سبعون عاما في حضن اللغة العربية 29
سبعون عاما في حضن اللغة العربية
الحلقة التاسعة والعشرون
في كلية الألسن
بجامعة عين شمس بالقاهرة
أ.د/
جابر قميحةيذكر التاريخ أن من أشهر أعلام النهضة رفاعة رافع الطهطاوي ( 1801 - 1873 م ) .
ومن أعماله المجيدة أنه افتتح ( سنة 1835م ) مدرسة الترجمة ، التي صارت فيما بعد مدرسة الألسن وعُيـِّن مديراً لها إلى جانب عمله مدرساً بها ،
كانت اللغة العربية تدرس في الألسن منذ أنشأها رفاعة رافع الطهطاوي عام ( 1835م ) ؛ لتكون نقطة انطلاق النهضة العلمية والثقافية في مصر والمجتمعات العربية في العصر الحديث ، عن طريق " نقل وترجمة العلوم والمعارف العصرية " من اللغات الأوربية الحديثة إلى اللغة العربية . لكن النهضة تعثرت بعد محمد علي، فأغلقت مدرسة الألسن أبوابها سنوات طويلة ، حتى أعيد افتتاحها عام (1950 م) ، وكان أول عميد لمدرسة الألسن العليا في مرحلتها الجديدة الدكتور مراد كامل أستاذ اللغات السامية .
وفي ذلك الوقت كان قسم اللغة العربية يضم نخبة من الأساتذة الذين جاءوا إلى الألسن من جامعة القاهرة سواء من كلية الآداب أو من دار العلوم ، وكانوا يدرّسون اللغة العربية وآدابها وحضارتها لطلاب الأقسام الأخرى دون أن يكون هناك طلاب في قسم اللغة العربية ، فلم يكن لهذا القسم شعبة يتخصص طلبتها في اللغة العربية وآدابها مثل سائر الأقسام الأخرى .
وقد حاول أساتذة القسم إنشاء هذه الشعبة، وإعادة سائر الأقسام السابق إلغاؤها قبل الانضمام للجامعة عام (1973م) إلا أنهم لم يوفقوا في بادئ الأمر .
وفي عام ( 1975 م ) وأثناء عمادة الدكتور عبد السميع محمد أحمد أصبح قسم اللغة العربية يستقبل الطلاب – كغيره من أقسام الكلية - ليحصلوا على ليسانس الألسن في اللغة العربية.
تخرجت الدفعة الأولى من هذه الشعبة في مايو ( 1979 م ) . وخرج منهم من خرج للعمل بالوزارات المختلفة كوزارة الثقافة ووزارة التعليم. وعُيّن بعضهم معيدًا بالكلية حيث واصلوا دراساتهم العليا على يد أساتذة القسم. وأصبح منهم الآن أساتذة يتولون التدريس بالشعبة وبالدراسات العليا، ويشرفون بكل اقتدار على أجيال الباحثين من طلبة الماجستير والدكتوراه إلى جانب عملهم بالتدريس في سائر شعب اللغات الأجنبية. وأثرهم واضح وجلي في العمل الأكاديمي وفي النشاط العلمي والثقافي وفي سائر الأنشطة الاجتماعية والثقافية والفنية بالكلية وعلى مستوى الجامعة .
**********
وما ذكرته آنفا هو كلمة تاريخ هذه المدرسة العتيدة ، الذي أصبحت بعد ذلك كلية لها اعتبارها ، ومكانتها العظمى .
أما بالنسبة لي فيعتبر يوم 31 / 3 / 1980 م من أهم أيام حياتي ... انتقلت من توجيه اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم إلى وظيفة مدرس بكلية الألسن بجامعة عين شمس بالقاهرة ، وتسلمت العمل بالكلية اعتبارا من 18 / 4/ 1980 . كانت تبعيتي في السنوات الماضية لوزارة التربية والتعليم ، وبهذا الوضع الجديد أصبحت تبعيتي لوزارة التعليم العالي .
وكلية الألسن اسم على مسمى ؛ ففيها حاليا أقسام متعددة للغات : قسم اللغة العربية ـــ قسم اللغة الإنجليزية ــ قسم اللغة الفرنسية ــ قسم اللغة الصينية ــ قسم اللغة الأسبانية ــ قسم اللغة الروسية ...الخ .
