مصطلح "السيميائية"
ملخَّص
مصطلح "السيميائية"
بين التأصيل والتعريب
د. حسن الربابعة
قسم اللغة العربية
جامعة مؤتة
السيماء والسيمياء مدُّا وقصرا بمعنى العلامة في لسان العرب ،وعليها أدلة من شعر ونثر ومثل ، بعضه قبل نزول القرآن الكريم ، وبعضه بعد نزوله ، إذ أكدت خمس عشرة آية معناه العلامة، وهي التي وردت في مادتي : "وسم " وسوم " واشتقاقاتهما في الآيات المذكورة ، جلت المعنى مادة " سوم "ثماني مرات و"وسم "سبع مرات ، فشملت معانيهما التعذيب النفسي لليهود ، وتذكيرَهم بالعذاب الذي ذاقوه من فرعون ،كما شملت علاماتِ الملائكة المعلَّمين على خيل بلق في بدر ، ونالت الخيلُ فيها سمتين تحبِّبهما للناس هما الغرة والتحجيل ، ونالت منها الحجارة المسومة من طين ، وهي التي قذف بها قوم لوط للفاحشة ، واشتملت النباتات المسومة سمات كغيرها مما ذكر ، فالشجر مسوّم تأكلُ منه الأنعام ،وانماز المؤمنون بسمات منها : بيض الوجوه ، لكثرة سجودهم لله ، وللكافرين سمات الاسوداد ، وللمنافقين سماتٌ في لحن القول ، كما أنَّ لفقراء المدينة المنورة سماتِ التعفف ، يعرفون بها ، يحسبُهم الجاهل أغنياء لعفتهم ، لأنهم لا يسألون الناس إلحافا .
و السيمياء من " وسم " واشتقاقاتها في أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بلغت (45) خمسا وأربعين مرة، ووردت بمعنى الموسم (23) ثلاثا وعشرين مرة ، وفي الشعر وردت سيماء(ممدودة):
غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيماء لا تشقُّ على البصر
ووردت مقصورة :
ولهم سيما إذا أبصرتهم بيَّنت ريبةَ من كان فعل
ووردت عند الجاحظ بمعنى الفهم والإفهام مضمنة عنده في باب البيان الذي هو جامعٌ لكلِّ شيء، يكشف قناع المعنى ، فالفهم والإفهام هما الغاية التي يسعى لها كلٌّ من المتكلم والمتلقي ،وبأي شيء بلغته الفكرة ، وذكر أصناف الدلالات الخمس على المعاني التي لا تنقص ولا تزيد وهي ملفوظة وغير ملفوظة ؛ بدءا باللفظ والإشارة والعَقد والخطِّ والحال الدالة " النِّصبة "، وفصَّل الإشارة باليد والرأس والعين والحاجب والمنكب ، ودلالة كل حركة.لها .
ولعل الجاحظ رحمه الله كان السبَّاق إلى لغة الحركات الجسدية ومعانيها من جهة والسبَّاق إلى لغة الصم والبكم من جهة أخرى ، فتلك هي إشاراته إلى حركات الدلّ والغنج وإشكال التقبل والتثني واستدعاء الشهوة وغير ذلك ، نعم لقد سبق منذ قرون سلفت غيره في ضوء ما وصلوا ، في دراساتهم ،من أمثال " ناتالي باكر في كتابه : لغة الحركات ، ترجمه توفيق شيخان " وفي كتابه المذكور رسومات لحركات الجسد ودلالاتها ، على أهمية علم الإشارة في عالم الحواسيب اليوم وعوالم إشارات الفارة وحركاتها في عوالم التقنيات الحديثة .المتطورة
أما السيمياء عند ابرز علماء الغرب من مثل دوسيسر وبيريس وغيرو ، فوردت "سيمانتيك " وسيمولوجيك " بالمعنى العربي " العلامة " والعلامة الاجتماعية "
وعلى ذلك يمكن أن نخلص للقول بان مصطلح السيميائية عرفه العرب بمعنى العلامة في موروثهم قبل أن يعرفه نقاد الغرب منذ قرن ونيف مضى ، أمَّا إن كانوا طوروه وبلغوا به شأوا بعيدا فذاك شانهم ، وما على مصطلحنا العربي" السيميائية" من عيب يشينه ، ولا لوم يدينه .