جوانب من شخصية الأديب الكبير د . جابر قميحة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

بدر محمد بدر

بمناسبة حفل تكريمه

مساء الثلاثاء 1342010

عندما أجلس مع نفسي لأراجع معها فضل الله عليها، حتى تهدأ وتطمئن وترضى، وتحمد الله وتشكره، وتصبر على الأذى وتتجلد أمام المتاعب، أشعر براحة تملأ نفسي وجوانحي، وسعادة تغمرني، واطمئنان يفيض على قلبي ووجداني، لكل هذا الفضل والعطاء والكرم، من صاحب الفضل والمنة سبحانه وتعالى، ويتراءى لي كيف أن الله ـ جل في علاه ـ غمرني وأغدق علٌي بالكثير والكثير مما لا أستحق، وأفكر فيما قمت به من الطاعة لشكر هذا الفضل الكبير، فأجده أدنى من المطلوب بكثير، بل أدنى أيضاً من الممكن، فأنظر إلى نفسي وضعفها، وأسأل الله العفو والمغفرة.

وأبواب فضل الله علٌي كثيرة ووفيرة، ومنها أنه سبحانه أكرمني بالقرب من ثلة رائعة، من الأعلام والنجوم الزاهرة في سماء الدعوة إلى الله، وفي دنيا الوطن وفي عوالم الأمة، كانت لها ـ ولاتزال ـ بصمات بارزة في حياتي، بل وفي حياة أجيال عديدة من أبناء الأمة، ومن بينهم الأديب والعالم والداعية والأستاذ والمفكر والشاعر الكبير الدكتور جابر قميحة، بارك الله في حياته، ومتعة بالصحة والعافية وطول العمر.

تعرفت على الأديب الكبير عندما كان يكتب بعض المقالات الثقافية والأدبية، وتنشر له بعض قصائد الشعر في مجلة "المجتمع" الكويتية الغرٌاء، في تسعينيات القرن الماضي، بينما كنت أنا مراسلها في مصر، وتولى أخي وصديقي الكريم الإعلامي الكبير أحمد منصور، عندما كان مديراً لتحرير "المجتمع" (91 ـ 1997) مهمة تعريفي واتصالي بالشاعر والأديب الكبير، الذي كان يعمل حينها أستاذاً للغة العربية وآدابها بجامعة البترول والمعادن في مدينة الظهران بالمملكة العربية السعودية، وبدأت أتابع باهتمام وتقدير مقالاته وقصائده الرائعة، ثم تواصل الود بيننا أكثر عندما استقر به المقام في القاهرة، في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.

وعندما توليت إدارة تحرير جريدة "آفاق عربية" ـ في الفترة من يونيو 2000 وحتى نوفمبر 2004 ـ تعمقت علاقتي أكثر بالمفكر الكبير، بعد أن انضم إلى قائمة الكتاب الدائمين في الجريدة، فزادها ثقلاً أدبياً، ووزنا مهنياً، وعمقاً فكرياً، وثراءً معرفياً، وشكلت مقالاته مع الدكتور محمود جامع ـ مد الله في عمره ـ والدكتور عبد العظيم المطعني والدكتور أحمد المجدوب ـ رحمهما الله رحمة واسعة ـ وغيرهم، نقلة نوعية كبيرة إلى الأمام في المستوى العام للجريدة وفي أعداد جمهورها العام.

والذي يعرف الدكتور جابر قميحة عن قرب، يلحظ الكثير من الصفات والمواهب، التي حباه الله بها، ويندر أن تجتمع في شخص واحد، فهو شديد الود، شديد التواضع، صاحب بديهة حاضرة، ودعابة محببة، وفكاهة لاذعة.. يبهر سامعه بكثرة معارفه: في الأدب والفن والثقافة والحضارة والتاريخ والدعوة والسياسة، وله رؤية عميقة في التحليل النفسي الإنساني والوجداني، ولا يشبع المرء من حديثه وحكايته مهما طال الوقت، فهو كالبحر الزاخر في كل علم وفن، يقدم لك الجديد والمفيد من قراءاته واستنتاجاته وخبراته في الحياة، في عبارات جادة حيناً، وساخرة ضاحكة في أحيانا أخرى، حتى يطرد الملل والرتابة، ولديه قدرة عجيبة على الوصول إلى عمق النفس الإنسانية، فيتعامل معها تعامل الطبيب الحاذق، والمربي الواعي، والصديق المخلص، والأستاذ المعلم، والأب الحاني.

تعامل معي ـ ولا يزال ـ كأحد أبنائه الأثيرين.. يسأل عني دائماً، ويحادثني هاتفيا باتصال شبه يومي، مملوءة بالود الجميل، والدعابة المرحة، والحكاية الهادفة، ويسعى بكل ما يملك، من أخوة صادقة، ومشاعر أبوية، وإحساس مرهف بالآخرين، إلى التخفيف عني من الضغوط التي كنت أتعرض لها، أثناء إدارتي للتحرير في "آفاق عربية" وبعدها، فكنت ـ ولازلت ـ أنتظر اتصاله وسؤاله عني، ليزول ما بي من ضغوط ومتاعب، وأشعر من حديثه وتواضعه أنه قريب من نفسي، كأنه يعيش معي لحظة بلحظة، فأتشجع وأتصبر أكثر على ما ألاقي من متاعب وهموم.

كانت مقالاته الأسبوعية في "آفاق عربية" تجمع بين القوة والحماسة والرصانة، وفي نفس الوقت ملاحقة الأحداث الجارية، في إطار من التربية الثقافية والسياسية والوجدانية، التي تصل إلى القارئ بوضوح، وكنت ألمس بأن كاتبها يجمع بين حكمة الشيوخ، وحماسة الشباب، وبراعة الأديب، وموسوعية المفكر، بل ومهارة الصحفي المخضرم، الذي يهتم بالعنوان الشيق  الجذاب، وسهولة العبارة وعدم الإطالة حتى لا يمل القارئ، وإذا استشكل علٌي شئ من مقالته، أو خشيت أن تسبب لنا متاعب أمنية، وقد كان الكثيرون يترصدون لنا، اتصلت به وأخبرته بما عندي من ملاحظة، فيشرح رأيه بتواضع جميل، ويترك لي في النهاية الحرية الكاملة لتعديل ما أرى، وكان هذا من فيض كرمه وفضله أيضاً.

ورغم غياب "آفاق عربية" منذ أكثر من أربع سنوات (توقفت في نهاية فبراير 2006)  لم تغب عن باله قط، ولم يتوقف عن السؤال عنها وعن صحفييها وكتابها، وعن موقعها على الإنترنت وإمكانية عودتها مجددا، رد الله غيبتها.

بارك الله في حياة العالم الكبير الدكتور جابر قميحة، وحفظ عليه صحته وعافيته، وتقبل منه طاعته وجهاده، ونفع الأمة به وبعلمه.. اللهم آمين.