مع ملاحظة أن اللغة العربية تدرس في كل الأقسام ، مع اختلاف في النوع والقدر .
وبدأت العمل في الكلية متحمسا سعيدا بعملي الجديد ؛ فالانتقال من وزارة التربية والتعليم إلى وزارة التعليم العالي يعتبر ـــ كما قلت ــ من أهم وقائع حياتي . كنت أقوم بتدريس الأدب لقسم اللغة العربية الفرقة الثانية ، وللأسف كان عدد الطلاب اثنين فقط ، أي كان قسم اللغة العربية هو أقل الأقسام طلابا وهذا يدعو للأسف . كما كنت أقوم بتدريس الأدب لبعض شعب اللغات الأخرى زيادة على فن المقال .
وكان أهم عامل جذني إلى حب الكلية هو : عميد الكلية الدكتور العالم الإنسان عبد السميع أحمد .. كان عالما إنسانا يحبه كل من يعرفه من الأساتذة والطلاب ، ويعالج الأمور بحكمة واتزان ، وإذا رأى شيئا من سوء التصرف من أستاذ أو طالب وجهه فى أدب جم ، وخلق رفيع ، دون أن يجرح شعور المخطىء ... وكثيرا ما يأخذ نفسه يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ما بال أقوام يفعلون كذا ... وكذا ... نعم بالحب والحكمة والإنسانية استطاع العميد الدكتور عبد السميع أن يقود سفينة الألسن . ولا أنسى موقفا إنسانيا نبيلا لهذا الرجل العظيم ، وكنت أيامها مشرفا على اللجنة الثقافية ومن نشاطها : إصدار ما يسمى بصحيفة الحائط : وهي تعلق على مدخل حائط الكلية ، والطلاب هم الذين يكتبونها ، ولكن علي أن أراجع ما كتبوا وأوقع عليها ، رأيته واقفا أمام صحيفة الحائط ، وهو يقول للطلاب " لا لن تصححوا شيئا إلا بعد حضور الدكتور جابر " ، وكان في المجلة خطأ واضح في آية قرآنية فلما حضرت أخبرني بالواقعة ، فأمسكت بقلمي وأصلحت الخطأ ، وقال لي " منعت أي طالب أن يضع قلمه في الصحيفة إلا بحضورك ". وهذا ايدل على أنه يقدر مكانة العاملين معه من أساتذة وإداريين .
لقد كان الدكتور عبد السميع أحمد : عالما موسوعيا ، وكان فذا في علوم العربية التراثية ، كما كان متواضعا ، لم يتسرب إلى نفسه ذرة واحدة من الكبر ، كما كان يعرف للأساتذة حقهم . وعاشت كلية الألسن عصرها الذهبي في سنوات عمادته .
*********
وكنت بحمد الله أتبع هذا المنهج مع طلابي ، جاهدا أن تكون العلاقة بيني وبينهم هي علاقة الحب والتقدير ، يستوي في ذلك الطلاب والإداريون وكثير من الأساتذة . وحرصا على الجانب الإنساني كنت أعطي المشرفة الاجتماعية خمسين نسخة من كتابي المقرر لتمنحها للطلاب الفقراء ، كما كنت أبيع الكتاب المقرر للطلاب بسعر تكلفته .
وكنت أبذل مع الطلاب من الجهود أقصى ما أستطيع .... وكان الطلاب بحمد الله يعشقون محاضراتي .... ويتزاحمون على المقاعد ، وبعضهم يجلس أمام باب المدرج ، وعلى بعض درجات السلم المؤدي إليه.
*********
وبحمد الله تعالى كان الله يمنحني من القوة والقدرة ما يجعلني ألقي أخر محاضرة في حيوية الأولي ، وذلك لم يعجب أحد الزملاء ممن كانت محاضرته لا تزيد على عشر دقائق .
- ماهذا ياد كتور جابر ؟؟ خفها شوية ... أنت بهذا الشكل ...تنتحر ... تقتل نفسك !!!! .
- بل بالعمل في صورته المثلى ... أحييها ؟
- ولماذا يا أخي !! ؟ ... كل ذلك من أجل الملاليم التي تصرفها لنا الدولة كل شهر , فيما يسمي " مرتبات " !!
