حامد طاهر.. عاشق القاهرة!

صلاح حسن رشيد /مصر

[email protected]

يقول العلاَّمة/ الطاهر مكي: "ثلاث صفات رئيسة هي أعمق وأظهر ما رأيته في شخصية حامد طاهر، هي: العفوية، والسخرية، والطموح، وكلها تتجلَّى  واضحةً في سلوكه وتعامله؛ فظاهره مزيجٌ من الرضا والبساطة، وباطنه عالمٌ من التمرد والانفعال، وحين تحتدم كل هذه الأشياء في داخله؛ فإنها تُعَبِّر عن نفسها في إبداعٍ يتَّسم بالبساطة الرائقة، التي لا تعرف الصناعة، أو التَّكلُّف"!

وعن أثر دار العلوم فكرياً وأدبياً ولغوياً؛ بالنسبة له، يقول الشاعر حامد طاهر: "كانت دار العلوم بداية مرحلة هامة، فقد حقَّقتُ فيها معظم تصوُّراتي، وأحلامي الشعرية، ونَعِمتُ فيها برعاية أساتذةٍ كبارٍ، يُقَدِّرون الموهبة الشعرية، ويعملون على صقلها".

 وعن طبيعة الشعر الذي يؤمن به، ومفهومه، يضيف حامد طاهر قائلاً: "الشعر وعي .. والشاعر مسئولٌ، ومُلتزمٌ، بل منضبطٌ؛ إنه في رأيي مُبدِعُ نظامٍ، ومُخترعُ بِنيةٍ لغوية، وكِيانٍ شعوري متناسق الأطراف والزوايا .. هكذا فهمنا الشعر من تراثنا العربي، ولم يُضلِّلنا عنه ما قرأناه من النظريات النقدية الحديثة، بل إنها عمَّقتْ وعينا به"!

 أثناء حضور حامد طاهر في مهرجان الجنادرية بالسعودية عام 1997م، أرسل تحيَّةً شعريةً إلى الشاعر/ محمد الفيتوري، قال فيها:

أيها الشاعرُ الكبيرُ سلاماً    في زمانٍ فقدتُ فيه السَّلاما

أنتَ أيقظتَ أُمَّةً من كراها    حين كانت إفريقيّا أحلاما

وتمسَّكتَ بالعروبةِ حتى      ترفعَ الرأسَ، أو تُحِدّ الحُساما

ما الذي كان في ضمير المقاديرِ  لهذي البلاد كي تُستضاما؟!

 فردَّ عليه الفيتوري قائلاً:

يا أخا الشعرِ والهمومِ، ولن    يجرؤَ مثلي عليكَ أنْ يتسامى

ليست الشمسُ غيرَ ما ترى   ولقد تُؤْثِرُ بعضُ العيونِ أنْ تتعامى!

فلتكن أنتَ، أو أنا، أو كلانا     مثلما نحنُ .. عِزَّةً ومُقاما!

نتجلَّى صمتاً، ونبكي غناءً      ونُغَنِّي حُزناً، ونفنى غراما!

 وقد عرَّف حامد طاهر الشِّعرَ في قصيدته"متى يجئ المطر" فقال:

الشِّعرُ كالمطر

يجئُ زخَّةً خفيفةً

وقد يجئُ كالشَّلاَّل

فيغمرُ السُّهولَ والتِّلال

ويُنْبِتُ الزهورَ في ذوائبِ الجِبال

الشِّعرُ كالقدر

يُعطيكَ ما تريد مرَّةَ، وينتظر

كأنما يُحِبُّ أنْ يراكَ تعتصِر!

الشِّعرُ نفحةٌ من السماءِ

ينالها مَن يُتْقِنُ السَّهَر

الشِّعرُ كائنٌ جميلٌ

لكنه بخيل!

  ويشير الناقد/ محمود الربيعي إلى أنَّ مدينة حامد طاهر هي مدينة خاصة، لها سماتٌ من المدينة الرومانسية، والواقعية، ومدينة الضياع، ومدينة الحزن، ولكنَّ لها بعداً أُسطورياً، يتأرجح بين الحقيقة والخيال؛ فمدينة حامد طاهر هي القاهرة دون سواها!

 يقول حامد طاهر في قصيدته"مدينتي في المساء" مُصوراً حياة القاهرة، وهي تبدو ذاهلةً في الليل عن كل شئ، مشغولةً بنوعٍ آخر من صُنع الحياة؛ ففيها تقوم الطيور والأطفال بدور العنصر الفعّال- على حد وصف محمود الربيعي- في حين تكون النساء بؤرة الفعل الشعري:

أسطورةٌ هو المساءُ في دروبِ القاهرهْ

يسقطُ كالنسر؛ فيُخفي ظِلُّه المآذنَ المُبعثرهْ!

 وفي ديوانه المُتخيَّل(النُّباحي) يستخدم حامد طاهر السخرية، والفكاهة مُنطَلقاً لتعرية واقعه؛ فيقول:

يظنُّ   واحدكم   أن   الخلودَ  له         وأنه من سهامِ الموتِ محروسُ!

يُقعي على العرشِ مشدوداً به أبداً         كأنه ضفدعٌ بالجِنِّ ملموسُ!

وحوله   زُمرةٌ   تشدو     مدائحه           وعقله من طبولِ المدحِ ملحوسُ!

وينحني بكبرياء

 فوق حوائطِ البيوتِ، ويدخلُ النوافذَ المُنتظرهْ

يلُفُّ أذرُعَ النساءِ، يرتمي على مقاعدَ مُكَسَّرهْ!

يذهبُ بالأطفالِ مُبعداً، مُحَلِّقاً على سحائبَ مُهاجرهْ!

ونتيجة لفساد الحياة الأدبية، وشيوع الشللية؛ أهدى حامد طاهر شعره إلى" القُرّاء الذين يُحبون الشعر؛ لأنه يائس من النقاد، ومن أجهزة الإعلام"! أولئك الذين لا يحفلون بالموهوبين؛ وإنما بمن لا موهبة له!

.....................................

وُلد حامد طاهر عام 1943م في محافظة الدقهلية بمصر، والتحق بالأزهر الشريف، ومنه دخل كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، فنال شهادتها، ثم الماجستير في الفلسفة الإسلامية، والدكتوراه من السربون في الفلسفة.