الانتخابات الإخوانية نموذج لسورية المستقبل

م. عبد الله زيزان

[email protected]

انتخاب مراقب عام جديد

أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في سورية الخميس السادس من الشهر الجاري انتخاب مراقب عام جديد لمدة أربعة أعوام قادمة، وقد ركزت وسائل الإعلام على اسم المراقب العام الجديد، وبدأت بالبحث عن تاريخه وسيرته الذاتية، وسعت وسائل أخرى للحصول على مقابلة معه لتسجل سبقاً في هذا المجال...

لكن الأهم من ذلك كله والذي ربما لم تركز عليه أي من وسائل الإعلام هي عملية الانتخاب ذاتها، وسلاسة نقل الصلاحيات من مراقب عام لآخر، وتوافق جميع أفراد المؤسسة الإخوانية على هذا الاختيار مما يعكس صورة مصغرة لما يطالب به الشعب السوري في بلادهم لكن على مستوى مؤسسات الرئاسة في مستقبل سورية الحرة...

ثقافة التسلط في سورية

عاشت سورية إبان جلاء الاستعمار في أربعينيات القرن الماضي جواً من "الديمقراطية" ولو بصورة محدودة، فكان هناك برلمان منتخب، استطاع من خلاله الإخوان وغيرهم من الأحزاب السياسية أن يصلوا إليه ويمارسوا شيئاً من صلاحياتهم ولو كانت منقوصة، حيث كانت الانقلابات العسكرية تعكر صفو تلك الممارسات إلى أن وصل حزب البعث إلى السلطة ومسك زمام الحكم في البلاد...

عانت سورية منذ وصول حزب البعث عام 1963 إلى السلطة من انعدام للحياة السياسية الحقيقية، فقد كان القمع وكبت الحريات السمة العامة للحكم، إلى أن وصل حافظ الأسد إلى سدة الرئاسة حيث زادت الأمور تعقيداً، فقد استطاع الأسد من قمع حلفائه قبل معارضيه، ليشكل بداية تاريخ أسود عاشه السوريون حتى بداية الثورة الشعبية السورية أوائل 2011.

منذ هذا التاريخ الأسود والسوريون تواقون للحريات، والتي على رأسها حرية انتخاب قيادة للبلاد، والقدرة على نقل السلطة من قيادة إلى أخرى دون تمسك بالسلطة وبعيداً عن الانقلابات العسكرية والعنف، وهذا ما دفعهم للثورة على حكم بشار الأسد، تطلعاً لتحقيق هذا الهدف..

لكن ما يؤسف له أن نجد في العديد من المؤسسات الثورية التي خرجت من عباءة الثورة السورية أجواء من "الديكتاتورية" والتمسك بالمنصب حتى تحت أعصب الظروف، وربما تحت القصف والمواجهات، مما يؤشر إلى أنّ بعض أمراض النظام السوري انتقلت إلى بعض أفراد الشعب حتى الثوار منهم، وباتت ثقافة التسلط التي عايشها السوريون نصف قرن تحتاج إلى علاج ودراسة..

"ديكتاتورية" الإسلاميين

يزعم المغرضون أنّ الجماعات الإسلامية لا تؤمن بتداول السلطة، وأنّهم يستخدمون الديمقراطية كسلم للوصول إلى السلطة، وأنهم سرعان ما سيتخلصون من هذا السلم بمجرد تحقيق أهدافهم، إلا أنّ الواقع يشير إلى عكس ذلك تماماً...

فالانتخابات الأخيرة التي أوصلت مراقباً عاماً جديداً لهذا المنصب ليترك المراقب السابق مهامه بكل يسر وسهولة دليل على ثقافة متأصلة في هذه الجماعة وهي ثقافة التداول وعدم التمسك بمنصب أو سلطة، وهو ما يطمح له السوريون لمستقبل بلادهم...

وعلى العكس من ذلك نجد أن كل الأحزاب والتجمعات الأخرى تملك زعيماً واحداً لا يتغير إلا بوفاته أو مرضه أو لسبب قاهر أجبره على التخلي من منصبه، مما يؤكد أن ثقافة "الديمقراطية" غير متأصلة عند دعاتها، وأن اتهاماتهم للإسلاميين لا تخرج عن نطاق الضيق من امتدادهم الشعبي وحاضنتهم المتزايدة في طول البلاد وعرضها...