- كأنك تريد أن تقول " إديهم على قد " فلوسهم "؟
- نعم .. نعم .
- ياسيدي ... أنا لا أتعامل مع الدولة وملاليمها بل أتعامل مع الله ، ثم مع طلابي الذين حضروا لتلقي العلم .
- ولكنك بهذه " المثالية " تحرج إخوانك .
- وهذا مالم أقصد إليه أبدا, ثم إن تدريس المحاضرة كاملة لايعتبر مثالية ، فهذا هو الأصل ، والخروج عليه شذوذ وتخبط .
إن الطالب في كلية الألسن بخاصة يتمتع بطاقة طيبة من التمييز .. وكلية الألسن هي كلية " القِطع الممتازة " ـ كما يقولون ـ ، إذ لا يلتحق بها إلا الحاصلون على مجموعات مرتفعة في الثانوية العامة . والطلاب لا يقبلون إلا على الاستاذ الذي يعِيشُهم ، ويعاملهم معاملة الأب للأبناء ، ويجزل لهم العطاء العلمي دون منّ أو أذى . كذلك كنت مع طلابي . وكم كنت اسعد بمناقشتهم ، وهي تنطلق من وعي سديد . وتطلع إلى مزيد من المعرفة .
أما وضعي في كلية الألسن فيتلخص فيما يأتي :
1- تدريس الأدب الحديث ، وفن المقال للشعب المختلفة .
2- الإشراف على اللجنة الثقافية .
والحمد لله كان إشرافا جادا ، غنيا بالنشاط الذي تمثل فيما يأتي :
1- إصدار مجلات للحائط .
2- عقد محاضرات وندوات في الأدب والنقد والشعر .
3- الاشتراك في مسابقات ثقافية على مستوى جامعة عين شمس .
وأصبح للجنة الثقافية مكانة كبيرة وشهرة ظاهرة في مجال الأنشطة المختلفة .
*********
وتلقت الكلية كتابا من وزارة التعليم العالي " قسم المهمات العلمية ــ مراقبة العلاقات الثقافية ــ تخطر فيه بأنها ستقوم بترشيحات من أعضاء هيئات التدريس فى مهام علمية لمدة عام في جامعة أوروبية أو أمريكية . وفوجئت بترشيحي للولايات المتحدة ، واتخذت الإجراءات المطلوبة ، وراسلت قرابة خمس عشرة جامعة أمريكية ، ولم أتلق موافقة إلا من جامعة يل Yale بمدينة (نيوهافن ) ، بولاية (كُـنكتِـكتْ) . وأرسلت إليهم رسالة أسأل فيها عن بداية عامهم الدراسي ، وكيفية الوصول إلى الجامعة ، وهل ستوفر لي الجامعة سكنا .. وهل .. وهل ؟
وانتظرت الرد ، على مدى عشرين يوما ، ولكن دون جدوي ... ماذا حدث ياترى ؟ هل رجعت الجامعة الأمريكية عن وعدها ؟ أم ضاع ردها في البريد ؟ أم .. أم ..
والحقيقة أنني كنت قلقا حزينا لأني صرت الآن كالمعلقة ، لا أستطيع أن أتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ، وتذكرت المثل القائل " اليأس إحدى الراحتين ".
جلست إلى مكتبي فى حجرة هيئة تدريس اللغة العربية , وأنا مهموم منقبض النفس . وفجأة ندّت مني نظرة إلى سلة المهملات التي لم انظر إليها من قبل . فرأيت مظروفا عليه ألوان البريد الجوي ...ونهضت .. واكتشفت أن ما ظننته مظروفا أو ظرفا كاملا لايزيد على خمسة سم .. وليس عليه ما يدل على جهة إرساله . وإن حملت هذه القصاصة حرفين بالانجليزية هي LE , قلت في نفسي : قد يكون هذان الحرفان تكملة لكلمة Yale , وأن هناك عابثا حاقدا يمزق كل الرسائل التي ترد إليّ . وكان من عادة العامل الذي يوزع البريد أن يضع بريد كل أستاذ على مكتبه . انطلقت بالقصاصة إلى أخي الصديق الدكتور أحمد زهرة الاستاذ بكلية العلوم بجامعة عين شمس , وعرضت عليه الأمر , فكان جوابه متفقا مع رؤيتي : عندكم في الكلية من يمزق هذه الرسائل ويحرص على ألا تسافر للقيام بالمهمة العلمية .
