انفلونزا البلادة حين تجتاح بعض العلمانيين العرب

مصطفى الفقي أنموذجا

زهير سالم*

[email protected]

 لست بصدد التعاطي مع الشخص، ولكنني أتعاطى مع الموقف.

 ومن بلائنا في عالمنا العربي بعض العلمانيين العرب الذين تجتاحهم أنفلونزا البلادة حتى في فهمهم لملتهم أو في تعبيرهم عنها، أو في رصدهم لتطبيقاتها وآفاقها. و تتمادى البلادة ببعضهم أحيانا حتى يتبادل الموقع مع كاهن يبيع صكوك غفران، أو مع قاض في محكمة تفتيش يصدر أحكام الحرمان.

 وبعض العلمانيين العرب أُشربوا في قلوبهم العجل الذي يأبى إلا أن يخور كلما نطقوا كراهية لله ولرسوله ولكتابه ولصالح المؤمنين..

 وهذا علماني عربي، يختصر العلمانية في طقس شكلي!! فيعطي شهادة (السوبر ستار العلمانية) لدولة تحقق إنجازا علمانيا متقدما، في تقديره، لمجرد أنها تعلي نشيدها الوطني على كتاب ربها وتقدمه عليه!! (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ).

 هذا المقياس المخل والمختل لعلمانية الدولة، يمارسه هذا العلماني الغوغائي، هو بعض الدجل الذي مارسه نابليون يوم دخل مصر معلنا كلمة الإسلام. وهل كان لمثقف مسلم أن يحتسب الافتتاح بالقرآن الكريم نقطة ذات خطر في منح وصف الإسلامية لدولة، أي دولة؟! إلا إذا أراد أن يمارس بعض الدهان!! إسلامية الدولة أو علمانيتها لا تحتسب بهذه الطريقة المخلة بالمنهج وبالعقل وبالأخلاق. (أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ.)

 وعلمانية الدولة، حضرة المحترم العلماني، تقاس أولا بمراجعة دستورها، وما يكفله هذا الدستور من مساواة بين مواطني الدولة، أفردا وجماعات ، فأي علمانية رصدها هذا المصاب بأنفلونزا البلادة في دستور ينص في إحدى مواده على أن حزبا دون سائر الأحزاب يتمتع بحق الوصاية على الدولة والمجتمع، حقه في ذلك كحق الولي الفقيه !!

 

علمانية الدولة، يا صاحب الغبطة العلماني، تقاس بسيادة القانون في الدولة ، تشرح لي أو أشرح لك ماذا تعني سيادة القانون؟! لو فركت عينيك قليلا لعلك تلمح ظل الطفلة طل الملوحي وراء القضبان، الطفلة المعتقلة منذ أشهر بلا قانون. أعلم أنك ستقول لي: تستحق لأنها لعلها روست كراستها المدرسية (ببسم الله الرحمن الرحيم)، العبارة التي تتقطع نياط قلبك كلما سمعتها، و التي ستزعم أنها تخدش حياء علمانيتك العذراء وتوهن من عزيمتها!!

 وعلمانية الدولة، يا صاحب النيافة العلماني، تتمثل في الفصل بين السلطات. ويتسيد فيها قضاء عدل حر نزيه. الدولة العلمانية لا تعلن حالة الطوارئ إلا عند الطوارئ، ولا تعرف القضاء الاستثنائي، ولا محاكم أمن الدولة التي تخترع التهم وتفصل العقوبات، وتسجن شيخا في الثمانين من أجل حديث هاتفي...

 الدولة العلمانية، يا.....، تعني الشفافية، تعني أن تتحرك كل سلطات الدولة في فضاء من زجاج شفاف.فيعرف المواطن صاحب المصلحة الأولى في بناء الدولة: مَن؟ وكيف؟ ولماذا؟ ومن أين ؟ وإلى أين؟ وكم؟....

ولو قيل لي كيف تقوّم علمانية الدولة، سيدي العلماني لبادرت بالسؤال عن قانون الأحزاب، وعن الحق في الاعتقاد، وعن حرية التفكير والتعبير، و لسألت عن قانون المطبوعات، وعن عدد الصحف المعارضة، وعن تلقائية تأسيس الجمعيات وبناء مؤسسات المجتمع المدني، والحق في قول (لا) المقارن للحق في القول( نعم)...

هذه هي العلمانية في أبعادها البنائية التي تواطأتم، سيدي عضو الحزب الحاكم، مع المستبدين على وأدها وتغييبها. واستبدلتم بذلك كله إعلان الحرب على اسم الله، وشريعته، وكتبه ورسله وعباده الصالحين. تلك هي العلمانية التي يصر البلداء الصغار على تقديمها قي ثوبي الكفر والعهر فتبا لهم وسحقا..

لكل داء دواء يستطب به     إلا البلادة أعيت من يداويها

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية