الأسد تحدث طويلاً ولم يقل شيئاً

محمد فاروق الإمام

الأسد تحدث طويلاً ولم يقل شيئاً!!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

يوم أمس وقبل أن يخطب السيد الرئيس بشار الأسد كتبت مقالاً تحت عنوان (هل سيقول الأسد كلاماً يرضي الشارع السوري؟!)، قلت فيه (إذا أراد بشار الأسد في خطابه المرتقب أن يرضي الشارع السوري ويدمل جراحه عليه أن يعلن عن خارطة طريق تنهي هذا النظام بطريق سلمي سلس، يقوم على نقل صلاحياته إلى مجلس مؤقت من عسكريين لم تتلوث أيديهم بدماء من سقط من شهداء ثورة الحرية، ومدنيين مشهود لهم بالنزاهة والاستقلالية والوطنية بضمانة عربية ودولية في وقت أقصاه ثلاثة أشهر، يطلق خلالها كل المعتقلين السياسيين قبل الثورة وبعدها، وعودة اللاجئين الذين فروا من عمليات القمع والقتل والاعتقال إلى البلدان المجاورة، وفتح أبواب الوطن لعودة المنفيين منتصبي القامة ليشاركوا في بناء سورية الجديدة، وإن كان خطاب السيد الرئيس مليء بوعود (س.. وسوف) وتشكيل اللجان وتعيين أطراف الحوار، فإن هذا لن يجد قبولاً عند الجماهير السورية التي لن ترضى بأقل من رحيل النظام ولا شيء غيره).

الرئيس بشار الأسد ونظامه السادي لا تهضم معدته مجريات الحقائق على الأرض كما توقعت، فعقله المنغلق لا يستوعب النصائح والدروس وإن أتته من أقرب المقربين وأصدق الأصدقاء، وهذا ليس جديداً على عقلية هذا النظام الذي لا يرى إلا ما يراه، ففي عام 2005 وفي تجمع للمفكرين العرب في دمشق، توجه المفكر العربي محمد صالح المسفر، الذي يحب سورية حتى النخاع ويخاف عليها كما تخاف الأم الرؤم على وليدها، توجه إلى الرئيس بشار، وكان بصحبة عدد من المفكرين العرب المرموقين والذين يشار إليهم بالبنان قائلا: (سيادة الرئيس بشار أؤكد لكم أمام هذه النخبة العربية بأنه لا عاصم لسورية الحبيبة شعباً وحكومة وحزباً وسيادة من طغيان الطامعين في سورية الحبيبة إلا باللجوء إلى الشعب، وإعطاء الحريات في التعبير عن الرأي وكشف الفساد والمفسدين وفضح المتاجرين بسيادة الوطن ومقدراته، وتشكيل حكومة اتحاد وطني تجمع كل أطياف المجتمع السياسي السوري وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وبذلك نستطيع مواجهة التحديات). وكان رد بشار: (نحن نعمل على ذلك في الوقت المناسب ولا ننتظر أن يعلمنا أحد ما علينا فعله).

أما رد الرئيس بشار على نصائح الأشقاء الأتراك في خطابه فكان وقحاً ولا يعبر عن أبسط قواعد العرف الدبلوماسي والإحساس بالمسؤولية وحق الجوار، واحترام هذه النصائح التي تخرج من قلب محب خائف على سورية وكيانها وأهلها، كان رده قاسياً لا يليق بقادة تركيا الذين ذهبوا بعيداً في العلاقة مع سورية عندما أقامت مع النظام تحالفاً استراتيجياً وربطت مصالحها بمصالحه وأخرجت النظام من عزلته وفرضت على الغرب الانفتاح عليه والتعامل معه اقتصادياً ودبلوماسياً وأمنياً، فكان جزاء كل ذلك كجزاء المهندس سنمار من النعمان الذي شيد له قصراً فريداً ما ملكه أحد في عصره فألقاه من سطح القصر وأنهى حياته، وهذا ما فعله بشار بالأشقاء الأتراك عندما رد على نصائحهم بقوله: (إنه لا ينتظر دروساً من أحد بل سيعطي دروساً للآخرين).

