من أساليب التربية النبوية 10

من أساليب التربية النبوية

التنافس على تبوؤ المكانة العالية (10)

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

لا بد للكلمة الطيبة أن تؤثر في النفس السوية وتتفاعل معها ، فإذا تخير صاحبها مكانها وزمانها فوعظ بها السامعين  كان الأثر أكبر وأعم وأنفع ، وسعى السامع ـ بعد التأثر بها وتمثيلها ـ إلى العمل بها . .

ويزداد رغبة في التسامي ، ونيل المرتبة العليا إذا كان هناك تنافس أخوي يرجو به صاحبه الوصول إلى رضوان الله وكرامته ، وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعظ أصحابه أحياناً بما يجعلهم يتطلعون إلى تبوؤ المكانة العليا عند الله ورسوله .

ومما كان يفعله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :ما رواه سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يوم خيبر : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله   ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه .

 ( إذاً ؛ من سمات القائد المقبل الذي يختاره ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

أولاً : أنه سيستلم راية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأعظم بها من راية ! لن يقلده إياها رجل من الرجال مهما كان عظيماً ، إنما الذي يقلده اياها حبيب الله ورسوله .

ثانياً : أنه رجل يتحلى بصفات الرجولة الكاملة ، وهذا وصف أغدقه الرسول عليه .

ثالثاً : أنه مؤمن يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله . وهو وصف صادر عن أكثر الناس إيماناً ، إنه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .

رابعاً : أنَّ النصر على اليهود كائن على يديه ، وهي بشرى عظيمة لأن من يفتح خيبر مجاهد في سبيل الله ، أما من يسالم اليهود ـ مهما كان السبب ـ فهو عديم الإيمان . . ( نقولها ونحن مطمئنون إلى صحة ما نقول ) .

فبات الناس يدوكون(1) ليلتهم ، أيهم يُعطاها ، فلما أصبحوا غدَوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكلهم يرجو أن يُعطاها .

كلمة قالها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبات الناس يقلبون الوجوه ويتساءلون : من هذا الذي عناه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكلهم يرجو أن يكون هذا الرجل . أرأيت إلى التنافس الإيجابي ؟!! .

وعند الصباح ، وفي صلاة الفجر ، ذهب الجميع إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تشرئب أعناقُهم إليه ويتطاولون ، عسى أن ينتبه إلى المحظوظ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيختاره ، فيعود بربح الدنيا والآخرة .

قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أين علي بن أبي طالب ؟

فقيل : هو يشتكي عينيه . ( فيهما رمد يضعف الرؤية ) .

فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق في عينه ، ودعا له ، فبرئ كأن لم يكن به وجع . فأعطاه الراية .

فقال علي : يا رسول الله ، أقاتلتهم حتى يكونوا مثلنا ؟

فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : انفذ على رسلك ، حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى . فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم (2) .

ومن الأحاديث التي حث فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين أن يتنافسوا على فعل الخيرات وإحراز المبرات ، ما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :

إن لله تسعة وتسعين اسماً من حفظها دخل الجنة(3) .

 وفي رواية للبخاري : من أحصاها دخل الجنة .

     فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يريد من المسلمين :

     1ـ أن يحصوا أسماء الله تعالى .

     2ـ أن يحفظوها .

     3ـ أن يتخلقوا ـ ما استطاعوا ـ بهذه الصفات ليحبهم الله تعالى ، لأن التخلق بها تقرّبٌ إلى الله وتعبيرٌ عن حبه ، والتزام دينه واتباع شريعته . ولا بد للمسلم أن يحوز ذلك لينال رضوان الله وفضله .

ومن الأحاديث التي تحض ـ كذلك ـ على التنافس لتبوؤ المكانة العالية : ما رواه أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان(4). وقال تعالى : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )(5) .

فالمسلم يرتاد المساجد ، ويحرص على ذلك ليُشهَد له بالإيمان في الدنيا وفي الآخرة .

اللهم اجعلنا من هؤلاء ، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم .

              

(1)    يدوكون : يخوضون ويتداولون الرأي .

(2)    حمر النعم : إبل أصيلة لونها يضرب إلى الحمرة . والحديث رواه بخاري ومسلم .

(3)    رواه البخاري ومسلم .

(4)     رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن .

(5)    سورة التوبة : الآية 18 .