والحل ؟!!!
- أن ترسل رسالة إلى جامعة Yale تطرح فيها كل ماتريد من أسئلة .
- الله ؟!! سيتكرر ماحدث .. ويمَزق الرد ، وكأننا يا بدر لارحنا ولاجينا !!!
- لأ... نحن لسنا بهذه السذاجة .. سنجعل العنوان هذه المرة على مسكنك .
وكان حلا ناجحا ... وتلقيت من جامعة " يل" ما حرصت على معرفته .
**********
ووجِّـه إلى الكلية كتاب من مراقبة العلاقات الثقافية قسم المهمات العلمية . ونصه:
" السيد مراقب عام كلية الألسن .. بعد التحية
نحيط سيادتكم علما أنه ورد إلى الإدارة كتاب الإدارة العامة للبعثات فى 14/9/1981 المتضمن أنه ورد إليها من مكتب البعثة التعليمية بواشنطن ما يفيد إتمام إجراءات سفر السيد الدكتور/ جابر المتولي قميحة المدرس بالكلية إلى أمريكا للاستفادة من إحدى البعثات في صورة مهمة علمية على نفقة الإدارة العامة للبعثات بمرتب يصرف بالداخل .
وقد تم موافقة السيد ا.د نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث في 31/12/1980 على ترشيح سيادته لهذه المهمة بصفة أصلية . وذلك بناء على ترشيح مجلس الكلية فى 18/12/1980 .
المرجو التكرم بسرعة موافاتنا بموافقة مجلس القسم ومجلس الكلية على إيفاد سيادته في هذه المهمة ، وذلك حتى يتسنى اتخاذ اللازم . وتفضلوا بقبول فائق الاحترام ".
توقيع المراقب العام .
*********
والشخصية الإدارية الثانية – بعد العميد – وهو أستاذ في القسم .. كنت أتمني أن يكون على غير ما أرى . ولاأستبعد أن يكون هو الذي كان يتلقى الرسائل المرسلة إليّ من جامعة يل Yale ، ويمزقها ويلقي بها في سلة المهملات ؛وأنا لا أملك الدليل على صحة هذا الاتهام ، وإن كانت قرائن الأحوال والتصرفات الأخرى الصادرة منه تؤيد هذا الاتهام .
قلت لصاحبنا هذا " النافذ ذو السلطان" ... دعواتك حتى يكرمني الله وأسافر. .
فامال رأسه كبرا ، وقال في ثقل وبطء :
- والله مش باين يادكتور لأن " عندي " اثنين من المدرسين معارين السنة دي " لشيلي " وبكدة يكون " عندي عجز فى مدرسي اللغة العربية .. يعني لن تسافر .
وحتي يزيد من همي – كما يعتقد – كلف طالبا بالكلية .. يعمل بصحيفة الجمهورية أن ينشر الخبر , و فعلا قرأت في أعلى الصفحة الأولى الخبر الآتي:
من الألسن إلى شيلي
تقرر إعارة الدكتور ( محمد عبد الحميد سالم ) والدكتور ( أحمد أمين مصطفى ) المدرسين بقسم اللغة العربية بالألسن للعمل بجامعة (....) بشيلى .
ويفضح الله هذا القميء النافذ ، فلم يُبعث الأستاذان في إعارة لا إلى شيلي ولا لغيرها .
ولكن دعك من هذا فهو نوع من العبث الصبياني . فقد توالت تصرفات هذا " النافذ ذي السلطان" بقصد منعي من السفر. ومنها على سبيل التمثيل :
- أدعى أنني درَّست مقررا واحدا في كتاب واحد على طلاب السنتين الثالثة والرابعة . وهي ولاشك مخالفة جسيمة ، وما ادعاه صاحبنا هذا كذب بواح . صحيح أن الكتاب واحد ’ ولكن نصفه الأول مقرر على السنة الثالثة . وأما قسمه الثاني فقد قررتُه على الفرقة الرابعة .
