هل لجوء النظام المجرم لورقة الطائفية هي للترهيب
هل لجوء النظام المجرم لورقة الطائفية
هي للترهيب, أم أنها تعني شيئاً آخر؟
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
كان النظام في سورية يعتمد في بقائه ومن خلال إشاعات يبثها بين الجماهير , عندما أوصل الشعب لوضع قد يتفجر في أي لحظة , نتيجة الفقر والبطالة والإقصاء لفئة غالبة من المجتمع السوري لحساب فئة أخرى لها نفوذ واسع وفي كل المجالات في مراكز الدولة المختلفة , وهي حالات تراكمية اعترف فيها رأس النظام في خطابه الأخير , وكان لهذه الإشاعات وقع كبير على نفسية الجماهير وخصوصاً بعد الغزو الأمريكي للعراق والحرب الأهلية التي اشتعلت فيها بعد ذلك , لذلك أوصل لهم النظام أمامكم اختيارين لاثالث لهما : الأمن بوجود النظام وفقدان الأمن بزوال النظام
وعندما كنت تسأل المواطن السوري عن الوضع في سورية قبل الثورة يقول الحمد لله بكفينا الأمان الذي نعيشه , حتى لايحصل عندنا كما حصل في العراق , والدليل عند السلطة هو التنوع العرقي والطائفي في سورية , وأن النظام الحالي هو الوحيد القادر على منع أي حرب أهلية قادمة والتفكير بإزالة النظام يعني التفكير بحرب أهلية معدة من قبله سلفا
فالنظم الإستبداية أو الأنظمة الشمولية كلها على مدى التاريخ تلعب نفس اللعبة وتعتبرها من أهم ركائز بقائها , في تخويف المجتمع من الفتنة العرقية أو المذهبية أو الإثنية , وإن كان المجتمع لايملك مثل هذه الخصائص فهو يعتمد بشكل مباشر على إيجاد عدو خارجي , يستخدم العدو الخارجي في إخافة الجماهير منه , وأن وجوده هو الذي يمثل بقاء الدولة بدون احتلال خارجي , ويخير معارضيه بين بقائه كنظام , أو احتلال من الولة العدوة والتي صنعها لنفسه
علينا أن نكون واقعيين جداً في تحليل الواقع داخل سورية والصراع الموجود حالياً بين عامة الشعب والسلطة
السلطة تنتمي إلى الطائفة العلوية ذات الأقلية النسبية في سورية , مفاصل الدولة تقع بيد السلطة الأمنية , يقود هذه السلطة العناصر الموالية للنظام من نفس الطائفة , بالإضافة لقيادات الجيش السوري , والحرس الجمهوري ذو الغالبية المطلقة من الطائفة العلوية , ويدعمه بقوة أقليات أخرى موجودة على الساحة السورية , هذا التركيز على مفاصل الدولة الفاعلة والمؤثرة , تمايزت في المرحلة الأخيرة حول عائلات معينة من الطائفة العلوية , والتي تزاوجت مصالحها مع رأس المال لعدد من العوائل السنية , ويظهر جلياً في السيطرة الطائفية من خلال القبضة الأمنية والجيش والمواقع الحساسة , ومع فئة من الطائفة السنية , وبالتالي يظهر جليا , بأن الطائفة العلوية بغالبيتها وقد تصل النسبة لثمانين بالمائة وضعها المعيشي والحياتي لايختلف عن وضع الطائفة السنية
وبما أن السنة يمثلون ثمانين بالمائة من الشعب السوري , فإن الثورة السلمية تبدو للعيان على أنها سنية بحتة , وكأنها ثورة طائفية , وهذا السبب ركز عليه النظام وأخاف فيه طائفته أولا وبقية الطوائف ذات الأقلية من المجتمع السوري , فحتى المتضررين منهم والذين هم ضد النظام في الأصل انقسموا لفريقين فريق ارتأى الوقوف على الحياد وفريق نسبته قليلة جدا وقف مع المعارضة أو مع الثورة
وعندما وجد النظام أن الشعب السوري تحرر من عقدة الخوف السابقة , وتصاعدت المظاهرات المطالبة بإسقاطه لم يجد مفراً من التركيز مرة أخرى على الورقة الطائفية والتهديد بهذه الورقة , مابين اختيار الشعب لبقاء هذا النظام المجرم أو الحرب الأهلية بأدلة واقعية وملموسة في توريط فقراء الطائفة من الشباب المعدومة عن طريق دفع أموال لهم كانوا لايحلمون فيها مع شحنهم طائفياً والإستعانة بحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني لزيادة هذا الشحن الطائفي , وتخويف الغالبية السنية والتي تقود الثورة من الحرب الأهلية
فالسؤال هنا :
هل ستنجر الطائفة العلوية لحرب مع الطائفة السنية في حال لم تتراجع الطائفة السنية عن الثورة ؟
فالنظام السوري يعتمد بقاء وجوده ليس على دعم طائفته فقط وإنما على دعم الطائفة السنية والطوائف الأخرى , وفي حال انجرت الطائفة العلوية لحرب مفتوحة مع الطائفة السنية , فإن الجيش والأمن يشكلان نسبة ثمانين إلى تسعين في المائة منهما , وبالتالي فالجيش هنا لن يقف على الحياد وكذلك الأمن , وفي هذه الحالة النظام يفقد أهم ركيزتين لوجوده هو الدولة الأمنية والجيش معاً , وكذلك سوف يفقد الدعم الإقتصادي من التزاوج مع رأس المال السني
نصل لنتيجة أولى أن النظام المجرم أكثر مايخشاه هو أن تتحول الثورة من ثورة سلمية إلى ثورة ذات صبغة طائفية بحتة , وهو بالتالي يهدف من وراء افتعال هذه الأزمات من خلال الشحن الطائفي أن تبق في حدودها الضيقة , هي للتخويف وإخماد الثورة والعودة للوضع السابق قبل الثورة , حتى يقنع الشعب السوري مرة أخرى بأنه لابديل عن هذا النظام حتى لاتكون هناك حرب أهلية في سورية
وهنا على الثوار أن لايخافوا من هذه اللعبة , ولتستمر الثورة السلمية حتى اسقاط هذا النظام المجرم , فقد وضحت الصورة أمام الجميع أن عدوه الوحيد هو الشعب السوري وليس عنده عدو آخر وأن هذه الثورة ليست طائفية ولا تخص طائفة السنة فقط وإنما هي لصالح الجميع ومن كل مكونات المجتمع السوري , في بناء دولة حديثة تقوم على العدل والحرية ولجميع المواطنين.