وزال سقمه". ومن لا يأكلها فى الأيام العادية، لابد أن يتناولها خلال رمضان، وأصبحت من العادات المرتبطة بشهر رمضان، باعتبارها طعاماً للغنى والفقير مما أكسبها طابعها الشعبي.

يبدع كل بلد في طريقة صنع "كنافته وقطائفه" الخاصة وحشوها. فأهل الشام يحشونها بالقشطة، وأهل مكة المكرمة يحشونها جبناً دون ملح، وكنافة الجبن المفضلة لديهم على باقي الأنواع، وأهل نابلس برعوا في كنافة الجبن حتى اشتهرت وعرفت بالكنافة النابلسية. ويبقى أن بلاد الشام الأشهر في صنعها. فقد برعوا في ذلك فهناك المبرومة والبللورية والمغشوشة والعشملية والمفروكة وغير ذلك من الأنواع. وهي تحشى بالإضافة للقشطة باللوز والفستق والجوز،وتسقى بعسل النحل والسكر المعقود المضاف إليه ماء الورد.

قبل حلول شهر رمضان يقوم الحلواني بإعداد فرن خاص بتسوية الكنافة. فرن اسطواني الشكل يرتفع عن الأرض بحوالى 130 سم، وله فتحة لإشعال الغاز (قديماً كان يستخدم الجاز أو الخشب). يوضع أعلى الفرن صينية مستديرة يُطلق عليها حجر زهر، ويُستخدم مع الفرن كوز ذو ثقوب تكون صفاً واحدا، كما يُستخدم أيضاً حلة للعجين ومصفاة لتصفية العجين وكبشة عبارة عن ملعقة كبيرة لغرف العجين السائل من الحلة إلى الكوز. تبدأ صناعة الكنافة بأن يُذاب الدقيق فى الماء ليكون للسائل قوام، ثم توضع الصينية الكبيرة على النار، ويوضع السائل فى الكوز، ويقوم الحلواني بلف الكوز فى دوائر (أو في مواضع محددة في حالة القطائف) تبدأ بحجم قطر الصينية وتضيق حتى المنتصف، ويترك بعض الوقت حتى يجف، ثم يلم ويباع .

لكن حديثاً.. تم استخدام الماكينة الآلية في صنع الكنافة بدلاً من الكوز المخرم.. توفيراً للجهد والوقت، ولإنتاج كميات أكبر، فأصبحت تُعرف بـ"الكنافة الآلي". وفي محال الحلوي باتت تتوافر الكنافة والقطائف "جاهزة" حيث تباع الكنافة على شكل صوان أو قطع .

موسم عيد الفطر

يتميز عيد الفطر المبارك بفرحته الخاصة في قلوب الصغار والكبار. خصوصية تتمثل في مظاهر الاحتفال به والاستعداد لاستقباله بكل مبهج وجديد وجميل. من أهم تلك المظاهر التي يحرص عليها الجميع وخاصة الأطفال شراء كسوة العيد، التي تحولت إلى عادة أساسية يحرص عليها الأبناء، كما يحرص عليها الآباء أيضا لأنفسهم ولأبنائهم. وتتميز كسوة العيد في العديد من المناطق العربية بالعودة إلى الملابس التراثية، ربما لتميز تلك الملابس وخصوصيتها، ولما تضفيه من شكل احتفالي يعيد إلى الوجدان عبق الماضي ونكهته.

تجارة مستلزمات الأناقة والتجميل من المهن الموسمية المزدهرة، إضافة إلى الحلاقين وصالونات الأطفال. بعد شراء ملابس العيد تبدأ الاستعدادات بالتوجه لشراء أنواع الحلوى.. شرقية وغربية. "الغـُريبة والزلابية والبورمة المحشوة بالمكسرات، وانتهاء بالكنافة وكعك العيد" ما يجعل صناعة الحلويات من المهن الرائجة. وتعتبر موسم العيد موسما مربحا لتمتد بعد عيد الأضحى حيث كثير من الناس يستقبلون الحجاج بالحلويات. وإن كانت كثيرة الربح طوال العام إلا أن توجه الجميع إلى الأسواق للإعداد للعيد والشراء يجعلهم يعرجون على المطاعم ما يجعلها مكتظة بالناس كل ليلة قبل أيام العيد وخلال أيام العيد أيضا.