بشار الأسد الذي اختار في هذه المرة أن يتحدث في أهم صرح علمي في دمشق وأمام نخبة من القادة العلميين في البلد لم يختلف الحضور فيها عن جوقة المطبلين والمزمرين والصداحين والمادحين والمصفقين في مجلس التهريج (مجلس الشعب)، الذين قربهم النظام ولقنهم ما عليهم فعله، في عملية إفساد مقنّن للمجتمع في كل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات العلمية والفكرية، الذين رأيناهم وقد ضجت بهم القاعة بين كل مقطع ومقطع من خطاب السيد الرئيس (الخاوي من كل مضمون إلا اللهم من س.. وسوف) يصفقون كالأطفال ويصدحون كالأنعام، ويتسابقون بعد إنهاء خطابه لعناقه وتقبيل يده والتمسح بجلابيب سترته، وهذا ما أراده الأسد الأب وظن الأسد الابن – واهماً – أن هذا ما يجب عليه أن يكون الشعب، وقد ولجنا القرن الحادي والعشرين، وأن جيل اليوم هو ليس من أجيال التيه الذين ضلوا في صحراء النظام لأربعين سنة طريق الحرية بفعل القهر والقمع والقتل والسجن والنفي، وأن هذا الجيل لا يمكن أن يكون كالأجيال التي سبقته خانعاً ذليلاً ارتضى العيش مرغماً في نفق مظلم اختاره له الجلاد وسط تعتيم ورضاً عالمي يبحث عن المصالح والمكاسب، وهو يعيش اليوم في دوحة عالم الاتصالات المتقدمة والمتطورة، والتي تناطح الشمس نوراً والقمر ضياءاً، وتفرض على العالم أن يحاكي الحقائق ويتفاعل معها ويعترف بحق الشعوب في اختيار حكامها وأنظمتها وطموحاتها في العيش بسعادة ورفاهية وحرية وديمقراطية وتداول سلمي للسلطة كباقي شعوب الأرض، وهذا ما لم تستطع معدة النظام السادي في دمشق من هضمه والتفاعل معه والقبول به.

لن أنصح النظام السادي الذي يستبيح سورية وأهلها، ولن أطلب منه ما عليه فعله والقيام به، وقد ملّ الكتاب والمفكرون والساسة من فعل ذلك، لوقف حمام الدم والخروج من هذا المأزق الذي جر البلاد إليه، وقد صك أذنيه ووضع عصابة على عينيه، فهو لا يريد أن يرى شلالات الدماء، ولا أن يسمع نحيب الأرامل وعويل الثكالى وبكاء اليتامى وتعثر خطى الهائمين على الحدود طلباً للنجاة من مطاردة شبيحته، فقط أذكره بأن كل جيوش المطبلين والمزمرين والصداحين والمصفقين الذين يجيشهم في هذه الأيام لن ينفعوه في شيء، إلا كما نفعوا شاوشسيكو وزين العابدين بن علي وحسني مبارك، وأن موسكو وبكين لن تستطيعا أن تحولا بينه وبين مصيره المحتوم الذي ينتظره إن عاجلاً أو آجلاً، فتلك سنة الحياة ونهاية المستبدين والظالمين والساديين والتاريخ مليء بالأمثلة ولا حاجة لذكرها، وأقول له إننا سنظل نتظاهر بعزيمة لا تلين وإرادة لا تفل في انتفاضة سلمية ونستقبل نيران أسلحتك الفتاكة بصدورنا العارية مهما كثرت التضحيات وغلا الثمن، وسنعمل على رفع وتيرة تظاهرنا عمودياً وأفقياً رافضين أي تدخل أجنبي حتى يحكم الله بيننا وبينك!!