مصطلحات عربية
مصطلحات عربية
حسام مقلد *
كثيرون هم من كانوا يتهمون العقل العربي بالضحالة وينعتون القريحة العربية بالعقم والنضوب وعدم القدرة على الإنجاز الحضاري، ويصفونها بالعجز عن مجاراة العقلية الغربية ولو حتى في إبداع بعض العبارات أو المفردات والتراكيب اللغوية المبتكرة في أي مجال من مجالات الحياة، وظل هذا الوضع البائس على هذه الحال المذرية حتى فاجأ الشباب العربي العالم بثوراته العارمة في عدد من العواصم العربية، وهنا بدأ القاموس السياسي والاجتماعي العالمي يثرى وينتعش بعد تعرفه على أحدث الابتكارات العربية في هذا المجال، وبدأت وسائل الإعلام العالمية في تغطياتها للربيع العربي تبث وتردد الكلمات والمصطلحات الجديدة التي صكتها القريحة العربية الحداثية الجديدة على ألسنة الزعماء والقادة العرب أو من خلال وسائل إعلامهم الببغاوية، ومن هذه المصطلحات: (جرذان، زنقة زنقة، جراثيم، مندسين، شبيحة، بلطجية، بلاطجة، فلول، ثورة مضادة...إلخ).
وطبعا يختلف تفسير معنى ومدلول هذه المصطلحات من شخص لآخر، كما يختلف الموقف منها بالقبول أو الرفض بحسب مصلحة كل طرف من المعنى المقصود، فمن اعتبرهم القذافي ونظامه جرذانا يُعِدُّهم الشعب الليبي ثوارا ومجاهدين شرفاء يقاومون بطش وجبروت الطاغية الذي حكمهم وجثم على صدورهم أكثر من أربعة عقود، ومن استعان بهم نظام مبارك لمواجهة المتظاهرين في ميدان التحرير وزودهم بما يحتاجون إليه من عدة وعتاد كالحمير والجمال والخيول والعصي والحجارة هم عينهم البلطجية من المجرمين والرعاع وأرباب الجرائم ورد السجون أو من يوصفون في مصر بكلمة (سوابق، أو مسجلين خطر) ومن يعتبرهم النظام السوري مندسين وجراثيم وعملاء وخونة ومتآمرين على سوريا الحرة المقاومة الممانعة (...!!) هم أنفسهم أبناء الشعب السوري الطيبين الثائرين غضبا لكرامتهم الذين يناضلون أعتى وأشرس الأنظمة العربية من أجل نيل حريتهم والعيش بكرامة كبقية خلق الله !!
وفي ظل هذه الفورة الشبابية، ومع ازدياد زخم الثورات العربية وتفشي استخدام مصطلحاتها الجديدة خفت حديث الإفك الذي كانت تردده الأنظمة العربية البائدة التي تهاوت، أو تلك التي في طريقها إلى السقوط والانهيار، فلم نعد نسمع في تونس عن (المعجزة الاقتصادية) التي حققها نظام ابن علي، ولم نعد نسمع في مصر قصائد الغزل في حكمة الرئيس المخلوع مبارك التي ظلوا يوهموننا بأن قادة وزعماء العالم يرتشفون من ينبوعها الصافي ، فتحت رعاية فخامته وبإشارة واحدة من سبابته كان الزعماء يجتمعون وحوله يتحلقون لينهلوا من حصافته وحكمته وبُعْدِ نظره، وفي غضون أيام أو أسابيع لم نعد نسمع في مصر عن شباب (لجنة السياسات) وعبقريتهم السياسية والاقتصادية و(الحكومة الذكية) التي جنَّبت مصر ويلات الأزمة المالية العالمية وحققت نموا فاق كل التوقعات(طبعا كان للبشوات فقط!!) ولم نعد نسمع شيئا عن طرائف وابتكارات سيف الإسلام القذافي التي لا تقل غرابة عن طرائف والده المفكر الفيلسوف الحبر العلامة الفهيم الفهامة ملك ملوك أفريقيا، وصاحب النظرية العالمية الثالثة التي ملأت الأرض الليبية عدلا ونهضة ورقيا وتقدما، حتى غزا الشعب الليبي الفضاء بعد أن امتلك الأرض وحقق أقصى درجات الرخاء والرفاهية والازدهار !! ألا يكفي دليلا على عبقرية الزعيم الليبي الأخ العقيد أن نشاهده في مخبئه تحت الأرض وهو يلعب الشطرنج مع بطل العالم، بينما طائرات حلف الأطلنطي تدك قصوره الرئاسية فوق الأرض!! أليست هذه عبقرية ؟!! هل عرف العالم إبداعا أروع من هذا؟!!
غير أننا في زحمة الثورات العربية وفي غمرة انشغالنا بمطاردة البلطجية والفلول والشبيحة من شارع لشارع ومن حارة لحارة ومن زنقة لزنقة ومن بيت لبيت...يجب أن نتذكر مصطلحات أخرى يمكنها أن تقض مضاجعنا قريبا ـ لا سمح الله ـ من قبيل: الجوع، الفقر، أزمة أنابيب الغاز، شهداء طوابير الخبز، نقص الوقود، تفشي ظاهرة البطالة والعاطلين عن العمل، تفاقم أزمة الديون، شبح الإفلاس...إلخ!! وما أزمة اليونان منا ببعيد!!
كما يجدر بنا أن نحزم أمرنا سريعا ونحسم مواقفنا بخصوص مصطلحات وقضايا خطيرة مثل: الدولة المدنية، العدالة الاجتماعية، الحرية، الديمقراطية، احترام رأي الأغلبية، عدم الالتفاف على إرادة الشعب، احترام حقوق الإنسان، وقف المحاكمات العسكرية، التوافق أو الوفاق الوطني، قبول الآخر والتوقف عن إقصائه وتهميشه، نشر ثقافة التسامح والتغافر والتكافل والتعاون، تقديس العمل والحرص على إتقانه وإنجازه على أكمل وجه.
ويتوجب علينا بعد الثورة إلغاء المصطلحات التالية من قاموس حياتنا قولا وعملا: الفهلوة، التهليب، الواسطة، المحسوبية، شيلني وشيلك، فتَّح دماغك، ملناش دعوة، على قد فلوسهم،...وغير ذلك من الكلمات والعبارات التي تكرس ثقافة السلبية والأنانية في المجتمع، فهذه البلد هي بلدنا، وهذا الوطن هو وطننا، وهذه الأمة هي أمتنا، ومصلحتها هي مصلحتنا؛ فما يصيبها من مكروه فنحن أول المكتوين بناره، وما تحققه من تقدم ورخاء وازدهار فسنكون من المستفيدين به، فلم نعد مهمشين مغبونين كما كان في السابق!!
* كاتب إسلامي مصري