مراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر 16
مراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر
-16-
د. موسى الإبراهيم
ثانياً ــ أهم إنجازات الحركات الإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين
هذا ورغم كل تلك الظروف القاسية التي مرت بها الحركات الإسلامية فقد استطاعت أن تشق طريقها وتغالب الزمن وتتعالى على المحن والشدائد والجراح، وقد تركت تلك الحركات وراءها تجربة رائدة في العمل الإسلامي، وضعت بمواقفها وتضحياتها تاريخاً مشرفاً لا بد أن يشهد له كل من يؤرخ لهذه الحقبة من الزمن.
وسأعرض هنا – بشيء من الإلماح السريع – لأهم الانجازات التي حققتها تلك الحركات، وسأذكر كذلك أبرز الإخفاقات التي لم تستطع تجاوزها فعُدت ثغرات في مسيرتها، كل ذلك على سبيل الاعتبار، وفي سياق فهم حقيقة الحركات الإسلامية التي نريد لها أن تمارس دورها المأمول اليوم في إعادة بناء الثقة بين قادة الأمة وشعوبها من أجل إيجاد جبهة داخلية قوية تستطيع الحفاظ على كرامة الأمة وتأمين أجواء الحرية والأمن والرفاه لها إن شاء الله. وليكون ذلك تمهيداً طبيعياً لموقف شجاع تتبوؤه الأمة كلها وتقف في وجه الكيان الصهوني فتستعيد مقدساتها وتستعيد أمجادها وحريتها التي لن تعود بغير الإرادة الجادة وبغير الكفاح والجهاد المقدس – الذي تفرضه في حالتنا الراهنة – شرائع السماء وقوانين الأرض كلها بلا خلاف.
وعليه فإن أهم تلك الانجازات ما يلي:
1 – تربية المجتمع على الإسلام
لقد وفقت الحركات الإسلامية بعون الله إلى تربية المجتمع المسلم على الإسلام فهماً وسيرة وأخلاقاً، وخاصة قطاعات المثقفين رجالاً ونساءً، وهذه التربية التي نعنيها قد أصبحت ظاهرة بارزة في العالم الإسلامي، وهي ما يعبر عنها اليوم بالصحوة الإسلامية، وهي وإن لم تكن شاملة لكل المجتمع فهي ملموسة ومقدرة في شتى اتجاهاته والحمد لله، ولا ينكر ذلك إلا اليائسون أو المغفلون.
2 – رفع مستوى الوعي عند المجتمع المسلم
وتلك ظاهرة ملموسة أيضاً، ويدركها كل العقلاء المتتبعين لمسيرة المجتمع وحراكه، فقد ازداد الوعي وتوسعت آفاقه ونمت المدارك الفكرية والاجتماعية والسياسية، وأصبح في المجتمع تيار قادر على فهم المعادلات الدولية وشبكة العلاقات المعقدة جراء تطور الحياة واتساع المعرفة وسرعة الاتصالات، كل ذلك من المنظور الإسلامي الذي تتبناه الحركات الإسلامية الإصلاحية المعاصرة.
3 – التفوق وتحقيق الانتصار الكبير في مجالات الفكر الإسلامي
وتلك من أوضح وأهم إنجازات الحركة الإسلامية المعاصرة، فقد حققت تفوقاً مقدراً في ميادين الفكر ضد التيارات المستوردة والوافدة على العالم الإسلامي، وقد انتقلت الحركة الإسلامية في هذا الميدان من موقف الدفاع والرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام إلى مرحلة عرض قيم الإسلام الحضارية بكل فخر واعتزاز وبكل قوة، مما حقق هزيمة ساحقة لكل الأفكار التي تناوئ الإسلام وتتهمه، ومن أبرز دللت هذا الذي نقول ما عرفه الجميع من انتشار الكتاب الإسلامي والشريط الإسلامي والمواقع الإسلامية على الشبكة الدولية – الإنترنت – بل إن المعارض الدولية للكتاب تشهد دائماً بتفوق الطلب على الكتاب الإسلامي مما يجعله أكثر الكتب والمنشورات تداولاً بين أيدي الجماهير والحمد لله.