في عموم الدول العربية.. قبل العيد بأيام يبدأ أصحاب المراجيح والألعاب والبقيات والنطاطيات والخيول والحنطور والسيارات لإعداد وتجهيز ما لديهم من وسائل لتدب فيها "الحياة" والحركة، ومن ثم تنشط وتدر على أصحابها الأرباح.

موسم الحج، وعيد الأضحى

من مهن موسم الحج "الطوافة": استقبال الحجيج منذ وصولهم مكة المكرمة ثم إلى منى وعرفات ومزدلفة وعودتهم من المناسك الى حين سفرهم. "الأدلاء" :مسمى مشابه "للطوافة" يعمل به في المدينة المنورة ابتداءً من استقبال الزائرين لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهاء بتوديعهم. "الوكلاء" :فئة ثالثة تقدم خدمات لحجاج بيت الله الحرام وتسهل إجراءاتهم ووداعهم. "الزمازمة": يقومون بسقيا زمزم بمكة المكرمة وتوصيل الماء لكل حاج/معتمر بالمكان الذي ينزل فيه. من المهن صناعة السبح وخرطها وتنسيقها من مختلف الأخشاب والخامات والأحجار وهي صناعة تزدهر في مواسم الحج والعمرة.

قبل أيام من عيد الأضحى، وفي العديد من المدن والقرى العربية.. يبدأ حرفيون ـ بكل حماسة وتأهب وترقب ـ بنصب الخيام لحجز وبيع الأضاحي وأعلافها (التبن، الفصة والشعير والبرسيم الخ) والفحم وأشياء أخرى. بينما يوجد إقبال كبير على شراء الأواني المنزلية كأواني الفخار، والمشواة وأدوات ذبح وسلخ وإعداد الأضاحي للطهي والشواء.

في المغرب العربي.. ومع حلول "العيد الكبير"، تنتشر حرف ترتبط بالأضحية، مثل "الشناقة"، و"الحمالين"، و"العلافة". فمع عرض/ طلب الخراف والكباش، تزدهر مهنة "السمسرة"، يسميها المغاربة "تشناقت"، والذين يمارسونها "الشناقة" أو "السبايبية". أناس يقومون بشراء بعض الكباش بثمن معين، ثم يعيدون بيعها بسعر أعلى. هناك من "الشناقة" الذين يكتفون بشراء كبش واحد يوميا ويعيدون بيعه في اليوم نفسه، تجنبا لخسارة محتملة بفعل تقلبات الأسعار.

"حاملو الأكباش": مهنة لا تتجاوز مدتها الأسبوع الواحد داخل أسواق الأغنام المغربية. تجد شباباً يحملون أكباشا لإيصالهم إلى السيارة، أو يحملون الكبش بالعربات المجرورة إلى منزل الزبون. تزدحم الشوارع الرئيسة بالمدن بالعربات المجرورة التي توضع عليها أكباش الزبائن، ثلاثة أو أربعة خراف دفعة واحدة. لكل زبون وجهته الخاصة. يتم التسابق بين سائقي هذه العربات من أجل "10ـ 20 دولار في أحسن الحالات"، غير أن الربح عند سائقي العربات يكمن في عدد المرات التي يذهبون فيها غدوا ورواحا من سوق الأغنام إلى منازل الزبائن.

