لمحات إعرابية

د . أسامة عثمان - كاتب وباحث من فلسطين

[email protected]

من أجل إنصاف العلاقة بالإعراب ترد هذه اللمحات السريعة:

أولا: مسألة استصعاب الإعراب لا تخلو من وهم, ناتج عن عدم إحسان التعامل العقلي مع أحكام النحو والإعراب, والحقيقة أن في الإعراب قواعد منطقية, يدرك الذين يستصعبونه ما هو أعقد منها من معارف الحياة, ووسائلها الحديثة, وأعمق.

ثانيا: لكن العناية بإتقان التعامل مع تلك الوسائل والشغف بها من الصغير والكبير يتقدم كثيرا على كثير من المعارف, ومنها: اللغة والإعراب. مما يولد الألفة مع الأولى, ويسبب الوحشة من الثانية.

ثالثا : عدم إدراك متطلبات فهم الإعراب, فمنهم من يظن أنه مادة قابلة للحفظ, ومنهم من يظنه لا يحتاج إليه مطلقا, وكلاهما على خطأ.

رابعا: غربة اللغة من حياة المهتمين بتحصيل النحو والإعراب؛ مما يجعل فهمها آنيا, وهي القائمة على الاستعمال والدربة, والتطبيق تكلما وكتابة, وتحليلا وتصويبا لما نسمعه, أو نقرؤه.

خامسا: وقريب من السابقة, يقف سبب آخر, هو قلة المحفوظ من الكلام الفصيح العالي الذي يمثل في الذهن أنماطا لغوية؛ تعين على إحلال تلك القواعد المجردة في مكانها الصحيح, وتستدعيها بالشاهد, أو المثال من الآية القرآنية, أو الحديث الشريف, أو بيت الشعر العربي, أو المثل العربي. وتلك المحفوظات, إن كثرت, فإنها قد تغني عن المعرفة الدقيقة بالنحو, بالمحاكاة والتقليد لها, فتقترب اللغة من أن تصبح سليقة.

سادسا: وهذا يقودنا إلى مسألة منهجية في كتب النحو, المعدة للتدريس, وهي أنها كثيرا ما تتعمق في التفصيلات والتعليلات التي تغلب على الناحية التطبيقية الوظيفية, وتذهل عن الأهداف المرجوة من تدريس النحو والإعراب, ولا سيما لغير المتخصص؛ فما الفائدة من حفظ الطالب لتلك الفروق النظرية, والدقائق التعليلية؟! ثم لا تجد أكثرهم, ممن حصّل أعلى العلامات, يستطيع أن يتكلم جملة سليمة, أو يؤلف نصا عربيا, مهما كان مبسطا, حتى أنك لو طلبت منه أن يكتب عن نفسه بلغة سليمة؛ لما استطاع. 

سابعا: فإذا كان هذا الكثير لا يفيد, في الأغلب؛ فلم لا يقتصر على الضروري الذي يستهدف التطبيق اللغوي السليم؟! ومن أراد بعده الاستزادة, فبها ونعمت.

ثامنا: وهو سبب يتعلق بالشروط اللازمة للإعراب, وهو يرجعنا إلى النقطة الثالثة, فالمعرب الذي لا يفهم معاني الكلمات؛ كيف يعرب؟! والمعرب الذي لا يحفظ العوامل اللفظية, كحروف الجر, وأدوات النصب والجزم. ولا يميز بين النواسخ, كيف يعرب؟! والمعرب الذي لا يميز بين اللامات, لام الجر مثلا, ولام الابتداء, أو التوكيد؛ كيف يعرب,؟! والمعرب الذي لا يميز بين (إِلاّ) الاستثنائية, و( أَلا) الاستهلالية؛ كيف يعرب؟! ومن لا يفرق بين ( إِنْ) الشرطية, و(إنْ) النافية, و(إِنّ) الناسخة التوكيدية؛ كيف يعرب؟! بل من يلتبس عليه الفرق بين الاسم والفعل؛ كيف يعرب؟!

وتلك الفروق في معظمها مما يدرك بسهولة, بالشكل الخارجي, كما تُميَّز بالقرائن المعنوية.

فبشيء من الجدية والصبر في دراسة أسس الإعراب, وبغير قليل من التعايش مع الكلام الفصيح قراءة وتذوقا وتحليلا وتأليفا تمتلك القدرة على الانتفاع بقواعد الإعراب, وتؤتي ثمارها.