أخطاء قاتلة في امتحانات الأزهر

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

تلقيت في بريدي الضوئي الرسالة الآتية من الأستاذ اسماعيل أحمد باحث الدكتوراة ، وهو يرسلها إليّ موثقة وأنا أعرضها كما أرسلها ، ثم بعد ذلك أدلي بدلوي فيما عرض : 

 بسم الله الرحمن الرحيم

أستاذنا الأعز الأستاذ الدكتور/ جابر قميحة وفقه الله وأدامه للحق معضدًا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد

فمرفق بهذه الرسالة صورة من ورقة أسئلة لامتحان مادة الصرف للصف الأول الثانوي الأزهري القسم الأدبي – على مستوى الجمهورية – والذي تم في شهر مايو الفائت، والذي يحتوي على سؤال نصه:

لِمَ شذ قولهم: ما أحمق محمدًا؟ وما القياس فيه؟

ولعل سيادتكم تلاحظون ما في المثال من حمقٍ ووقاحةٍ وجهلٍ من واضعه؛ حيث ضاقت بصيرته وضحلت حصيلته التمثيلية حتى ما يجد اسمًا سوى اسم خير البرية ليتعجب من حمقه، وحتى لم يجد وصفًا يليق بالاسم الكريم سوى الحمق، مع كون المسألة يراد منها أن ما كان مذكّره على وزن أفعل الذي مؤنثه على وزن فعلاء لا يجوز التعجب منه بالطريقة القياسية المباشرة (ما أفعله) ولكن يُتعجب منه بطريقة غير مباشرة وهي أن نأتي بفعل مناسب تنطبق عليه جميع شروط التعجب بالصيغة المباشرة ونصيغ منه صيغة التعجب، ثم نأتي بالمصدر الصريح للفعل المراد التعجب منه – وهو هنا الحمق - أو المصدر المؤول، وكان له في الأمثلة الكثيرة سعة ومندوحة، سواءً من الأوصاف أو الأسماء مما ينطبق عليه مراده (أخضر- أحمر- أصفر – أبيض- أحور ...) فيكون المثال على الشذوذ: ما أخضر الزرع، أو لو أصرّ على أن يعبر بالحمق فليقل مثلًا: ما أحمق الشيطان أو ما أحمق الكسول، ليكون صحيحه وقياسه: ما أشد خضرة الزرع، أو ما أعظم حمق الشيطان أو الكسول.

ولعله ربما يتعلل بأن ذلك لا يعدو أن يكون مثالًا صرفيًا لا يتعلق الأمر فيه بالمعنى والماهية والدلالة بقدر ما يتعلق باللفظ، وأقول له حتى في ذلك يلتزم مراعاة الدلالة؛ فلا يليق مثلًا أن نأتي بمثال نقول فيه: السماء تحتنا، ولا بمثال نقول فيه: رئيس دولتنا جورج بوش، بل لو استبدل اسم النبي محمد r باسم مبارك مثلًا في نفس المثال المسطور في ورقة الامتحان فلعله إن فعل لما طلعت عليه شمس الصباح تحت سقف بيته!

فلماذا إذن نُدخل النقص على ديننا ومقدساتنا بأيدينا؟ ولو كان الأمر بمدرسة تابعة لوزارة التعليم لربما كان له بعض العذر أو التجاوز، ولكن أن يكون من مستشاري الأزهر الشريف – حيث لا يشارك في وضع الامتحانات سوى علية القوم من مستشاري المواد الدراسية - وفي امتحان يختبر فيه مئات الألوف من الطلاب على مستوى القطر المصري فالأمر لا بد له من وقفة، ولا بد له من أن يُرفع إلى أسماع وأبصار أولي الأمر ليروا فيه رأيهم، وليراجعوا أُسسهم في اختيار من يتولون مثل هذه الأمور.

  يعلم الله تعالى كم استأتُ بمجرد رؤيتي لورقة الأسئلة، ولكن ليس لقلمي طريق لنشر ذلك، ولا لكلامي مسلك إلى آذان المسئولين، فعهدتُّ إلى سيادتكم – وقد علمتُ جرأتكم في الحق وقبول آرائكم من ذوي الولايات الغيورين- بنشر هذا الأمر وإيصاله إلى مَنْ ترون وبالطريقة التي ترتضونها حِسبةً لله تعالى وغيرةً على رسوله r الذي ظلمه مَن عرفه ومَن لم يعرفه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ابنكم:

إسماعيل أحمد سعد

باحث دكتوراه في الشريعة الإسلامية

والمدرس بالمعاهد الأزهرية

ملاحظة : ( أقول الحق أن أخي الأستاذ اسماعيل وقع في غلطة وهي استعمال الفعل    استبدل وأدخل الباء على المأخوذ لا المتروك كما نرى في قوله تعالى (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " البقرة (61)

 والصحيح أن يقول : لو استبدل باسم محمدا اسم مبارك .