وتمادى صاحبنا "النافذ" فى الكذب باختراع اتهامات أخرى ، حتى يعوق سفري ، ولكن الله خيب أمله .. ومكنني من الخروج في بعثتي لتحقيق المهمة العلمية . فسعى إلى ثلة من أمثاله عملوا على تعويق ترقيتي إلى " أستاذ مساعد " . ولكن اللجنة المشكلة في العام الذي يليه أنصفتني ، فرقيت وأنف هذا " النافذ القمييء " راغم .
ومن الطرائف المضحكة أن طالبة تقدمت بأطروحة للحصول على درجة الماجستير . واعتقدت أن " النافذ المتسلط القميء " سيكون بالـتأكيد عضوا من أعضاء " لجنة المناقشة " ، فملأت أطروحتها بأقوال وأراء لصاحبنا هذا حتى لا تكاد صفحة تخلوا من استشهاد بكلمة أو برأي له .
ولكنها فوجئت " بما لا تشتهي السفن " ، فشكلت اللجنة مني ، ومن الدكتور " فتوح أحمد " الأستاذ بكلية دار العلوم ، أما المشرف فهو الدكتور " عبد السلام عواد " . وكان موضوع الأطروحة ــ إن لم تخني الذاكرة ــ عن أدب المازني . واستغرقت المناقشة خمس ساعات ، وكان الجو حارا ، فاحترق جهاز المسجل .
وبعد انتهاء المناقشة جعلنا تقديرها " درجة جيد " . وهذا لم يرض المشرف الذي أخذ يرجو ويستعطف بأسلوب مقزز . وأعلنا قرار اللجنة فانهارت الطالبة ، وأخذت تنشج بالبكاء ، وأخذها الزوج في أحضانه ، وأخذ يهدئ من روعها .
وبعد ذلك بأيام قابلتني الطالبة وقالت لي بالحرف الواحد :
ـــ هل تعلم يا دكتور جابر أنني كلما قابلت الدكتور " النافذ " قبلته ؟ .
( وهي تقصد بذلك إغاظتي ؛ لأنها تعلم أنني لا أستسيغ هذا القميء ،
وبيننا كراهية عميقة متبادلة ) .
ـــ يعني ربما تعد القبل في اليوم الواحد 20 قبلة إذا بلغت اللقاءات 20 ؟ .
ـــ آه … وزيادة .
ووجدتني أهمس بكلمتي : " الديوثة " ، " والديوث " .
*********
إنها خواطر فرضت علي أن أجترها .. ومن خلال الوقائع تبرز شخصيتان متناقضتان تماما : شخصية العميد الدكتور عبد السميع أحمد التي اتسمت بالإنسانية والتواضع والحكمة والسماحة والأدب الجم ، وشخصية " القميء النافذ " الذي لايرى أبعد من أنفه ، ويحكِّم دائما هواه على حساب القيم والخلق ، ويجد متعة في إيذاء الآخرين . وعلى أية حال أدعو الله ان يغفر له ، وينير بصره وبصيرته .
وصاحبنا " النافذ ذو السلطان " شخصية تكاد تنفجر من الحقد ، وحقده متجه إلي بصفة خاصة ، وقد يرجع ذلك ــ كما ذكرت آنفا ــ إلى إقبال الطلاب عليّ وحبهم لي ، بينما كانوا يكرهونه ، شكلا وخلقا وطريقة ، والدليل على ذلك أنني كنت أدرس محاضرتي فيقبل عليها الطلاب والطالبات حتى يغص المدرج ، ويجلس كثير منهم خارجه وعلى سلم المبنى . وبعد أن تنتهي محاضرتي ينطلق كل الطلاب " فارين" ولا يبقى منهم إلا قرابة سبعة لإن محاضرة " النافذ ذي السلطان " تلي محاضرتي مباشرة .
وهو يحقد علي لأننيّ بحمد الله أثبت وجودي المثمر في مجال التدريس ، والنشاط الثقافي والفني وعلى المستوى العام .
ومغرور بصورة مفزعة إلى حد قريب من " التوثن الذاتي " . ومن مظاهر ذلك أنه يتحدث عن الكلية أو الجامعة كأنما آلت إليه ميراثا من أجداده ، فيقول : أنا عندي كذا ... وعندي كذا ... الخ . مع أن كل ما ذكره يجب أن ينسب للجامعة أو للكلية . ويشمئز الناظر من هيئته وهو يتكلم مميلا رأسه في تكبر ممقوت .