النفاق الغربي في سورية
م. عبد الله زيزان
الموقف الغربي بداية الثورة
منذ أن انطلقت الثورة السورية، اختلف النشطاء في تقييم الدور الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً تجاه الأحداث في سورية، فهناك صنف يرى فيهم أصدقاءً حقيقيين للشعب السوري، والصنف الثاني يراهم أعداءً ألداء له، والصنف الثالث يقف بين ذلك...
وربما لهذا الاختلاف أسبابه الوجيهة، فما ورد على ألسنة الساسة الغربيين والأمريكيين في بداية الثورة لا يمكن أن يصنف إلا ضمن أصدقاء الشعب السوري، فقد تدرّج خطابهم من انتقاد للنظام لقمعه الثوار السلميين، واستمر التصعيد في اللهجة الخطابية إلى أن وصل إلى ضرورة تنحية بشار الأسد عن الحكم، وهو ما اعتبره بعض النشطاء حينها بالنصر الكبير، ومنهم من بدأ يعد الأيام الأخيرة للنظام السوري بناء على مضامين الخطاب الإعلامي الغربي عموماً...
إلا أن الواقع كان يخالف تماماً هذه الخطابات الفارغة، ففي الوقت الذي يتصعد فيه لهجة الخطاب ضد الأسد كان الأخير يحصل على الدعم المادي والعسكري والإعلامي من حلفائه الإيرانيين والروس بكل يسر وسهولة، على عكس الجيش الحر الذي وجد صعوبة بالغة في الحصول على الدعم حتى من أقرب حلفائه، الذين عجزوا عن إيصال مساعداتهم إلى الأراضي السورية...
ويبدو أن مرور الوقت على الثورة كان كفيلاً بتحول نسبة كبيرة من الصنف الأول الذي يرى في الغرب حلفاء للشعب السوري إلى الصنف الثاني مباشرة، فيما بقي البعض مصراً على تصنيفه إما لضعف في الرؤية أو لمكاسب خاصة...
تناقض الغرب في أحداث عين العرب
جاءت الأحداث الأخيرة في سورية عموماً وعين العرب خصوصاً لتعري ما لم تعريه سنوات الثورة السابقة، فإذا كان المرء لا زال في نفسه شك في العالم المتحضر لا بد له أن تنجلي أمامه الحقيقة بكل وضوح وجلاء، حيث أن استشهاد مئات آلاف السوريين لم يحرك في ضمير العالم سوى عبارات شجب خجولة ومطالبات كاذبة للنظام السوري بالكف عن ممارساته ضد الإنسانية، وحتى بعد أن دخلت "داعش" على خط الثورة بصورة مريبة، لم يحرك الغرب سوى ألسنتهم في التنديد بجرائم هذا التنظيم، وتركوا الثوار في حرب استنزاف مع "داعش" من جهة والنظام من جهة أخرى، ولم تفزعهم عشرات الصور من الرؤوس المقطعة للجيش الحر في دير الزور وحلب، واكتفوا بدعوات لتدريب "المعتدلين" من الثوار لمواجهة "داعش"...
ثم ما لبث أن تغير الأمر حين قطع التنظيم رؤوس الصحفيين الغربيين ومن ثم حين شرعوا بالدخول إلى مناطق الأقلية اليزيدية في العراق والمناطق الكردية في سورية، فقامت قائمة الغرب في أبشع صور النفاق والاستخفاف بعقول الشعوب، لتصبح عين العرب كوباني هي عين المشكلة في سورية، لينحصر الإعلام والتركيز العالمي في هذه النقطة دون غيرها رغم أن جرائم داعش مستمرة في باقي مناطق سورية، ولم يحصل الجيش الحر على ما يكفيه لدرء هذا الخطر الجديد..
أردوغان يعري الغرب
المريب في كل ما سبق أن لا تجد أي موقف رسمي عربي أو غير ذلك يندد بهذا النفاق الغربي أو يفضحه، فحتى من يوصفون بأصدقاء الشعب السوري انغمسوا في ما يسمى بالتحالف الغربي ضد داعش، وحصروا اهتمامهم أيضاً في مناطق ضيقة في سورية وتركوا بقية الشعب يواجه مصيره بصمت مريب..
وانفرد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كعادته في موقفه من النفاق الغربي حيث انتقد الاثنين 03-11-2014 ما أسماه "ازدواجية" الإعلام الغربي تجاه أحداث في تركيا ومصر وغزة، مقارنة بالتعاطي مع ما يحدث في عين العرب، وانتقد ما وصفه باستنفار الدول الغربية من أجل عين العرب، قائلاً "إن داعش تسيطر على نصف العراق، ولم نر هذا الاستنفار منكم، لماذا كوباني؟ وما فرقها عن المناطق الأخرى؟"..
وصدق من قال إن الثورة السورية ثورة فاضحة، فقد كشفت الغطاء عن دعاة حقوق الإنسان ودعاة المقاومة ودعاة الممانعة، وكل الأدعياء في المنطقة وفي العالم ككل، فلم تعد تصريحات الغرب تنطلي على أصغر طفل عاقل، ونستثني من ذلك المأجورين من "المثقفين" الذين لا زالوا يجدون في الغرب منقذاً...
ولا زالت الأيام القادمة قادرة على كشف المزيد من النفاق ما لم يتدارك الغرب الموقف، وما لم يحاول استعادة شيء من مصداقيته التي انهارت على الأرض السورية، وكل ذلك مقرون بموقف عملي جاد تجاه النظام السوري وأذنابه، ولا نظنهم جادون في ذلك...