4 – الثبات أمام المحن والشدائد
وهذا من أهم ما يسجل للحركة الإسلامية، حيث إنها رغم المحن والسجون والمعتقلات وأعواد المشانق ومحاولات التشويه والتشكيك، رغم كل ذلك فقد ثبتت تلك الحركات الإسلامية على مبادئها وثوابتها وأخلاقياتها وأدبياتها حتى الآن ولله الحمد، بل كانت تخرج من كل محنة أشد تصميماً وأشد عزيمة، وتعتبر كل ما أصابها إنما هو في سبيل الله، وتدخر أجره عن الله تعالى ليوم القيامة، بل إن الكثيرين من قيادات الحركات الإسلامية الذين امتحنوا وسجنوا ولاقوا أصناف التعذيب النفسي والبدني، كانوا رغم كل ذلك يصرحون بالسماح عن جلاديهم ويدعون لهم بالهداية، ولم يحملوا عليهم ذرة من حقد معتقدين أن ما أصابهم لا ينبغي إضاعة ثوابه بالحقد على من ظلمهم، إنها والله التربية الربانية وحدها !!
5 – الجهاد الإسلامي في فلسطين من 1948م وحتى الآن
ومن أهم إنجازات الحركات الإسلامية ذلك الجهاد الإسلامي الذي قام به قيادات الحركات الإسلامية وقواعدها، وكانوا طليعة للشعوب المسلمة في هذا الميدان وفي الأرض المباركة فلسطين على وجه الخصوص.
ولقد سجلت تلك الحركات الإسلامية ملاحم بطولية لن ينساها لها التاريخ، ويشهد لها بذلك الأحياء اليوم من الأصدقاء ومن الأعداء على حد سواء، بطولات ملء السمع والبصر، وقد استطاعت تلك الحركات الإسلامية بتجردها وحسن سياستها وحنكة قياداتها، استطاعت أن تقنع كافة التيارات والفصائل الفلسطينية بخطها الجهادي فساروا وراءها بعد زمن من التيه والضياع وراء شعارات لم تحقق لهم حلماً ولا أملاً.
ولا داعي للإطالة هنا، فنحن والناس أجمعون شهداء على هذا الإنجاز الرائد المتواصل الذي تحتسبه الحركات الإسلامية عند الله تعالى، ولا أقول تفاخر به أمام العالم.
6 – سقوط التهم المزيفة التي كانت توجه للحركات الإسلامية
فقد مر حين من الدهر كان العلمانيون واليساريون والقوميون – وغيرهم من ذوي الاتجاهات اللاإسلامية – كانوا لا هم لهم غير كيل التهم للحركة الإسلامية، تهم العمالة للدول الأجنبية،وتهم الخيانة للوطن، وتهم الرجعية والوصولية ... إلخ، وبمرور الزمن وتقلب الأحداث والأحوال فقد ذهر للناس جميعاً صدق الحركات الإسلامية وإخلاصها، بل ووظيفتها التي يزايد بها الكثيرون، كما تكشفت للعالم كله من هو المتهم الحقيقي بتلك التهم التي كانت توزع جزافاً !!
وهذا الأمر لم يعد يقبل إلا الاعتراف بالواقع المشاهد الملموس ولا يملك أحد المكابرة فيه كائناً من كان، اللهم إلا خفافيش الليل التي لا تستطيع العيش إلا في الظلام.
7 – إنجازات هوامش الحرية "تقدم نحو مواقع القرار"
لقد استطاعت الحركات الإسلامية رغم كل العقبات التي وضعت أمامها أن تحقق انتصارات مميزة ومقدرة في كل مرة تفتح لها بعض الهوامش من الحرية، سواء في ذلك الاتحادات الطلابية أو النقابات المهنية أو المجالس البلدية أو البرلمانات التشريعية أو غير ذلك.
ومصر والسودان والأردن والجزائر والكويت وتونس والمغرب واليمن وتركيا شواهد على ذلك.
ومن هنا قرر الغرب وتلاميذه في البلاد الإسلامية حظر الحرية والديمقراطية على العالم الإسلامي خشية وقوعه في أيدي الإسلاميين الأصوليين الذين يقلبون الديمقراطية إلى ديكتاتورية!
بل إن هوامش الحرية هذه عندما أتيحت في بعض البلدان الإسلامية تقدمت من خلالها الحركات الإسلامية ووصلت إلى المشاركة في الحكومات بل وتسلمت مواقع القرار في أكثر من تجربة معروفة ومشهورة والسودان والأردن والجزائر واليمن وتركيا أمثلة على ذلك.
ولا بد من القول هنا إن كل تجربة من هذه التجارب الديمقراطية تحتاج إلى دراسة مستقلة ومتأنية لمعرفة خلفياتها ومواطن القوة والضعف فيها ولمعرفة مواطن الخلل أيضاً، كل ذلك من أجل الإفادة منها والاعتبار بها مستقبلاً.
تلك هي إلماحة سريعة إلى أبرز إنجازات الحركات الإسلامية في مسيرتها النصف قرنية الماضية، فما هي إخفاقاتها؟ وما مظاهر الخلل في مسيرتها؟ أم أنها لا تعرف إلا الإيجابيات؟