أما المهنة "الموسمية" الأكثر جاذبية خلال العيد في المغرب، هي بيع مواد العلف. يعرض شباب أكوام من العلف والتبن الخ على الأرصفة في الأحياء الشعبية وتقاطعات الشوارع والأزقة طلبا لـ"مصروف جيب موسمي" لا يتجاوز 3 - 4 دولارات يومياً. وحسب قوله "نجيب الريحاني" الشهيرة في أحد أفلامه: "شيء لزوم الشيء".. تري آخرين يطوفون بـ "رزم" من الحبال ويبيعونها. فكل من يشترِِ كبشاً يلزمه حبل خاص بهز

"شحذ السكاكين": في ليلة وصبيحة يوم النحر ترى حشوداً من الناس،فضلاً عن القصابين، الذين يتوافر لديهم أدوات "تجهيز" الأضاحي من عام سابق، يتقاطرون لشحذها (سنّـها)ـ بآلات تقليدية، وأخري حديثة ـ ووضع لمسات أخيرة عليا لتصبح حادة، صالحة للاستعمال.

"القصابون": في كل البقاع.. تزدهر حرفة القصاب/ الجزار، حيث يكثر "الجزارون" سواء كانوا محترفين يتقنون المهنة، أم كانوا جزارين "هواة" يتعلمون الذبح والسلخ في أكباش الزبائن. يتم ذبح

الأضاحي في منازل الزبائن حيث يمر القصابون عليها واحدة بعد أخري. قد يتم الذبح في محال القصابين أنفسهم، ثم يقوم الزبون بنقل أضحيته. ومن ثم يتم بيع جلود الأضاحي لتشكل حرفة أخري رائجة.

"ما بعد الذبح": بعد الانتهاء من ذبح الأضاحي، توجد حرف أخرى مقرها الأزقة والساحات والشوارع المغربية، وهي مهنة "شي رؤوس الأضاحي". ثمن شواء رأس الخروف حوالي دولارين. ربح لا يصل إلى ما يتم تحصيله من حمل الكباش عبر العربات المجرورة. كما أن مدتها قصيرة جدا، حيث لا تتجاوز الفترة التي تلي ذبح الأضحية فتكون بالتالي أقصر مهن العيد الموسمية.

فن جداريات الحج

بعد "النقلة الفارقة الجديدة"في حياة العائدين من الرحلة المباركة.. حجاً وعمرة. ثمة مظاهر للاحتفاء والاحتفال والتوثيق الشعبي لها. الرسومات علي جدران منازل الحجيج والمعتمرين لا تعد إعلاناً للفرحة، وإشاعة للبهجة، ومشاركة وجدانية، وأبهة اجتماعية، وتذكيراً بالرحلة، فقط، بل إنها تعكس ـ في آن ًـ حرفة وموهبة وإبداعاً للفنانين الشعبيين.. رسماً وتشكيلاً، وخطاً.

لكل قرية/ بادية فنانوها الذين يجيدون هذا الفن الشعبي، ولكل منهم أسلوبه الذي يتفرد به. فمنهم من يكثر من استخدام الرسومات والمناظر على حساب بعض الآيات القرآنية، أو الأحاديث النبوية، أو الأقوال المأثورة. ومنهم من يكثر من الأخيرة علي حساب الأولي. وقد يتطوع بالرسم والزخرفة أحد أقارب الحاج أو أصدقائه. إن أغلب الرسامين الذين يبدعون هذه الرسومات "فنانون بالفطرة". فنانون لم يصقلوا موهبتهم بدراسة أصول وقواعد الرسم. لقد علموا أنفسهم بأنفسهم، ونجحوا في تأسيس هذا الفن الشعبي والحفاظ عليه. هم يحظون بالاحترام في مجتمعاتهم، وبعضهم يعمل مدرسا للرسم في مدرسة القرية. والبعض قد لا يجيد القراءة والكتابة فتخلو لوحاته من الآيات القرآنية.. وتأتي مزيجاً من الألوان العاكسة للشعائر بما فيها من خضوع وخشوع من جهة، وجمال الريف/ البادية من جهة أخري.

إجمال القول: لكل مناسبة حرف ومهن وخدمات ترافقها وتروج فيها. وبعد انتهائها تعود تلكم الحرف والمهن والخدمات إلى ما كانت عليه من سابق عهد. بيد أن أصحابها والمستفيدين منها يتمنون أن تبقى الأيام كلها مناسبات وأعياد.