غزة في التاريخ
د. نعيم محمد عبد الغني
تذكر كتب اللغة أن غزة جاءت من الغزز، وتعني الخصوصية أو تأخر نتاج الحمل في الإبل، وتروي كتب التاريخ أن العرب هم أول من سكنها، حيث إنهم سكنوها وتكلموا بها اللغة العربية قبل الإسلام بقرون كثيرة، وآية ذلك أن الإسكندر لما حاصر غزة كانت حاميتها عرباً، ويذكر ياقوت الحموي أن جد النبي – صلى الله عليه وسلم- مدفون بها، ولذلك فهي تسمى بغزة هاشم وذكرها أبو نواس قائلا:
طَوَالِبَ بِالرُّكْبَانِ غَزَّةَ هَاشِمٍ وبالفَرمَا من حاجهنَّ شُقُورُ
وتعد غزة بوابة بلاد الشام، فهي تقع على البحر المتوسط، وشمالها شبه جزيرة سيناء المصرية وجنوبها القدس، وتتميز بأرض خصبة، ومن ثم فلموقعها وجودة تربتها فنشاطها البشري يعتمد على الصيد البحري والزراعة والتجارة وبعض الصناعات الصغيرة، ومن ثم كثرت عليها الحملات العسكرية عبر التاريخ؛ فعلى سبيل المثال اتخذها الظاهر بيبرس في سنة 659 هـ منطلقا لمطاردة التتار الذين تحالف معهم الصليبيون للقضاء على المسلمين؛ فطاردهم واستولى على مدن الشام وأنقذ أهلها من السلب والنهب والقتل كما يروي ذلك ابن كثير في البداية والنهاية.
وتكتسب غزة أهمية تاريخية امتدت إلى ما بعد الإسلام حتى إن بعضهم وضع فيها الأحاديث مثل ما جاء في الجامع الصغير للسيوطي حديث (طوبى لمن أسكنه الله تعالى إحدى العروسين، عسقلان أو غزة)، وكتب عنها المؤرخون في ثنايا حديثهم عن الأحداث المهمة في التاريخ أو عن الأعلام التي ولدت أو عاشت أو ماتت في غزة كالإمام الشافعي الذي ولد في غزة سنة 150هـ وقال فيها:
وَإِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَى أَرْضِ غَزَّةٍ وَإِنْ خَانَنِي بَعْدَ التَّفرُّقِ كِتْمَانِي
سَقَى اللّه أَرْضَاً لَوْ ظَفِرْتُ بِتُرْبَها كَحَلْتُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ أَجْفَانِي
وجاء الشيخ عثمان مصطفى الطَّباع الغَزِّيّ" (1300هـ، 1882م -1370هـ، 1950م)، وأفرد لها مؤلفا أسماه "إتحاف الأعِزَّة في تاريخ غزة" تناول فيه تاريخها منذ العصور القديمة مرورا بالمماليك والعثمانيين حتى وصل إلى عصر الانتداب البريطاني وتناول فيه أيضا تاريخ فيه العائلات الفلسطينية وأنسابها، وأعلام غزة من العلماء والساسة.
وكانت غزة مطمع الغزاة كالصليبين الذين تركوها سنة 1187م بعد هزيمتهم من الدولة العثمانية التي أرجعتها مرة أخرى للسيطرة الإسلامية التي امتدت حتى الحرب العالمية الأولى التي وقعت غزة فيها تحت الانتداب البريطاني الذي استمر حتى حرب 1948 التي سيطرت فيها مصر على قطاع غزة وأنقذتها من براثن الصهيونية إلى أن جاءت حرب 1967 التي سقطت فيها سيناء مع غزة في يد الإسرائيليين، وبعدها حرر المصريون سيناء في 1973 وبقيت أرض فلسطين بما فيها غزة ترسف في قيود الاحتلال الإسرائيلي، وجاءت اتفاقية غزة أريحا التي حصل الفلسطينيون فيها على القطاع مرة أخرى، وخرج الفلسطينيون فرحين إلى رفح المصرية مكسرين الحواجز ابتهاجاً بخروج آخر جندي إسرائيلي منها.
ولكن فرحة أهل غزة لم تتم، فمنذ أن تولت حركة حماس مقاليد الأمور وبدأت صراعاتها مع حركة فتح إلى أن سيطرت حماس على مقاليد الأمور فيها، مما أسهم في حصارها محليا ودوليا من يونيو 2007 وحتى الآن، وعادت الفلسطينيون ليكسروا الحواجز مرة أخرى ليكسروا الحصار الغاشم المفروض عليهم ففتحت لهم مصر أبوابها.