وإليكم الوثيقة بنصها :

 

**********

أما ما نراه فيما ذكر فأعرضه في السطور الآتية :

يا أخي الأستاذ اسماعيل لا تعجب أن يكون هناك خطأ في ورقة الامتحان ، بل العجب في ألا يكون هناك خطأ ، فالأخطاء كثيرة في أوراق الامتحانات ،وخصوصا أوراق الثانوية العامة ، وأيسر ما يقال عنها أنها فوق مستوى الطلاب ، وبعضها وضع في غير المنهج المقرر ، وتعلو الصرخات ، وتنتشر التشنجات ، وتبيت الأسر في هم غامر

لا تعجب يا أخي الحبيب فنحن نعيش في عصر " الراسخين في الجهل " ، بعد أن كنا نعيش في عصور " الراسخين في العلم " . حيث كان هناك علماء بكل معنى الكلمة ، وكان تأثير الواحد منهم في مجتمعه أقوى من تأثير العشرات ، بل المئات من علماء هذا الأيام التي لخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات قلائل إذ قال : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، وإذا وُسد الأمر غير أهله فانتظر الساعة . فنحن يا أخي الحبيب نعيش عصر تضييع الأمانة ، وتولية رعاة في غير مواقعهم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام " إن شر الرعاة الحُطمة أي الحاكم الظالم الطاغية الذي يحطم حاضر الناس ، ويخرب منازلهم ، ويعمر السجون بالأبرياء منهم .

وصدق سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال من حديث له  : " وإن من إقبال هذا الدين أن تعلم القبيلة كلها ، حتى ما يكون فيها إلا الجاهل أو الجاهلان ، فهما مقهوران ذليلان ، إذا أمرا بمنكر ، أو نهيا عن معروف ذلا وقهرا       

وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو ( تجهل ) القبيلة كلها حتى ما يكون فيها إلا العالم ، أو العالمان ، فهما مقهوران ذليلان  ، إذا أمرا بمعروف ، أو نهيا عن منكر ذلا وقهرا . 

كما أننا نعيش بالنسبة للتعليم بصفة عامة عصر التخلف والتقهقر والسقوط . وعكس ذلك كان في الماضي ، وإذا قال : حكامنا نحن نعلو ونتقدم ، قلت : نعم تعلون إلى أسفل ، وتتقدمون إلى الخلف .

**********

لقد تعلمنا قبل الميمونة     !!

وحتي يسٍلم معروضي وحكمي, أتحدث عما رأيته , وعشتُهُ بنفسي, فهو تصوير لحالات عامة, وإن اتخذ الذات منطلقًا ، مع ملاحظة أنني لم ألتحق بالأزهر ولكن بالتعليم المدني . فبعد قضائي ثلاث سنين في المدرسة «الإلزامية» التحقت بالصف الأول من المدرسة الابتدائية الأميرية (وهو وصف يلحق كل مدرسة حكومية أي غير خاصة ( في بلدتي «المنزلة دقهلية», بعد نجاحي في اختبار تحريري, من لم يوفق فيه يلتحق بالمدرسة الخاصة الوحيدة في البلد.

كان ذلك عام 1945, وكانت المرحلة الابتدائية أربع سنين, حصلت بعدها علي «الشهادة الابتدائية», وبعدها التحقت بالمدرسة الثانوية الأميرية لأحصل بعدها علي شهادة اسمها «الثقافة العامة» ويبدأ التخصص في السنة الخامسة, فاخترت شعبة (الأدبي) لحبي الشديد للأدب واللغة العربية.

لقد بدأت دراستي الابتدائية في العام الذي انتهت فيه الحرب العالمية الثانية وانتهيت من دراستي الثانوية بعد قيام «الميمونة» بعام واحد, وكانت عيني علي «دار العلوم» التي بدأت تقبل الحاصلين علي الثانوية العامة (وكان يطلق عليها التوجيهية) زيادة طبعًا علي الحاصلين علي الثانوية الأزهرية, ولا قبول إلا بعد امتحانات تحريرية وشفوية قاسية, اجتزتها بحمد اللّه, مع أنه لم يوفق إلا نصف العدد المتقدم.

