القدس عربية عربية

(إقرار الوثائق)

أنور محمود زناتي

كلية التربية - جامعة عين شمس

[email protected]

القدس مدينة عربية النشأة، سكنها العرب اليبوسيون قبل خمسة آلاف سنة، حيث يعتبر هؤلاْء أول من أسس المدينة المقدسة حيث سموها (يبوس) في حوالي عام (3000) ق. م أي قبل نحو خمسة آلاف عام ([1]) .

فهي إذن - وكما سنثبت لاحقاً - عربية المنشأ والتطور وقد قدم إليها العرب الساميون في هجرتين كبيرتين : الأولى في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، والثانية في بداية الألف الثاني قبل الميلاد ، والمؤكد أنه عندما قدم اليهود إليها في القرن الثاني عشر قبل الميلاد كان الشعب الموجود أصلا شعبا عربيا أخذ منه الإسرائيليون لغته ومظاهر كثيرة من ديانته وحضارته. ويرى (الفريد جيوم)Alfend Guillaume([2]):

" إن الوعد الغامض المقطوع لأسباط إبراهيم بأرض الميعاد الممتدة من نهر مصر(النيل) إلى النهر الكبير (الفرات) ] سفر التكوين] [18:15 هو وعد قطعه الله لنسل إبراهيم في جميع أرجاء المعمورة، قبل مولد إسماعيل وإسحاق. وعلي ذلك فهو وعد مقطوع للعرب واليهود، من أبناء إبراهيم جميعا، ولم يقطع بأن أرض الكنعانيين هي لليهود وحدهم، أولئك الذين لم تعمر لهم الدولة ".

ويقول العلامة بريستد " إن بني إسرائيل ( قوم موسى ) عندما جاؤوا إلى بلاد كنعان ، كانت المدن الكنعانية ذات حضارة قديمة فيها كثير من أسباب الراحة وحكومة وصناعة وتجارة وديانة([3]) .

ولم يقم لليهود كيان سياسي في المنطقة أكثر من سبعين عاما على عهد النبيان داود وسليمان عليهما السلام . هذا بينما ظلت المنطقة دائما أرضاً عربية، عريقة في عروبتها([4]) .

وقد حافظت فلسطين أو القدس على كيانها العربي سنين عددا .. ولقد ظلت أزماناً تحافظ على وحدتها وتضعف أزماناً أخرى ولكن حياة العرب فيها من الكنعانين لم تختف بما وقع لها من غزوات العبرانيين أو الفرس أو اليونان أو الرومان. وكل ما في الأمر أنها بلاد قد تداولتها أيدي الغزاة، دون أن تفقد أهلها وأصحابها.

اعتراف التوراة

وأرض فلسطين باعتراف التوراة ذاتها كانت أرض غربة بالنسبة إلى آل إبراهيم وآل إسحق وآل يعقوب إذ كانوا مغتربين في أرض فلسطين بين الكنعانيين سكانها الأصليين ([5]) .

وتؤكد لنا التوراة غربة اليهود عن القدس، في سفر القضاة 11:19 و 13 تجد قصة رجل غريب وفد مع جماعة له إلى مشارف (يبوس) ".. وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا، قال الغلام لسيده :

«تَعَالَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةِ الْيَبُوسِيِّينَ هذِهِ وَنَبِيتُ فِيهَا».  فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: «لاَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ حَيْثُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا. "

«وَقَالَ ابْرَاهِيمُ لِعَبْدِهِ كَبِيرِ بَيْتِهِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ: «ضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي  3 فَاسْتَحْلِفَكَ بِالرَّبِّ الَهِ السَّمَاءِ وَالَهِ الأرض إن لا تَاخُذَ زَوْجَةً لِابْنِي مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ انَا سَاكِنٌ بَيْنَهُمم 4 بَلْ إلى ارْضِي وَالَى عَشِيرَتِي تَذْهَبُ وَتَاخُذُ زَوْجَةً لِابْنِي اسْحَاقَ ».( تك ، 4-3 : 24 )

وهذا يؤكد أن ابراهيم عليه السلام كان غريبا فردا في أرض كنعان ألم يكن بإمكانه فيما لو كان هناك يهود من عشيرته تزويج ولده من إحدى بناتهم بدلا من إرسال عبده إلى أرام النهرين لجلب عروس لابنه من هناك فلا يفرح بزواج ولده الوحيد ؟([6]) .

هل من مزيد ؟!! تقول نصوص التوراة :

« وَتَغَرَّبَ إبراهيم فِي ارْضِ الْفَلَسْطِينِيِّينَ أياماً كَثِيرَةً ».( تك ، 34 : 21 ) .

« وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي ارْضِ غُرْبَةِ أبيه فِي ارْضِ كَنْعَانَ» ( تك ، 1 : 37 ) .

« وَجَاءَ يَعْقُوبُ إلى إسحاق أبيه إلى مَمْرَا قَِرْيَةِ أربع (الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ) حَيْثُ تَغَرَّبَ إبراهيم وإسحاق». ( تك ، 27 : 35 ) .

ويقول غوستاف لوبون : ... غير أن استقرار العبريين بفلسطين تم بالتدريج على ما نرى، فالعبريون قضوا زمناً طويلاً ليكون لهم سلطان ضئيل في فلسطين لا أن يكونوا سادتها. ويضيف : وفي فلسطين كان يعيش اليبوسيون ...، وكان السلطان في فلسطين للفلسطينيين ... ، وكان ذلك حتى عهد داود([7]) .

ولم تكن لهؤلاء اليهود لغة، أو ثقافة، أو حضارة خاصة بهم، وإنما كانوا يقومون على تراث كنعاني بحت كما تؤكد لنا ذلك الأحداث التاريخية. وهكذا بقيت القدس، بل كل فلسطين، >كنعانية في ثقافتها، وفي حضارتها، ولغتها([8])

والقدس خالصة العروبة أبدا وأزلا وما وجود اليهود فيها إلا فترة انتقالية تمثل سبعين عاما فقط أو سبعة وتسعين عاما على عهد داود وسليمان عليهما السلام .

              

(span>[1]) أحمد سوسة : العرب واليهود في التاريخ ، ط8 ، العربي للإعلان والطباعة ،  دمشق ، د ت ، ص 93

([2] )  (Zionists and the Bible،Israel according to Holy Scriptures)

pp.11_12&n  .

وجيوم هو أستاذ اللغة العربية بجامعة لندن، وله شهرة في العالم الاسلامي ذائعة مستفيضة. وقد كان هو المشرف على تحرير كتاب " تراث الإسلام " الذي ترجم إلى عدة لغات.

([3] ) جيمس هنري بريستد : العصور القديمة ، ترجمة قربان-المطبعة الأمريكانية- بيروت 1930، ص 55.

([4] ) عزالدين فودة، قضية القدس في محيط العلاقات الدولية ، مركز الأبحاث م.ت.ف ، 1969span> ، ص 17.

([5]) أحمد سوسة ، ص 522

([6]) أحمد سوسة : نفسه ، ص 522 .

([7]) ) راجع : الأنس الجليل، 1/105-104، بيت المقدس، الدباغ، ج 1، ق 1، 583-579، موسوعة العتبات المقدسة، ص 48، العرب واليهود في التاريخ/ م م ، القدس الخالدة، ص51-45.

([8]) راجع : في بيت المقدس، الدباغ، ج 1، ق 1/579 وما بعدها، المفصل في تاريخ القدس، ص 11-1، العرب واليهود في التاريخ، أحمد سوسة/ع، ر، القدس الخالدة، ص 56 .