**********

وفي السطور الآتية ألقي بعض الضوء علي طبيعة المرحلتين الابتدائية والثانوية, وأبعاد واقعهما, وآلياتهما اعتمادًا علي نظرة, بل معايشة ميدانية فعلية كما أشرت آنفًا, وذلك قبل قيام "الميمونة" :

 1 - كان الطالب يدفع في بداية كل عام «مصروفات مدرسية» ضئيلة, ويعفي منها الفقراء من الطلاب, وكان ما يدفعه الطالب أقل بكثير جدًا مما يدفعه الطالب حاليًا مقابل «حصة واحدة» في درس خصوصي.

  2 - كانت الإنجليزية تدرس ابتداء من السنة الأولي في المرحلة الابتدائية. أما الفرنسية فتدرس ابتداء من المرحلة الثانوية.

 3  - كان المدرس معلمًا, أستاذًا, عالمًا بكل معني الكلمة, فالمرحلة الابتدائية يتولي التدريس فيها الحاصلون علي مؤهلات عالية من خريجي دار العلوم والأزهر, والجامعات .

  4 وكان العصر, هو عصر «النُّظار العظام» بحق: كان ناظر المدرسة "شخصية" ذات هيبة, وعلم, ومكانة وثقل في كل الأوساط, ولا يخاطَب إلا ب  " فلان بيه  "  .

  5 - لم نكن نعرف – في أي مرحلة - ما يسمي بالدروس الخصوصية, ولا حتي  مجموعات التقوية المدرسية, فالعملية التعليمية كانت تسير في طريقها السوي الطبيعي السديد.

  6 - كان الشعور الجاد الصادق بالمسئولية يسيطر علي المدرسين, فيؤدون أعمالهم بإخلاص وحماسة, وامتد هذا الشعور إلي الطلاب, فلم يكن هناك واقعات غش إلا نادرًا.

  7 - كانت نتائج الامتحانات تمثيلاً صادقًا لقدرات الطلاب وتحصيلهم, لأن الأساتذة كانوا يلتزمون الدقة في «تصحيح أوراق الإجابة», زيادة علي إخلاصهم في العطاء والعمل.

  8 - كانت أيام الامتحانات - بصفة عامة - وامتحانات الشهادات ( الابتدائية - الثقافة - التوجيهية) بصفة خاصة - تمضي كبقية الأيام, دون رهبة أو" طوارئ" أو حرق أعصاب.

**********

تلك كانت أهم ملامح الواقع التعليمي قبل الميمونة  . فما أهم ملامح هذا الواقع بعد قيام الميمونة(1952) ؟ . وأسهًّل الإجابة علي القارئ, وأطلب منه أن يسجل عكس الملامح السابقة ليفوز بملامح هذا الواقع التعليمي الذي نعيشه الآن:

-   أصبحت الدروس الخصوصية هي الأساس, والمدرسة هي الاستثناء, والطالب يكلف أسرته آلاف الجنيهات لهذه الدروس, وعليها أن «تحجز» لابنها مكانًا عند الأستاذ قبل بداية العام الدراسي  بأشهر, و«الأستاذ» يرفض دائمًا ألا يعطي الدرس الخاص إلا «لمجموعة»,  فقد انتهت أيام الدرس الخاص لطالب بمفرده لأن الحصيلة تكون تافهة, لا تقنع الأستاذ, وكأنه المقصود بقول الشاعر:

كالحوتً لا يرويه شيء يَطعمهْ                        يصبح ظمآن وفي الماء فمهْ

  - أما مستوي المدرس - بصفة عامة, فالحديث عنه أصبح من قبيل إهدار الوقت والكلمات.

-   وكارثة الكوارث نراها في " تطويع"  المناهج تبعًا لإرادة «الامبراطور بوش وبعده أوباما » ، فهما وأتباعهما هم صاحب نظرية «تجفيف المنابع الدينية », وهي حقيقة لا تحتاج إلي شرح وتوضيح...

-   ومن فضول القول كذلك أن أتحدث عن المستوي العلمي للطلاب والمتخرجين.

ولا تسلني عن العلاج.. فعرض بعض خطوط العلاج لا يتسع له مقال, ولا أكثر من مقال.. ولا حول ولا قوة إلا باللّه .

ولا تنتظر يا أخي العزيز تقدما علميا أو اقتصاديا أو تعليميا أو سياسيا أو نفسيا في دولة عليها حاكم ظالم ... حطمة .